صلاح القلاب
مع أن عالم الغرب الأوروبي قد شهد انهيارات مدمرة كثيرة وأساسية في سنوات النصف الثاني من القرن العشرين أدّت إلى زوال منظومة دول أوروبا الشرقية «الاشتراكية» وأيضاً إلى انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يوصف بأنه عظيم، ومعه كل الدول والأنظمة التي كانت تدور في فلكه، مثل كوبا وفيتنام وغيرهما، فإن الأمور لم تصل إلى ما وصلت إليه بعض الدول العربية التي «ادّعت» أنها جزء من المنظومة الشرقية التي لم يبقَ منها، وفي الرمق الأخير، إلا الصين «الشعبية» وبعض الدول «المايكروسكوبية» الصغيرة التي ما عادت تذكر عالمياً إلا في مناسبات عابرة لا تتكرر في السنة كلها إلا مرات قليلة.
والمعروف، إلا لبعض المناكفين الذين ما زالوا يتمسّكون بماضٍ قد بات بعيداً، ولن يعود على الإطلاق، وفقاً لحسابات الزمن الطويل، أنه لم تعد هناك مجموعة اشتراكية، ولا حزب أو تنظيم شيوعي في معظم دول العالم الثالث، وفي مقدمتها بعض الدول العربية التي كان قادتها قد رفعوا شعارات «الماركسية اللينينية»، وهم قادة قبائل وعشائر متناحرة ومتقاتلة، وحيث إنّ نهايتهم كانت بتسليم رقابهم ومصائرهم للذين كانوا يعتبرونهم أتباعاً للدول الإمبريالية… والبعض أضاف و«للعدو الصهيوني»!!
إن هذا ليس من قبيل مديح الأنظمة وبعض التشكيلات الرأسمالية التي بعد غياب المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي باتت تتحكم في العالم كله، وخاصة ما يسمى «العالم الثالث» الذي بعد انهيار هذه المنظومة الاشتراكية وغياب موسكو الشيوعية غير مأسوفٍ عليها أصبحت حاله كحال الأيتام على موائد اللئام، وحقيقة أن هذا أمر كان متوقعاً منذ البدايات، اللهم إلا للمناكفين والمصابين بداء غياب البصر والبصيرة الذين ما زالوا يتمسكون بأوهامهم السابقة التي لم تبقَ منها إلا الذكريات البعيدة.
إنه بالإمكان الحديث في هذا المجال عن أوضاع تركيا الإردوغانية من غروب الشمس حتى شروقها وتربعها في كبد السماء في اليوم التالي، لكن ما يمكن اعتباره «ما قلّ ودل» هو أن الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي يبدو متعدّد الأمزجة، قد بادر بعد احتضان عددٍ من قادة «الإخوان المسلمين» المصريين، الذين يشكلون بعض القيادة العليا للتنظيم العالمي «الإخواني»، إلى طردهم شرَّ طردةٍ إرضاءً للقيادة المصرية التي اشترطت إبعادهم عن أنقرة وإسطنبول أيضاً مقابل الاستجابة للطلب التركي باستئناف العلاقات «الأخوية» المصرية – التركية السابقة!!
ولعل ما تجدر الإشارة إليه هو أن هذا الاستعراض كله، بدءاً بـ«الإخوان المسلمين»، هو من أجل التأكيد على أن القرن الفائت، وخاصة منذ بداية العشرينات فصاعداً، كان قرناً شحيح العطاء وبائساً، وأن التشكيلات الحزبية التي كانت قد ظهرت منذ أواخر عشريناته فصاعداً، وأولها هذا التشكيل «الإخواني»، كانت نهايتها مأساوية، سواء أكانت «إسلاموية» أم قومية أم دولية (عالمية) أم إقليمية أم محلية، ما يعني أن أعوام هذا القرن الراحل كانت مأساوية بالفعل في هذا المجال، وأنها لم تعطِ لهذا القرن الجديد، القرن الحادي والعشرين، إلا الخيبات المتراكمة، ما يعني أن البداية يجب أن تكون من الصفر وعلى أساس أنه لا يوجد ما من الممكن التوكُّؤ عليه، ولو بالحدود الدنيا.
وهنا، ونظراً لأن «الإخوان المسلمين» كانوا هم التنظيم الأهم في أواخر سنوات هذا القرن، الذي هو قرن الإحباطات الفعلية الكثيرة، وحيث إن القوى الحزبية الأخرى التي هي «حزب البعث»، الذي انشق على نفسه، وأصبح هناك بعث سوري وبعث عراقي… وبعث بين هذا وذاك، وحركة القوميين العرب والحزب الشيوعي بفرعيه، الفرع الروسي والفرع الصيني، وحزب التحرير الإسلامي، وكل هذه التشكيلات الوهمية الأخرى التي تجاوز عددها، بالنسبة للأردن 40 حزباً، وهذا ينطبق على عدد من الدول العربية «الديمقراطية»!! ومن بينها لبنان في عهد مضى، وأيضاً مصر وتونس والجزائر والمغرب والسودان في الفترة الأخيرة، والعراق، بما في ذلك الأشقاء الأكراد بقيادة مسعود بارزاني، وأيضاً اليمن الذي لم يعد سعيداً بعدما ابتلي بوباء «الحوثيين» التابعين سياسياً وأمنياً وعسكرياً لدولة «الولي الفقيه» إيران، التي باتت تتمدد في 4 دول عربية؛ هي بالإضافة إلى اليمن؛ بلاد النهرين، وسوريا الموزعة بين 1000 تنظيم وتنظيم، ولبنان الذي باتت عاصمته ضاحية بيروت الجنوبية، والذي أصبح القرار فيه لحسن نصر الله.
كان «الإخوان المسلمون» قد تم تأسيسهم في مصر في مارس (آذار) عام 1928 وكان على رأس المؤسسين حسن البنا، الذي تم اغتياله في فبراير (شباط) عام 1949. وكانوا قد أوجدوا تشكيلات لهم في كثير من الدول العربية، بعضها قد اقترب من السيطرة على الحكم فيها، ومن بينها مصر نفسها، بل إنهم سيطروا على الحكم في هذا البلد، وأصبح أحد قادتهم هو محمد مرسي عيسى العياط رئيساً لجمهورية مصر، لكنه ما لبث أن تمت إطاحته في ثورة شعبية ساندها الجيش عام 2013، وهكذا فقد انتهى «الإخوان المسلمون» إلى هذه الأوضاع التي هم فيها الآن، حيث إنهم قد خسروا القرن العشرين، وخسروا هذا القرن أيضاً، وتساووا مع الأحزاب الأخرى التي قد انتهت كلها، من دون أي شيء، ولو حدود دنيا من الإنجازات الفعلية.
والمؤكد أنه كان بإمكان «الإخوان المسلمين» ألا يخسروا قرناً كاملاً من السنوات لو أنهم تصرفوا، وخاصة في مصر وبعض الدول العربية الأخرى، بطرق عقلانية، أو أنهم لم يتبعوا أساليب الانقلابات العسكرية، كما اتبعتها أحزاب، من بينها حزب البعث، سواء في سوريا وفي العراق، والمعروف أن إزاحة الرئيس المصري محمد حسني مبارك عن موقعه قد كانت في هيئة انقلاب، نفذه عملياً التنظيم «الإخواني»، ثم إحلال محمد مرسي، بعد فترة انتقالية، وهكذا إلى أن وصلت الأمور إلى أن انتهى عملياً الوجود «الإخواني» في هذا البلد العربي.
وهكذا، فإن ما حصل مع «الإخوان المسلمين»، في مصر وفي المنطقة العربية كلها، قد حصل أكثر منه كثيراً مع حزب البعث الذي كان قد حقق وجوداً تنظيمياً كاسحاً، وخاصة في سوريا والعراق والأردن أيضاً، حتى قبل أن يسيطر على الحكم في القطر العربي السوري والقطر العراقي حسب المصطلحات البعثية، لكن هذا كله ما لبث أن انتهى وتلاشى، وذلك مع أنه – أي هذا الحزب – بقي يحكم، وإنْ شكلياً في عهد الأسد الأب، والأسد الابن، الذي لم يعد نظامه يسيطر إلا على جزء من دمشق وعلى بعض الامتدادات الوهمية في المناطق السورية.
وبالطبع، فإن ما حلّ بهذا الحزب، فأضاع مرحلة تاريخية من القرن الماضي، قد حلّ بأحزاب أخرى، من بينها الحزب القومي السوري وأحزاب أردنية وسورية ولبنانية وأيضاً عراقية متعددة، كان وجودها ولا يزال شكلياً، ما يعني أنّ القرن الماضي كان قرن ضياع حزبي، وكان قرن انقلابات عسكرية، لم تحقق إلا الويلات والخراب والدمار، وكرست أنّ القرن العشرين كان قرن ضياع سياسي، وأنه لم يترك إلى القرن الجديد، القرن الحادي والعشرين، إلا المآسي والدمار، وهنا مع استثناء بعض الدول العربية التي لم تدخل معترك الأحزاب السياسية
المصدر: الشرق الاوسط
01203766656584
130 4 دقائق