عشرة أسباب تبرر قانونياً وعملياً تدمير سد النهضة
السفير الدكتور عبدالله الأشعل
الآن وصلنا إلى مرحلة ما بعد السد ومع ذلك لا أدري علام تراهن الحكومة المصرية وقد اتخذت سلوكاً في القضية الخطيرة تلعب بها على حافة الهاوية، وهذا السجل على كل حال يحتاج إلى تحقيق دقيق للكشف فيما بعد عن مواطن الخلل والجهل أو الزلل.
لدي عشرة أسباب على الأقل لتخريب السد وإخراجه من وظيفة تدمير مصر، فتدمير السد لن يضر إثيوبيا ولكنه سيحقق الحياة لمصر ويقطع دابر التهديد بالخضوع والاستكانة والصفقات مع موضوع بالغ الخطورة، وبودي لو كل القيادات العسكرية والسياسية والعامة في مصر قرأت هذه الأسباب لأنه لم يعد في جراب السيف منزع ولا يمكن أن تنتظر مصر ببلاهة فناءها على يد إثيوبيا، فلن يفنى الشعب وحده وإنما سيفنى معه كل المتآمرين في الداخل والخارج.
السبب الأول: أن مؤامرة إثيوبيا في إبادة مصر واضحة للعيان ولديها إصرار عليها تحيطها بالمخادعة التي لا تنطلي على طفل في مصر. وقد سردت أركان جريمة إبادة العرق المصري وفيما يلي موجز لها:
– زعمت إثيوبيا أنها ستولد كهرباء تستخدمها تجاريا في جلب الأموال، لكن لو حسنت النوايا كانت قد قللت من كمية الكهرباء المستهدفة ومادامت ستحرم مصر من المياه فلا مقارنة بين حق إثيوبيا في توليد الكهرباء على حساب حق مصر في البقاء.
– لو كان الهدف هو توليد الكهرباء لكانت قد سمحت بالمياه بعد توليد الكهرباء بالانصراف إلى مصر ولكن الحبشة اختارت النيل الأزرق الذي يمد مصر بمعظم المياه وحولت مجراه ومصر تتفرج في بلاهة أو سبب آخر ستكشف عنه الأيام.
– لو كان الهدف هو الكهرباء لتم توليدها على 12 نهر دولي واربعين نهر داخلي بعيدا عن النيل الأزرق.
– لو حسنت النوايا لتعاونت الحبشة مع مصر ولم تتكتم على المشروع ثم تكسب الوقت لإكماله ثم تفرض ملئه من طرف واحد رغم الاعتراض الرقيق من مصر والسودان.
السبب الثاني:
أن إثيوبيا تخالف قواعد القانون الدولي وتهدد هيبة هذا القانون مما يؤدي إلى فوضى في العلاقات الدولية وعودة نظرية القوة لحسم الخلافات، ودلائل ذلك ما يلي:
– زعم إثيوبيا أن النيل الأزرق بأرضها والماء يسقط عليها من السماء فلابد أن تحصل على ما يلزمها من المياه ثم تترك إن بقي شيء لدول المصب.
والصحيح أن النيل الأزرق نهر دولي تحكمه اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، التي يجب التزام إثيوبيا بها حتى ولو لم تكن طرفا فيها وذلك على ضوء ثلاثة أحكام أكدت فيها محكمة العدل الدولية ذلك وبأن القواعد الموضوعية للمعاهدة لأهميتها صارت من القواعد العرفية للقانون الدولي التي تسمو على المعاهدات.
ولذلك تتمسك الحبشة بنظرية ملكية النيل في أراضيها وهي نظرية عقيمة ابتدعها المدعي الأمريكي لعام واحد مع المكسيك عام 1896 ثم هجرها العمل الدولي، فكأن الحبشة تريد أن تخترع قانونا دوليا خاصا بها لمجرد أن لديها مخططا لإبادة مصر.
السبب الثالث:
هو أن حقوق مصر المائية تحميها قواعد القانون الدولي قبل القانون الدولي الحديث التي أكدت حقوقا تاريخية ومكتسبة لمصر وهذه الحقوق يعترف بها القانون الدولي بخلاف الحبشة وحدها.
أما الزعم ان هذه الحقوق تستند إلى معاهدات استعمارية كما قال وزير خارجية إثيوبيا فهذا جهل فاضح لأن المادتين (11؛ و 12) من اتفاقية فيينا للتوارث في مسائل المعاهدات لعام 1978، أخرجت من قواعد التوارث الأوضاع الإقليمية والمعاهدات الحدودية، ولحسن الحظ فإن المادة الثالثة في كل هذه المعاهدات المزعومة بالاستعمارية تتعلق بالحدود وبمصادر المياه.
ثم ما هي علاقة هذه المعاهدات بإثيوبيا، بل إن إثيوبيا أكدت حقوق مصر مع إيطاليا عام 1892، (بروتوكول روما)، ومع بريطانيا نيابة عن أوغندا عام 1929، و1949، (الخطابات المتبادلة بين رئيس وزراء مصر والمندوب السامي البريطاني)، وكان آخر هذه الالتزامات الحديية مع مصر عام 1993، في بيان مشترك بين الرئيسين زيناوي ومبارك.
السبب الرابع:
هو المماحكة المخادعة من جانب الحبشة وهي المتعلقة بالسد العالي واتفاقية توزيع المياه بين مصر والسودان 1959. زعمت إثيوبيا أن مصر انفردت بالقرار في الحالتين، فما علاقة الحبشة بالسد العالي في أراضي مصر لتنظيم استخدام حصصها التي آلت إليها بعد عبور المياه حدود الحبشة مع السودان، فاتفاقية 1959، تقتسم المياه بعد عبورها الحدود الحبشية وهي اتفاقية مصرية سودانية في النيل الادني لا علاقة لإثيوبيا بها.
ولو كان سد النهضة في مصر لما أضر أحدا ولكنه يحرم مصر والسودان من حصصهما القانونية بفرض الأمر الواقع.
السبب الخامس:
وضع حد للتخرصات التي يبثها موقع إثيوبيا بالعربي ضد نزاهة قادة مصر والتشكيك في وطنيتهم حتى أن بعض المتحدثين السفهاء معي كان يفخر بأن الرئيس السيسي بطل قومي إثيوبي وأنه متعاون مع الحبشة ويبدي أقصى درجات المرونة.
هذا الخطاب يشق الصف المصري بين الشعب وقيادته خاصة بعد أن ردد الموقع الكثير من الاكاذيب فضلا عن انتشار الفكرة في الصحف الحبشية حول مصر وجيشها وقيادتها، وفي الماضي كانت الدول تشن حروبا ضد أخرى لتأديبها.
السبب السادس: أن الشعب لم يفهم رهان الحكومة المصرية والسجالات مع إثيوبيا، ويسجل على قيادته قمة الطمأنة ثم الاعتراف بالفشل.
السبب السابع: مزاعم الحبشة المتصلة بإعلان المبادئ، وأقر أن إعلان المبادئ ليس معاهدة وانما هو إطار مبادئ التفاوض وإذا كان فات مصر أن تحدد مطالبها فإن الإعلان أحال إلى قواعد القانون الدولي وإلى مبدأ حسن النية، ثم إن الإعلان هدفه الاتفاق والمشاركة في ترتيبات البناء والاطمئنان على سلامته التي أخفتها الحبشة ثم إدارة ملء السد وضمان ألا يحدث ضررا فادحا بمصر والسودان.
وقد فرضت الحبشة أمرا واقعا بزعم أن مصر والسودان سلما لها بكل الحقوق في الإعلان، وهذا يقطع بسوء نية الحبشة وإصرارها على إبادة مصر، فمن حق مصر أن تفسخ أي وثيقة تعمل ضد بقائها ويتذرع بها العدو، فليس الإعلان أساسا لمزاعم إثيوبيا كما أنه ليس شيكا على بياض لإبادة مصر.
السبب الثامن: أن الحكومة فشلت في ضبط تحالفاتها مع السعودية والإمارات و”إسرائيل” الذين ساندوا الحبشة في مشروع إبادة مصر. ولذلك لابد من مراجعة كل العلاقات مع هذه الدول الثلاثة وأن تكون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار فهذه الدول تستغل مصر وتهيمن عليها تحت شعار الصداقة وهي لها ألد الخصام.
السبب التاسع: هو أنه لا أمل في تراجع إثيوبيا ولديها تحالفات عديدة ثم إنها تتحدى مصر وجيشها ولن يصدها من المخطط إلا تقليم أظافرها. وإذا تقاعست السلطة في حماية مصر فلن تضمن بقاءها بين المصريين فلا قيمة لسلطة لا تستطيع ان تحمي وجود مصر وبقائها.
السبب العاشر: هو أن ضرب السد يحتاج إلى تغطية سياسية ودبلوماسية وادارة تتسم بالخبرة والكفاءة. فلترجع السلطة خطوات إلى الوراء ولتمكن من هو أقدر منها على حماية مصر بالتنسيق مع السلطة أيضا وتحت اشرافها.
كاتب مصري
المصدر: عبدالله الأشعل