باسيل يحاول ألاّ ينتحر سياسيًا… المستقبل “قدامو”
اندريه قصاص-لبنان24
بالمختصر المفيد نقول إن المشهد السياسي المرسوم بالخطوط الحمر أمامنا باتت معالمه واضحة للقاصي والداني. لا حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري من دون حصولها على موافقة النائب جبران باسيل. إنها معادلة الأضداد ومعادلة البقاء ما دامت التركيبة السياسية قائمة على التوازن السلبي لموازين القوى. فإذا تشكّلت الحكومة ولم يكن لباسيل رأي نهائي فيها فهذا يعني بداية أفول نجمه، خصوصًا أن عهد الرئيس ميشال عون شارف على نهايته. فإذا لم يستطع رئيس “التيار الوطني الحر” فرض حضوره السياسي في هذه المرحلة المفصلية فإنه يكون كمن كتب” نهايته” السياسية بيديه، وهو يعلم أن ثمة كثيرين يراهنون على إنتهاء دوره مع نهاية العهد، الذي لم يحقق الإنجازات التي كان يحلم بها سيد العهد، “لأنهم ما خلّوه يشتغل”.
من هنا يمكن فهم الرسائل التي يوجهها باسيل إلى الحريري، ولو بطريقة غير مباشرة، وعبر “الخليلين”. ومضمون هذه الرسائل يُلخّص بكلمتين: “أنا هنا”. وهاتان الكلمتان هما البديلان عن مقولة “إمّا أنا (باسيل) والحريري جوّا وإمّا تنيناتنا برّا”. ولأن رئيس “التيار البرتقالي” إختار، ولو بغير رضاه، أن يبقى خارج التركيبة الحكومية للتسهيل، كما يُقال، فهو يريد أن يكون في قلب الحدث الحكومي، وأن ينحصر النقاش في النقاط العالقة في دائرته الضيقة، وأن تحلّ جلسات “البياضة”، ولو مؤقتًا، كبديل عن الحوار المباشر بين الرئيسين عون والحريري في بعبدا، وهو المكان الطبيعي لحلّ أي إشكال ولفكفكة العقد، التي لا تزال تحول دون قيام حكومة “مهمة” كما أراد لها الفرنسيون أن تكون.
في بعض الوشوشات غير البريئة أحاديث عن أنه إذا قبِل باسيل بكل الشروط التي يحاول الحريري فرضها فإنه يكون كمن يعترف بالهزيمة، وهو بذلك يكون قد حكم على نفسه بالشنق السياسي، وهو إنتحار قبل أوانه.
وعلى رغم الحملات التي يتعرّض لها، وقد تكون حمّالة أوجه، فإن باسيل، ووفق مصادره، يؤكد أن الطريق السياسي أمامه لا يزال طويلًا، وأن المستقبل لا ينتهي عند محطّات معينة، وأن مسيرة مكافحة الفساد لا حدود لها ولا زمان، بل هي معركة مستمرة في هذا العهد وفي غيره من العهود.
لذلك، فإن من يعتقد أن باسيل سيقدّم الحلول الحكومية للرئيس الحريري على طبق من فضّة يكون مخطئًا كثيرًا أو أنه لا يزال في الصفوف السياسية الإبتدائية. وهذا يعني بـ”العربي المشبرح” أن لا حكومة في المدى المنظور، وأن بعض المتشائمين يذهبون إلى حدّ القول إن لا حكومة حتى نهاية العهد. فلا باسيل يريد أن يكون الحريري رئيسًا لآخر حكومة في عهد ميشال عون. ولا الرئيس الحريري يريد أن يحرق اصابعه بجمر العهد، وهو بالتالي غير مضطّر لحرق المراحل ومعها كل المراكب.
هذه الصورة التي يمكن وصفها بـ”السوريالية” تختصر العلاقات المتوترة بين الرجلين، والتي يبدو أنها لن تستقر على برّ أمان.