الحزب يريد الانتخابات… وسيخوضها بكراتين المساعدات
كتب أحمد الأيوبي…
بعدما كان “حزب الله” رأس الحربة في إسقاط مطلب الانتخابات النيابية المبكرة، بدأت تصدر عن الحزب إشارات إلى تغيير جذري في مقاربة الواقع السياسي، مفادها استعجال تنظيم الاستحقاق الانتخابي المبكِّر قبل تدحرج الأحداث وانفلاتها، حتى لا يُضطرّ إلى خوض أولّ انتخابات نيابية حرّة برقابة دولية، تحرمه من سطوته على الجمهور الشيعي، وتضعه أمام حجمه الحقيقي في السياسة، وأمام تغيير واسع يشمل الطبقة السياسية كاملةً.
كان “حزب الله” يستطيع أن يغطّي “السماوات بالقبوات” في المراحل السابقة، من خلال استحضار المؤامرات عليه وتصوير نفسه ضحيّةً، لأنّه وقف على مسافة وسطى من السلطة. لكنّه بعدما فرض انتخاب ميشال عون بالبندقية والتعطيل، أصبح هو الدولة، وهو المهيمن على القرار، وهذا تحديداً ما سيكون مضبطة اتّهام مُحْكَمة للحزب، من قبل جمهوره قبل بقية اللبنانيين.
يستبسل “حزب الله” الآن في استعراض قدراته الخدميّة أمام جمهوره. لكنّه، في سياق ما، يبدو عملاً إغاثيّاً بحتاً ينظّم قاعدة معلومات جديدة، مبنيّة على وضعيّة تأخذ بعين الاعتبار متغيّرات متوقّعة، تستوجب استرضاء الناخب الشيعي، بعيداً ممّا اعتاده الحزب من أساليب الترهيب والضبط السائدة، التي تحاصر المرشّحين المعارضين له، وتقيّد حركتهم، وتمنع حسن التواصل مع الشرائح الشعبية في الوسط الشيعي، وتجعل الناخب الشيعي أسير التهديد والوعيد بسقوط “الإنجازات” وانتهاك الحرمات.
تقوم الفرق الكشفية من “كشّافة المهدي” بجولات تفقّد واسعة للناس من أجل الوقوف على احتياجاتهم، وفق عملية منظمة تطول مناطق الضاحية والجنوب خصوصاً، على قاعدة استرضاء المعترضين، وإرشاد الأهالي إلى كيفيّة استعمال البطاقات التموينيّة، لتغطية أكبر عدد ممكن من السكان، وإبقائهم تحت القبضة المباشرة، وتواكبها حملة إعلاميّة تضخِّم هذه الخدمات، وتجعلها في مصافّ “الأعمال الخارقة”.
بقيت بعلبك – الهرمل ضمن الدائرة الثانية من الأولويّات لاعتبارات الثقل الشعبي الذي تتميّز به حركة “أمل”، وبسبب فشل الحزب في إيجاد أيّ حلّ جدّي لأبناء هذه المنطقة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي. خصوصاً قضية المطلوبين الذين يُعدّون بالآلاف والذين يحمل أهاليهم بشدّة على الحزب لأنّهم يحمّلونه أكثر من غيره تبعات الفشل في إصدار قانون العفو العام في مجلس النواب.
قبل السحسوح وبعده
ويجهد “حزب الله” لمنع انفلات الوضع في الساحة الشيعية، لانّه فرض على الكثيرين من الشيعة خياراته فرضاً، والجميع رأى عقاب المتمرّدين خلال بدايات ثورة 17 تشرين وقبلها. وذلك على قاعدة ما يحصل “قبل السحسوح وبعده”. ومعارضون كثراً سكتوا في السابق لعدم وجود أفق للمعارضة، لكنّهم إذا لمسوا إمكاناً للتغيير فسيُشكّلون حالة واسعة في الرأي العام الشيعي، وهذا ينطبق على أساتذة الجامعات وموظفي الدولة والأطباء والمهندسين وأعضاء المجالس البلدية والمخاتير وغيرهم.
“طَبَخَ” الحزب المخرج الاستباقيّ مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، لكنّ عون لم يكن مرحّباً بما تضمّنته خارطة الطريق المبنية على تقصير ولاية مجلس النواب والاستقالة اللاحقة بعد انتخاب رئيس جديد من قبل المجلس المنتخب. فهذا المسار سيُخرجه من قصر بعبدا مهزوماً، والأهمّ أنه لا يضمن إجلاس جبران باسيل مكانه على الكرسي الرئاسي.
وجّه “حزب الله” رسالتين موحّدتين متزامنتين إلى الرئيسين عون وبري بضرورة المسارعة واستباق الأحداث، وإعادة تشكيل السلطة واكتساب “شرعية” الانتخاب، وإيجاد وقائع تضمن بقاء الحزب وحلفائه في موقع متقدّم داخل المؤسسات الدستورية، وتمكّنه من إدارة الصراع، بعد السيطرة على أغلبية نيابية جديدة، في ظل الأزمة المستحكمة بالبلد. ولا شكّ أنّ هذا سيعطي الحزب مصدراً متجدِّداً للحديث عن شرعية تمثيله من خلال المؤسّسات الدستورية.
ونظراً إلى عدم تجاوب عون، خرج النائب جميل السيّد موجّهاً رسالة مباشرة إلى رئيس الجمهورية عبر برنامج “وهلّق شو”، قائلاً له: “إن سقطت المبادرة الفرنسية فعليك أن تطلب من المجلس النيابي أن يُقِرّ قانوناً انتخابياً خلال شهر، وإن لم يُقرّه فعليك أن تطلب منه أن يحلّ نفسه ويدعو إلى انتخابات نيابية تشرف عليها الحكومة الحالية، ثمّ يقول: أنا ميشال عون أتنحّى عن رئاسة الجمهورية”.
سقوط جدال الخوف الشيعي
هذا هو المسار الذي يسعى “حزب الله” إلى فرضه، لأنّه يريد تنظيم الانتخابات، وهو لا يزال في السلطة، أو ما بقي منها، مسيطراً على مفاصل الدولة القضائية والأمنية والمالية والوزارات، التي يسحب منها الدعم لصالح “تعاونيّاته” الجديدة. وإذا لم يحصل التغيير بمبادرة من عون وبري، فإنّ الأحداث ستفرض على الحزب وحلفائه مواجهة مستوى آخر من التدخّلات الخارجية التي ستفضي بدورها إلى انتخابات مبكرة برقابة دولية، أول مفاعيلها سقوط جدار الخوف لدى الناخب الشيعي.
كلّ مؤشّرات السقوط تتسارع، وآخرها وقف المصارف المراسِلة التعامل مع لبنان، وهذا سيعجِّل في توقّف عجلة الحياة الاقتصادية تماماً، وهي الرسالة الأعنف التي يوجّهها المجتمع الدولي للسلطة الحاكمة. بينما تبدو زيارةُ وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل التبليغَ الأخيرَ بضرورة تنحّي أحزاب السلطة لتجنيب البلد أهوال السقوط. لكنّ من يقف على رأس الحكم لم يخرج سابقاً إلاّ تحت قصف طائرات السوخوي للقصر الجمهوري، ومن الواضح أنّه سيُجهِض الطرح الاستباقي.
وبينما يدرك “حزب الله” عواقب الكارثة الآتية ويسعى للالتفاف عليها، يستشرس حليفه البرتقالي في التمسّك بكرسيّ الرئاسة حتى النهاية، وهذا سيؤدّي إلى سقوط الجميع، ومن أكثر المفارقات سورياليةً أن لا يتمكّن الشعب من التحرّر من محتلّيه إلّا بسقوط الهيكل كاملاً.