طبعاً الخلاف الانتخابي المستمر بين الحزب الديمقراطي الذي يعترف بالرئيس المنتخب جو بايدن وأكثرية الجمهوريين الذين يرفضون نتائج الانتخابات في ست ولايات، ويعتبرون الرئيس دونالد ترمب المنتصر، لا يزال يخُضّ أميركا، حتى حسم الموضوع في بداية 2021، إلا أن كثيرين من أصحاب القرار والرأي في الشرق الأوسط يهيئون لما بعد 20 يناير (كانون الثاني) المقبل أياً كانت النتائج العملية، وكل قيادة قومية تجري حسابات دقيقة لتأثير السياسة الأميركية الجديدة، ومعظمها “يحسب” على أساس إدارة بايدن، مع إبقاء أنملة احتمال لدور لترمب. وفي سيناريو بايدن، هناك اتجاهان متناقضان، الأول صورة تفرضها الصحافة الغربية، وهي استتباب الاستقرار بحلول بايدن، السناتور المخضرم، رئيساً جديداً على الولايات المتحدة، ويشرع أصحابه بالتنبؤ بأن بايدن “الخبير في السياسة الخارجية” ستكون له مقدرة في إيجاد الحلول المطلوبة وسيعيد “هيبة” أميركا على الساحة العالمية، ولا سيما في الشرق الأوسط، إلا أن أصحاب هذه المقولة لا يقولون كيف سيتم ذلك، ربما لأن ليست هناك أجوبة جاهزة لما يمكن فعله بعد.
الاتجاه الآخر في حلقات بايدن، واقع يفرض نفسه بسلاسة، وهو التحاق كوادر تيار الرئيس السابق باراك أوباما بالإدارة الانتقالية لبايدن ما يعطي فكرة واضحة عن اتجاه الملفات الخارجية والشرق أوسطية، إذا انطلق عهده طبيعياً، وبسبب الاتجاهين المتناقضين، بات صعباً على الأوساط المتابعة للسياسة الخارجية الأميركية في واشنطن وأوساط القيادات الإقليمية في الشرق الأوسط أن ترى بوضوح ملامح سياسة بايدن حيال الأزمات الإقليمية، وسيبقى هذا اللاوضوح حتى تنجلي الأمور الدستورية تماماً في أميركا، بطريقة أو أخرى.
لكن، للعارفين بدقائق الأمور والمحللين المخضرمين في واشنطن، تقديرات لما ستؤول إليه سياسة إدارة الرئيس المنتخب المحتملة في بقاع عدة من المنطقة، انطلاقاً ممن سوف يؤثر في قراراتها. لنأخذ الملف الأصعب، سوريا، ماذا ننتظر، ومن هي قوى الضغط التي قد تؤثر في سياسة بايدن، وما هدفها؟
“اللوبي الإيراني”
اللوبي الأول الذي سيؤثر في إدارة بايدن حيال سوريا هو “الإيراني”، أو إذا كنا دقيقين أكثر، لوبي الاتفاق النووي الإيراني، أي مجموعة المصالح المالية والاقتصادية التي ستستفيد من العودة إلى الاتفاق الذي أنجزه أوباما في 2015. هذه الكتلة لها القدرة الكبرى في الضغط على أية مجموعة عمل تابعة لأوباما داخل حلقات بايدن. وأهمها، المصالح التي تربط قطاعات اقتصادية أميركية وأوروبية بالأسواق التي قد يفتحها الاتفاق الراجع، وهذا يعني أن نفوذها سيكون الأكبر، ومن مؤشرات هكذا تأثير، ترشيح رأس “اللوبي الإيراني” تريتا بارسي إلى مركز مدير الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، بغض النظر إذا عُيّن أم لا، من هنا، فإن تأثير طهران سيكون قوياً في الملف السوري، ما يعني أنه بغض الطرف عن الصورة السلبية للرئيس الأسد ونظامه في أوساط الديمقراطيين ولدى هيئات حقوق الإنسان والليبراليين، فإنه سيصعب على إدارة بايدن أن تشنّ حملة شاملة على النظام كما فعل أوباما ضد القذافي في 2011. أضف إلى ذلك، الوجود الروسي العسكري الكبير في سوريا، وتحالفه مع إيران، لذا، المتوقع أن الاتفاق النووي سيحمي، مرة أخرى، نظام الأسد، سنوات أربعاً آتية.
“الإخوان المسلمين”
اللوبي الثاني، هو كتلة ضغط “الإخوان المسلمين”، التي تساندها قطر وتركيا، ففي عهد أوباما، تمكّن من الحصول على دعم معيّن “للجيش السوري الحر” لبضع سنوات، تحوّل تدريجاً إلى الميليشيات “الإسلاموية” على الرغم من تواصلها مع مجموعات تكفيرية (معروفة بالجهاديين في الغرب)، ليلتحم مع مصالح “حكومة العدالة” التي يقودها الرئيس أردوغان، بالتالي دعم الميليشيات الإخوانية في الشمال السوري، و”الإسلامويين” وأردوغان في أيام أوباما، ونجح خلال عهد ترمب أيضاً، على الرغم من أن الرئيسين اختلفا في كل السياسات الخارجية.
إن تشكلت إدارة بايدن، فالمنتظر أن يستمر لوبي الإخوان بالقوة نفسها، لا سيما أن المنظمات الإخوانية التي دعمت بايدن، كمنظمة “كير” “CARE”، ونواب، كعضو المجلس إلهان عمر، وسيكون لها تأثير في عهده. لذا سيستمر التواصل مع المحور الإخواني، ما ينعكس على سياسة واشنطن حيال سوريا.
اليسار الماركسي
اللوبي الثالث، هو مجموعات الضغط اليسارية الراديكالية، الشيوعية و”التقدمية” التي تتواجد تحت جناح السيناتور ساندرز، ويتجسد بعضها في منظمتَي “أنتيفا”، و”BLM” ولها خبرة محدودة في الشرق الأوسط، وعلاقات مع رموز قديمة ماركسية في المنطقة، وحيال سوريا تقف مع من تعتبرهم “ماركسيي سوريا والعراق” لا سيما منظمة الـ PKK (حزب العمال الكردستاني)، ويعتقد البعض أن الجناح الماركسي هذا سيقف مع من هم امتداد لهذه المنظمة في شمال سوريا، أي الـ “YPG” الكردي (وحدات حماية الشعب) على الرغم من أن هذا الأخير ليس بوارد أن يقيم هكذا علاقات علنية مع أقصى اليسار الأميركي كي لا يخسر اليسار المعتدل والمحافظين. قوات سوريا الديمقراطية “التي تضم أكراداً، وعربا،ً ومسيحيين سريان وآشوريين، لن تريد الدخول في محاور سياسية داخلية في أميركا. “أنتيفا” والـ “BLM” سيكون لهما تأثير نضالي جماهيري في بايدن ليس سياسياً واسعاً. لذا، سيلعب هذا اللوبي دوراً في حماية دور الـ “PKK” في سوريا في واشنطن، ما سوف يعقّد الأمور أكثر للسياسة الأميركية تجاه المعضلة السورية.
“ستاتيسكو”
إضافة لهذه اللوبيات الثلاثة، ستستمر جمعيات الليبراليين ويسار الوسط في أميركا، العديدة في واشنطن، في التواصل مع جمعيات المجتمع المدني السوري داخل البلاد وخارجها، كما فعلت منذ اندلاع الثورة السورية منذ عقد تقريباً، غير أن تأثيرها سيبقى في أوساط وزارة الخارجية وبعض الوكالات الإنسانية. كان من الممكن أن تحصل هذه القوى على دعم واسع من إدارة أوباما بين 2011 و 2016، إلا أن اللوبيات الإيرانية والإخوانية حصدت الأوراق منها. والليبراليون لم يحصلوا على دعم إدارة ترمب بسبب ضغط اللوبي القطري ما بين 2000 و2017. أما القوى السنية العربية، القريبة من التحالف العربي، فهي أيضا تم استبعادها من قبل اللوبي الإيراني تحت أوباما، واللوبي الإخواني تحت ترمب. ولم تحصل إلا على دعم أميركي محدود في مناطق “قسد” بالشمال الشرقي.
إذاً، مع هكذا قوى متناقضة، كيف يمكن لسياسة بايدن أن تُحدث اختراقاً في حل الأزمة السورية؟ إذاً، لن تعمل إدارته على إسقاط نظام الأسد لأنها ستعقد صفقة مع النظام الإيراني، ولن تتمكن من تفكيك الميليشيات التكفيرية والإخوانية في سوريا بسبب اللوبي الإخواني في واشنطن، ولن تدعم الأكراد والأقليات فيها للوصول إلى استقلال ذاتي، ولن تذهب أبعد من مساعدات محدودة لليبراليين السوريين ليغيروا النظام. فإلى أين ستصل؟
البعض يقول إنها ستسعى إلى العودة إلى المفاوضات السياسية للوصول إلى حل سياسي، ونحن نقول هذا صحيح، أي أنها “ستسعى إلى العودة” وستبقى في معادلة “المساعي” كما كانت السياسات أيام أوباما، إذ إنه ما لم يغير فريق بايدن موقفه من اللوبيين الإيراني والإخواني في واشنطن ستبقى سياسة أميركا في سوريا كما هي عليه، أي سياسة الـ “ستاتيسكو” “الساعية” أي السنوات الأربع الجديدة من الثماني الـ “أوبامية” السابقة.
تبقى التفجيرات الإقليمية، والمفاجئات، وما لم يؤخذ في الاعتبار، وذلك يحسب له عندما يحدث، وتتجسد إدارة بايدن في الواقع يوم 20 يناير 2021.
المصدر: اندبندنت