تسود حالة من القلق غير مسبوقة في أوساط لاجئين سوريين في أوروبا، وخاصّةً في الدّول الاسكندنافيّة، بعد إبلاغ السّلطات الدانماركيّة لعشَرات من هؤلاء المُقيمين على أراضيها بإلغاء إقامتهم المُؤقّتة، وعليهم الاستِعداد للرّحيل أو التّرحيل القَسري إلى بلادهم.
مصدر القلق يعود إلى أنّ مناطق كثيرة في سورية ما زالت ليست آمنة، خاصّةً تلك التي تقع تحت سيطرة الجماعات المُتطرّفة الخارجة عن سُلطة الدّولة، مُضافًا إلى ذلك أنّ بعض هؤلاء اللّاجئين يخشى أن يُواجه مُلاحقات قانونيّة لانخِراطه في أعمال عُنف ضدّ السّلطات، والأهم من هذا وذاك، أنّ الدّول الاسكندنافيّة من أكثر الدول الأوروبيّة رعايةً للاجئين والعِناية بهم صحيًّا وماليًّا وتعليميًّا بينما سيُواجِهون أوضاعًا اجتماعيّةً صعبة، في حالِ عودتهم طوعًا أو قصرًا، لارتفاع مُعدّلات البِطالة، وظُروف المعيشة الصّعبة، بسبب تفشّي الكورونا والحِصار المفروض على البِلاد من قبل أمريكا ودول أوروبيّة وعرقلة عمليّة إعادة الإعمار، لمُدن وأحياء عديدة مُدمّرة بسبب الحرب، من المُفترض، في حالة إعمارها، أن تُوفّر الملاذ الآمِن للمَلايين من اللّاجئين داخِل سورية وخارجها.
منسوب العنصريّة ضدّ المُهاجرين، وطالبي اللّجوء الأجانب يتزايد في أوروبا، ووصلت الأحزاب اليمينيّة العنصريّة، ومن بينها حزب الشّعب الدانماركي اليميني المُتطرّف، إلى الدّول الاسكندنافيّة الأكثر تسامحًا وترحيبًا من غيرها باللّاجئين ويسود انطِباعٌ مُتصاعد في أوساط هؤلاء بأنّ الدّول الأوروبيّة لا تُريد وصول اللّاجئين غير البيض إلى أراضيها، وأنّ قرارًا أوروبيًّا جرى اتّخاذه بطرد مُعظم هؤلاء لأنّ غالبيّتهم من المُسلمين، حسب أقوال بعض القِيادات الإسلاميّة في أوروبا.
ولعلّ ما تتعرّض له الجاليات العربيّة والإسلاميّة في فرنسا من مُضايقاتٍ أبرزها منع النّقاب والحِجاب، والمُعاملة الغليظة من بعض رجال الشّرطة لبعض العائلات المُسلمة، أحد الأمثلة التي يخشى اللّاجئون المُسلمون أن تَصِل إليهم في دول معروفة بتسامحها واحتِرامها للحُريّات والأديان والثّقافات الأُخرى.
النّغمة السّائدة حاليًّا في بعض الدّول الأوروبيّة تتضمّن التّرويج لاتّهامات بانخِراطِ بعض الشّباب المُراهِق من أُسر إسلاميّة في أعمال الجريمة وخاصّةً السّطو وتهريب المخدّرات، أو الانتماء لجماعات مُتطرّفة، ولكن هذه الاتّهامات غير صحيحة في مُعظمها، ولا توجد أدلّة مُوثّقة تُثبِتها حسب أقوال عاملين في منظّمات حُقوق الإنسان، مع الاعتِراف، بوجود حالات استثنائيّة في هذا المِضمار، ولكنّها تظَل محدودة.
ألمانيا استقبلت في الأعوام العشرة الماضية أكثر من مليونيّ مُهاجر نسبة كبيرة منهم من السّوريين وتُفيد التّقارير الرسميّة أنّ مُعظم هؤلاء تأقلموا مع المُجتمع الألماني، والسّوريّون منهم خاصّةً، وتعلّموا اللّغة الألمانيّة، وقدّموا خدمات كبيرة للاقتِصاد الألماني، لأنّ مُعظمهم من الشّباب أوّلًا، ووجود نقص في الأيدي العاملة لتقدّم نسبة كبيرة من الألمان في السّن ثانيًا، وديناميكيّة اللّاجئ السّوري وإبداعه، ومَقدِرتُه على التّأقّلم وتأسيس مشاريع خاصّة، وعدم الاعتِماد على الإعانات الماديّة الحُكوميّة ثالثًا.
مُعظم الدّول الأوروبيّة، إن لم يكن كلّها، انخرطت في المُؤامرة التي استهدفت سورية، وموّلت وسلّحت بعض الجماعات السوريّة المُعارضة على أمل الإطاحة بالنّظام، ولا ننسى مجموعة “أصدقاء” سورية التي تأسّست بزعامة الولايات المتحدة وعُضويّة دول الاتّحاد الأوروبي، وشجّعت هجرة السّوريين، ومن الظُّلم إدارة الظّهر لهؤلاء اللّاجئين الذين باتوا أبرز ضحايا هذه السّياسات.
فإذا كان بعض السوريين انخَرطوا في صُفوف جماعات مُتشدّدة متّهمة بالإرهاب، فإنّ من دفعهم، أو نسبة كبيرة منهم إلى ذلك، هي الحُكومات الغربيّة التي ضخّت المِليارات في بداية الأزَمة السوريّة لزعزعة استِقرار البِلاد وأمنها، ودفَعت حواليّ 6 مِليارات دولار للسّلطات التركيّة لإغلاق الحُدود، ووقف وصول المُهاجرين السّوريين الباحثين عن الأمان إلى أراضيها، بعد أن فَشِلَت سياساتهم في إسقاط النّظام وتفتيت الأرض السوريّة.
هذه الحملة لسحب الإقامات، وإبعاد اللّاجئين السّوريين، سواءً في الدانمارك أو غيرها، يجب أن تتوقّف فورًا ولأسبابٍ إنسانيّة، وإذا كانت هذه الدّول تُريد عودة هؤلاء إلى وطنهم، فإنّ عليها تغيير سِياساتها ورفع الحِصار عن سورية، والتّعويض عن جرائهما في حقّ هذا البلد برصد عشَرات المِليارات المطلوبة لإعادة الإعمار، وتوفير الحدّ الأدنى من المَلاذ والحياة الكريمة لهؤلاء اللّاجئين في بلدهم، ولمُواطنيهم الذين رفضوا الهجرة.
السوريّون يُحبّون بلادهم، ولا يُمكِن أن يَرضوا بغيرها بديلًا، ويتَطلّع مُعظمهم إلى العودة، شريطة أن تتهيّأ لهُم الظّروف المُلائمة للعيش الكريم، ونحن لا نُبرّئ هُنا السّلطات السوريّة وأجهزتها الأمنيّة التي ارتكبت انتِهاكات خطيرة لحُقوق الإنسان السّوري، وباتت مُطالبةً بقوّةٍ لوقفها، وإصدار عفو عام حقيقي، واحتِضان جميع ضحايا المُؤامرة الأمريكيّة الأوروبيّة العائدين إلى وطنهم، سواءً برغبتهم وهُم الأغلبيّة، أو الذين أنهت، أو ستُنهِي بعض الدّول التي لجأوا إليها إقاماتهم لأسبابٍ عُنصريّة بغيضة، وهذا ما لا نأمله في الوقتِ الرّاهن، لأنّ هذه المُمارسات إذا تمّت تُشَكِّل مُؤامرةً ضدّ الإنسانيّة وحُقوق الإنسان.
“رأي اليوم”