فورين بوليسي: التخريب النووي قد يكون ما تحتاجه إيران.
نشر موقع “فورين بوليسي” مقالا بعنوان – التخريب النووي قد يكون ما تحتاجه إيران بقلم ( Maysam Behravesh ) ميسم بيرافيش وهو باحث مشارك في المعهد الهولندي للعلاقات الدولية “Clingendael” وكان محللاً استخباراتياً ومستشاراً للسياسة الخارجية في وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية من 2008 إلى 2010.
تناول مقال Behravesh العمليات الإسرائيلية المتكررة لتعطيل البرنامج النووي الإيراني و طريقة تعاطي إيران مع نتائج هذه العمليات إذ قال أن العمل التخريبي الأخير في منشأة ناتانز النووية الإيرانية لم يكن منهجياً بما يكفي لقلب حسابات إيران النووية بالكامل أو ثنيها عن الاستمرار في المشاركة في المحادثات النووية متعددة الأطراف مع الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك يقول “Behravesh” يبدو أن طهران مهيأة للاستفادة من وضعها كضحية -والذي اكتسبته من خلال العمليات الإسرائيلية المتكررة ضد بنيتها التحتية للطاقة الذرية- للوصول إلى هدفها على طاولة المفاوضات والمتمثل في رفع العقوبات عنها بالكامل، والذي ربما بدا في ظروف أخرى مطلبًا متطرفا هدد بتحييد روسيا والصين.
كانت العملية التخريبية التي استهدفت أكبر منشأة إيرانية لتخصيب اليورانيوم في ناتانز في 11 نيسان (أبريل) أحدث محاولة إسرائيلية على ما يبدو لعرقلة أنشطة طهران النووية وكان مصنع متقدم لإنتاج أجهزة الطرد المركزي في المجمع نفسه قد تعرض لانفجار قوي في تموز (يوليو) 2020، باستخدام قنبلة متفجرة تسببت في إلحاق أضرار جسيمة بالمنشأة الموجودة فوق الأرض، ودفعت السلطات الإيرانية إلى بناء منشأة بديلة تحت الأرض.
ثم أعقب ذلك الانفجار اغتيال رفيع المستوى لمحسن فخري زاده؛ كبير مهندسي برنامج إيران للطاقة الذرية، في تشرين الثاني (نوفمبر).
ووصف فريدون عباسي دواني، رئيس لجنة الطاقة البرلمانية الإيرانية، الذي كان قد نجا هو نفسه من محاولة اغتيال في العام 2010، الهجوم الأخير بأنه “مخطط مُحكم للغاية” و”عمل معقد” تضمن انفجاراً أوقف القوة المعيارية لشبكة الطاقة في منشأة التخصيب، إضافة إلى تعطيل نظام الطوارئ الذي يعمل على البطاريات والمستخدم لتوليد الكهرباء لتشغيل أجهزة الطرد المركزي.
وفي ترديد لصدى المزاج السياسي الساخط السائد بين المتشددين في طهران، أعلن علي رضا زكاني، الرئيس المحافظ لمركز الأبحاث في البرلمان الإيراني، أن “الرد المناسب” سيكون “التخصيب إلى درجة نقاء تزيد على 60 في المائة” -التي تُستخدم عادة لتزويد الغواصات النووية بالطاقة، وترتفع إلى ما فوق أي مستوى قامت إيران بتخصيبه في السابق.
مع ذلك، وعلى الرغم من الاحتجاجات والتهديدات النارية، كان أول رد فعل رسمي للحكومة هو التقليل من أهمية تعطيل شبكة الطاقة في المنشأة وتعتيمها، ما يشير إلى أن إيران قررت على الأرجح أن تحافظ على الهدوء والاستمرار في المفاوضات النووية الجارية في فيينا.
لكن ذلك سيترافق على الأرجح برفع سقف المطالب للحصول على تنازلات، وتوقعات بطلب تعويضات من أجل الضغط وتحسين الموقف التفاوضي الإيراني.
وبينما أدان علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، الهجوم الأخير باعتباره عملاً من أعمال “الإرهاب النووي”، أكد المتحدث باسم المنظمة، بهروز كمالوندي في نفس اليوم أن الحادث لم يتسبب في وقوع خسائر بشرية ولم تكن له تداعيات إشعاعية.
ولمحو أي شك بشأن تغيير طهران الذي تخشاه الأطراف لموقفها بشأن المحادثات النووية رداً على الهجوم التخريبي في ناتانز، قال المتحدث باسم الرئاسة الإيرانية، علي ربيعي، للصحفيين يوم الثلاثاء، إن إيران “لن تقع في فخ العملية الاستفزازية” الإسرائيلية. كما نفى أيضاً ادعاءات وسائل الإعلام بأن هجوماً سيبرانياً كان السبب الرئيسي للحادث، مضيفًا أنه تم تحديد الجاني وأن الرد الانتقامي الإيراني على الهجوم سوف يكون داخل الأراضي الإسرائيلية.
تزامنت جهود إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لتهدئة التوترات السياسية مع زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لطهران للتشاور مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، الذي تبنى موقفاً مماثلاً تجاه استئناف المفاوضات النووية. وقال ظريف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع لافروف يوم الثلاثاء: “اعتقد الإسرائيليون أن هذا الهجوم سيضعف موقفنا في مفاوضات فيينا، لكنه، على العكس من ذلك، سيعزز موقفنا”. لم يكن هذا العمل التخريبي منهجيًا بما يكفي لقلب حسابات إيران النووية بالكامل أو ثنيها عن الاستمرار في المشاركة في المحادثات النووية متعددة الأطراف مع الولايات المتحدة.
وبدلاً من ذلك، يبدو أن طهران مهيأة للاستفادة من وضعها كضحية -الذي كسبته من خلال العمليات الإسرائيلية المتكررة ضد بنيتها التحتية للطاقة الذرية- للوصول إلى هدفها على طاولة المفاوضات والمتمثل في رفع العقوبات عنها بالكامل، والذي ربما بدا في ظروف أخرى مطلبًا متطرفًا هدد بتحييد روسيا والصين.
بعبارات أخرى، لم يمنح هجوم ناتانز طهران ذريعة مشروعة لتركيب أجهزة طرد مركزي أكثر فعالية لتخصيب اليورانيوم من دون تكلفة سياسية كبيرة فحسب، بل إنه مكنها أيضا من تقييد أيدي موسكو وبكين عندما يتعلق الأمر بالضغط على إيران ودفعها للتوصل إلى تسوية في المفاوضات الجارية في فيينا.
ويخدم هذا العمل بشكل خاص المصالح السياسية المحلية للمتشددين الإيرانيين قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في حزيران (يونيو)، ويضمن لهم فوزاً شبه حتمي بغض النظر عن الموقف السياسي الذي يدفعون به فيما يتعلق بتخفيف العقوبات: إذا تمكنت إدارة بايدن من رفع جميع العقوبات التي فُرضت عهد ترامب مرة واحدة وعلى الفور -كما طالبت طهران- سيخرج المتشددون الذين طرحوا هذا الشرط المتطرف في المقام الأول منتصرين سياسياً في الداخل؛ وإذا فشلت واشنطن في القيام بذلك لأي سبب من الأسباب، فسوف يظل بإمكان المتشددين التمسك بشكل شرعي بالمطلب نفسه لإحباط عمل فريق روحاني في المحادثات النووية، والتغلب على المعتدلين في صناديق الاقتراع، ثم استئناف السعي إلى استخدام الدبلوماسية لتخفيف العقوبات بعد الاستيلاء على الرئاسة.
على هذه الخلفية، لم يكن مفاجئاً أن يعلن عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين النوويين في فيينا، رسمياً عن خطط طهران لتخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 60 في المائة، وفقًا لتقارير إعلامية إيرانية.
وقد أبلغت إيران رافائيل جروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأنها ستبدأ التخصيب بنسبة 60 في المائة لتلبية احتياجاتها الطبية وإنتاج عقاقير النظائر المشعة. وفي الوقت نفسه، قيل إن إيران استهدفت سفينة شحن مملوكة لشركة “راي شيبينغ” الإسرائيلية بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي يوم الثلاثاء الماضي.
بغض النظر عن الكيفية التي تؤثر بها عملية التخريب الإسرائيلية ضد منشأة التخصيب تحت الأرض في ناتانز على مفاوضات تجديد “خطة العمل الشاملة المشتركة” في فيينا، فإن النتيجة الإستراتيجية الأوضح هي المزيد من التوفيق بين الجمهور الإيراني -الساخط بخلاف ذلك- ومواقف الحكومة الإيرانية بشأن السياسة النووية.
ويمكن لهذا الاصطفاف، الذي تشكل على خلفية المعارضة المشتركة لأعداء إيران الأجانب، أن يذهب أبعد من تكتيكات الدبلوماسية النووية ليسهم في إنتاج دعم جماعي غير مسبوق لتصنيع القنبلة النووية كرادع نهائي ضروري.
ومع أن مثل هذا الخيار يبقى غير مرجح على الأغلب، فإنه قد لا يظل مستبعداً في حال فشلت الجهود الدبلوماسية في عكس مسار حملة “الضغط الأقصى” التي شنتها الولايات المتحدة لخنق إيران اقتصادياً.
وفي حال انهارت “خطة العمل الشاملة المشتركة”، سواء بسبب التعنت الأميركي أو العدوان الإسرائيلي، فلن تبقى هناك أي طريقة معقولة لاحتواء برنامج طهران النووي سوى الحرب. وإذا ما اندلعت الحرب، فلن يكون هناك أي ضمان معقول بأن إيران لن تندفع بقوة للحصول على قنبلتها جراء ذلك.”
المصدر: فورين بوليسي