الحدث

الجيش يسبق عون بمطلب الخبراء الدوليين… وبشروط !

ملاك عقيل – أساس ميديا-الثلاثاء 20 نيسان 2021

تتفاعل قضية زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هايل إلى بيروت ومضمون المحادثات التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين في شأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، خصوصاً مع فريق رئيس الجمهورية ميشال عون.

ففي الأيام الماضية نقل محمد عبيد، المتابع الدقيق لملفّ الترسيم، معلومةً لم ينفِها القصر الجمهوري وتفيد بأنّ هايل سمع من الوزير السابق سليم جريصاتي تأكيداً خلال اجتماعه به، بحضور النائبين آلان عون والياس بو صعب، أنّ “تعديل المرسوم 6433 أصبح وراءنا”.

من نتائج الزيارة مطالبةُ رئيس الجمهورية “باعتماد خبراء دوليين لترسيم الخط، والالتزام بعدم البدء بأيّ أعمال تنقيب نفطية وغازية في حقل كاريش ولا في المياه المحاذية”، مع تأكيد “أحقية لبنان بتطوير موقفه وفقاً لمصلحته وللأصول الدستورية”، وذلك في ظل تعرّض الرئاسة الأولى لحملة على خلفية تمنّع عون عن توقيع تعديل المرسوم الذي يمنح لبنان 1430 كلم مربعاً إضافية في المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل، والتراجع عن قرار اتّخذه سابقاً بأن يبعث رسالة إلى الأمم المتحدة تفيد بتغيير الإحداثيات من الخطّ 23 إلى الخطّ 29.

وللمرّة الأولى، من خارج سياق البيانات التقليدية الصادرة عن رئاسة الجمهورية، لفت تعليقٌ على تويتر للمدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير بدا في إطار الردّ “الشخصي” منه على هذه الحملات قائلاً: “أنا مؤتمن على المحافظة على تطبيق الدستور وفصل السلطات وتوازنها وتعاونها، وعلى هيبة ما تبقى من المؤسسات، وعلى الوفاق الوطني في المسائل ذات البعد القومي، بتوجيه من رئيس الجمهورية. موازاة الصيغ أساس الحوكمة في إدارة شؤون العباد والبلاد. كفانا مزايدات وتضليل”.

وفيما يتقدّم مطلب الاستعانة بخبراء دوليين مشهد الترسيم البحري، في ظلّ صمت عين التينة وحزب الله، تقول مصادر مطّلعة على الملف إنّ “الوفد المفاوض اللبناني هو من طلب أساساً مشاركة خبراء دوليين في المفاوضات، ومناقشة الموضوع مع الوفد اللبناني لحلّ النزاع الحدودي البحري اللبناني الإسرائيلي. وقد حصل ذلك خلال المفاوضات، في آخر جلسة بتاريخ 2/12/2020 مع الوفد الأميركي، ولكن على أساس التفاوض بين الخطّ 1 والخطّ 29. وقد رفض الجانب الأميركي هذا الطرح لمعرفته أنّ الوفد المفاوض اللبناني سوف يُقنِع الخبراء الدوليين بوجهة نظره ويحصل حتماً على خط يقع جنوب الخطّ 23، ويحمي بذلك حقل “قانا” الواعد بالنفط والغاز”.

ووفق المصادر “لا يزال الوفد اللبناني عند رأيه منتظراً هؤلاء الخبراء بشرط عدم حصر التفاوض فقط على أساس 860 كلم مربعاً، كما يريد الوسيط الأميركي، الذي يتبنّى الموقف الإسرائيلي تبنّياً كاملاً من خلال طرحه خطّ “هوف” الذي يقضم جزءاً كبيراً من حقل “قانا”، وبشرط المناقشة المشتركة مع الوفد المفاوض اللبناني على أساس القانون الدولي وتقنيات الترسيم المعتمدة رسمياً، وضمن مهلة محدّدة، كي لا يضيع الإسرائيلي الوقت لفترة طويلة في النقاش التقني القانوني ويبدأ الاستخراج من حقل كاريش”.

 

عامل الوقت… ضدّ لبنان

لكن ماذا عن تداعيات اللجوء إلى هذا الخيار في ظل توقّف المفاوضات، مع “وعدٍ” أميركي بالعمل من أجل استئنافها مجدّدا، وتحت ضغط عامل الوقت الذي يعمل ضدّ لبنان؟

يقول الأستاذ الجامعي والخبير في مجال شؤون النفط والغاز الدكتور شربل سكاف إنّ “الاستعانة بخبراء دوليين في مجال الترسيم البحري لإعادة تحريك المفاوضات ممكن أن يقود إلى تسلّح لبنان بدراسة أو استشارة دولية إضافية تعزّز الدراسة التي خلص إليها الجيش (الخطّ 29)، ودراسة مكتب الهيدروغرافيا البريطاني (UKHO) التابع لوزارة الدفاع البريطانية والمعروف بدقّته وتقنيّاته العالية، لأنّ عمل الخبراء الدوليين يستند إلى القانون الدولي، والسوابق في الترسيم البحري، والأحكام الدولية باعتماد مقاربة خط الوسط، وظروف ذات صلة سنداً للمادة 15 والمادة 74 من اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار، والاجتهادات القضائية الصادرة عن المحاكم الدولية”.

ويوضح سكاف: “في هذه الحالة، سيأخذ أيّ خبير دولي محايد، على الأرجح، بالخطّ 29 الذي سيُسقِط أي تأثير لصخرة تيخليت لأنّها غير مأهولة ولا نشاط اقتصادياً فيها، وهي عبارة عن نتوء صخري بحجم مسبح أولمبي. وهذا الرأي الدولي سيضرب الخطّ 1 (الإسرائيلي) و23 اللبناني (الصادر بمرسوم 6433). فالقرارات الدولية الصادرة في نزاعات كهذه لا تأخذ في الاعتبار الجزر غير المأهولة، والتي لديها أثر غير تناسبي، وهو الأمر الذي ينطبق مثلاً في حالة النزاع البحري بين مالطا وليبيا، والكثير من حالات النزاع في العالم”.

ويضيف: “سَبق للجيش أن أعلن انطلاق عملية التفاوض حول الترسيم من نقطة رأس الناقورة برّاً والمُمتدّة بحراً تبعاً لتقنية خطّ الوسط من دون احتساب أيّ تأثير للجزر الساحلية، استناداً إلى دراسة أعدّتها قيادة الجيش وفقاً للقوانين الدولية، وهو ما يُكسِب لبنان مساحة إضافية في مياهه تصل إلى 1430 كلم مربعاً”.

ويعتبر سكاف أنّ “اللجوء إلى الخبراء الدوليين في هذه المرحلة مفيد لأنّه قد يقوّي موقف لبنان في المفاوضات، لكنّ المدى الزمني مهمّ جداً، إذ يجب ألا يأخذ النقاش وقتاً طويلاً، وقد يحصل في مهلة أسابيع قليلة إذا صفت النيات وإلا فالوقت سيلعب بقوة ضد الجانب اللبناني”.

 

الـ know how من الإيطاليّين

ويتابع سكاف: “أنشأ الجيش اللبناني عام 2014 مصلحة الهيدروغرافيا في القوات البحرية، وأصبحت جاهزة عام 2018، بعدما زُوِّدت بأفضل التقنيات وببرامج المسح وترسيم الحدود بمساعدة الدولة الإيطالية. وقد أجرت هذه المصلحة مسحاً لشاطئ الناقورة، الذي يؤثّر في ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وحصلت على معطيات أكثر دقة سمحت بتعديل المرسوم 6433/2011 بالاستناد إلى المادة الثالثة منه. إذاً الـ know howاكتُسِبت من الإيطاليين، وتماهت دراسة العقيد في الجيش اللبناني مازن بصبوص، في جزء كبير منها، مع دراسة مكتب الهيدروغرافيا البريطاني، وصبّت دراسة المستشار في محكمة العدل الدولية نجيب مسيحي في الإطار نفسه. واستُعين بالأحكام الدولية في هذا النوع من النزاعات، فهي منشورة وليست سريّة… وكل هذه المعطيات تصبّ في مصلحة لبنان شرط عدم إضاعة الوقت”.

 

ورقة قوّة بيد لبنان

وتفيد أوساط مطّلعة أنّ “لبنان يملك ورقة قوية بيده، تتمثّل في أنّ إسرائيل تعمل جدّياً لكسر احتكار شركة Chevron الأميركية، التي تعمل في حقول أخرى تنقيباً عن الغاز والنفط بعد استحواذها أخيراً على شركة النفط والغاز Nobel Energy الأميركية بقيمة 5 مليارات دولار. والأخيرة تمتلك حصصاً في حقلين إسرائيليين عملاقين هما “تامار” و”ليفياتان” الإسرائيليين، وحقل أفروديت في قبرص. وكسر الاحتكار يحصل من خلال بدء الشركة اليونانية أعمالها في الاستخراج من حقل كاريش. وستشكّل هذه الشركة بدورها ضغطاً على الاسرائيلي كي يحلّ أزمة النزاع، في حال إيداع الخطّ 29 في الأمم المتحدة بدلاً من الخطّ 23، قبل أن تبدأ بإنتاج النفط والغاز من  حقل كاريش.”

 

مخالفة أعظم!

يذكر في هذا الإطار الجهد الذي يبذله وزير الخارجية شربل وهبة مع الجانب اليوناني بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية. وتقول الأوساط: “لا شكّ أنّ تعديل الإحداثيات السابقة بمرسوم هو الورقة القانونية الأقوى والأهمّ. وتعثر صدوره  يُبقي خيار إرسال رئيس الجمهورية رسالة إلى الأمم المتحدة قائماً وضرورياً. لكن لا تزال الممانعة الرئاسية موجودة حتّى الآن، وتبقى القنوات الدبلوماسية المفتوحة والاستعانة بخبراء دوليين عوامل مساعدة لفكّ الحصار عن طاولة التفاوض”.

ويجزم مطّلعون، في هذا السياق، أنّه “إذا اعتبر رئيس الجمهورية توقيع تعديل المرسوم 6433 بصورة استثنائية، بالشكل الذي وصل إليه، مخالفةً دستوريةً، فعليه أن يعلم أنّ مخالفة دستورية أكبر وأعظم من مخالفة توقيع المرسوم الشكلية ستُرتكب، وهي ضياع ثروة لبنان وقسم من مياهه البحرية التي تعتبر جزءاً من الأراضي اللبنانية التي كفلها الدستور في المادة الثانية منه. والإسرائيلي لن يوقف الاستكشاف في البلوك 72 والإنتاج من حقل كاريش خوفاً من البيانات التي يصدرها الجانب اللبناني والتي لا قيمة قانونية لها”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى