هل إنسحاب المصارف المراسلة من لبنان آخر حلقة في إرتباطه بالخارج؟
بين تداعيات ترسيم الحدود البحرية شمالاً وجنوباً، وتفاقم اعباء الدعم في الداخل من اموال المودعين بشكل مخالف للقوانين والأعراف، زاد الطوق بشدة على لبنان على مرأى اصحاب القرار مع قطع أواصر الصلة بين المصارف اللبنانية والمصارف المراسلة في الخارج التي تشكّل دعامة اساسية ليس فقط للنظام المالي وال مصر في بل وللاقتصاد والتجارة.
لبنان الخارجية، وشراؤه السلع، والحصول على النقد الأجنبي ، باتت كلها مُهدّدة بالتوقّف عن التدفق إلى لبنان بعدما بدأ بعض المصارف المُراسلة في الخارج بقطع علاقاته المالية مع البنك المركزي و المصارف التجارية . المعلومات مُوثّقة بمُذكّرة وجّهها الحاكم رياض سلامة إلى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، مُحذّراً من أنّ مصرف لبنان “بات في وضع صعب”. البعض رأى فيها صفعة قوية يتلقّاها البنك المركزي كما وسائر السوق اللبنانية بعد توجيه الاتهامات الى سلامة في أوروبا بجرائم اختلاس و تبييض أموال …
وفي هذا السياق، يشرح خبير مصرفي “للاقتصاد”واقع وتاريخ هذه العزلة لافتاً الى انه منذ عام 2007- 2008، درج وصول وفود من المصارف المراسلة في الخارج الى لبنان لتقييم الحسابات داخل القطاع وليُبنى على النتيجة المقتضى سواء الاستمرار او الإقفال بفعل الخسائر وتكبّد التكاليف.
وفي عام 2015، مع بدء تطبيق الاجراءات الدولية الصارمة في اطار مكافحة الإرهاب،و تبييض الأموال ، وتشديد العقوبات الاميركية وما رافقها من تنفيذ لقانون “ماغنتسكي” اصبحت هذه المصارف اكثر حرصاً على التدقيق في حساباتها والأعباء المتعلقة بها تخوّفاً من اي مخاطر.
من المعلوم ان مجلس الاستقرار المالي وضع مجموعة من التدابير المتعلقة بالسياسات لمعالجة اوضاع المؤسسات المالية الهامة للنظام Systemically Important Financial Institutions
وتهدف التدابير التي طرحها المجلس إلى وضع مزيد من الرقابة المكثفة والفعّالة لجميع هذه المؤسسات.وثمة عنصر رئيسي في هذه التدابير وهو أن المؤسسات المالية العالمية الهامة للنظام يجب أن تكون لديها القدرة على استيعاب الخسائر بما يتجاوز المعايير العامة الصادرة عن قواعد إطار بازل الثالث.
هذه المصارف قادرة على رصد كل العمليات المصرفية بكل دقّة وحرفية، لاسيما بعدما كثفّت نشاطها وتشددها بعد ايلول 2011 في اطار التدابير المعتمدة لمكافحة الارهاب وتبييض الأموال.
وبرأي الخبيرإن مستوى تخوّف هذه المصارف المراسلة قد وصل الى حدّه الأقصى بعد إعلان حكومة الرئيس حسان دياب في 7 آذار 2020 تعليق تسديد سندات الدين ب العملات الأجنبية اليوروبوندزعلماً انه كانت هناك امكانية لإرجاء التفاوض مع الدائنين حتى ايلول 2020. هذا الموقف ساهم الى حد كبير في انتزاع الثقة الدولية ليس فقط بالنظام المالي والمصرفي اللبناني، لا بل بلبنان كدولة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تستحق اي مساندة دولية. وفي 9 آذار،اوقف بعض المصارف المراسلة تعامله مع عدد من المصارف المحلية كما تم تعليق معظم الخطوط الائتمانية التي حصلت عليها ما افقدها اي دعم خارجي تبعه تراجع في اي مساندة من قبل البنك الدولي .
وبعدما كان لبنان قادراً على فتح اعتمادات في جميع انحاء لبنان اصبح ملزماً بتأمين التغطية النقدية لمعظم العمليات المصرفية في الخارج سواء كانت كفالة، او اعتماد او حوالة.
معظم الخطوط الائتمانية ألغيت وبقيت 3 مصارف مراسلة اليوم.
ويقول المصدر نفسه: صحيح ان حاكم مصرف لبنان ضخّ فوائد عالية بمعدل 4 و5 وحتى 6% على الودائع بالدولار لجذب التمويل، ولكن ذلك تمّ لتغطية مدفوعات الدولة المرتفعة، مع العلم ان مصر ولنفس الهدف اعتمدت على فوائد بنسبة 22% و تركيا 26% لترتيب اوضاع الليرة التركية والحفاظ على تدفّق التمويل الى الداخل، رغم ان حجم الاقتصاد التركي يحظى بمرتبة عالمية وهي 22 متقدماً على حجم الاقتصاد السعودي .
لاشكّ ان الحملة الممهنجة على رياض سلامة مرتبطة بوضع اليد بشكل محكّم على ما تبقى من احتياطي الزامي من عملات ومن احتياط ذهب من قبل شريحة غير مسؤولة تريد تدمير البلد.
لا ننسى انه منذ بدء تنفيذ سياسة الدعم التي تغنّت بها حكومة تصريف الاعمال تم صرف اكثر من 6مليارات دولارنصفها ذهب الى الداخل السوري.
وفي المعلومات ان قرارالدعم الذي تم تمويله من اموال المودعين اللبنانيين وليس من خزينة الدولة رفضه سلامة في اكثر من مناسبة شارحاً تداعياته السلبية على النظام المالي، الا ان القرار السياسي من السلطة كان ينبهه الى وجوب الالتزام مهما كلّف الأمر. وقد نقل اليه هذه الرسالة وسيط رفيع المستوى في إطار “نفّذ ولا تعترض”.
التدقيق الجنائي
وقد يكون دخول ملف التدقيق الجنائي وما يواكبه من نبرة عالية تضع ” المركزي” في قفص الاتهام بإخفاء المعلومات يصبّ في خانة الضغوطات التي تمارس في هذا الاتجاه لتلاقي موقف رفع الدعم الذي ينادي به سلامة.
و في هذا السياق، يؤكد الخبير على وجوب ان يكون هذا التدقيق شاملاً لكل القطاعات والمؤسسات التي استنزفت اموال مصرف لبنان، وليس فقط حصره في نفقاته وتحاويله ليحقّق النتيجة المرجوة.
وعن خريطة الطريق الكامنة في التعميم 154 والذي يقول سلامة ان معظم المصارف الللبنانية التزمت به لجهة الرسملة و السيولة يقول المصدر ان هذه المصارف عندها الامكانيات اللازمة، ولكن المخاطر السيادية تشكّل عائقاً كبيراً، سيما بغياب حكومة اختصاصيين فاعلة توحي بالثقة المحلية والدولية قادرة على انتشال لبنان من المأزق الذي هو فيه.
اهمية المراسلة
من المعروف ان المصرف المراسل (Correspondent Bank) هو عبارة عن مصرف أو مؤسسة مالية في بلد أجنبي، يُقدّم خدمات مالية ومصرفية إلى مؤسسة مالية أو مصرف محلّي. وتنصّ مُهمّة المصارف المراسلة على العمل كوسيط أو وكيل عن المصرف المحلّي، وبالتالي تسهيل التحويلات الإلكترونية وإجراء المعاملات التجارية، وقبول الودائع، وتجميع المُستندات وغيرها من الخدمات المصرفية والمالية. عمل المصارف المراسلة أساسي ويؤثر على الأمن الغذائي في البلدان التي تعتمد على الإستيراد لتلبية حاجات الغذاء المحلي كما هو حال لبنان.كما يتمّ عادة إستخدام خدمات المصارف المراسلة للوصول إلى الأسواق المالية وأسواق السلع والبضائع بدلا من قيام المصرف المحلّي بفتح فروع له في البلدان الأخرى.
ومن أهمّ الخدمات التي تقدّمها المصارف المراسلة وهي بعدد 30: تحويل الأموال، دفع الأموال، التحقّق من المقاصة، التحاويل الإلكترونية، شراء وبيع العملات، شراء وبيع أدوات مالية، التحوّط، تأمين الأموال لعملاء المصارف المحلية في حال سفرهم إلى الخارج، إدارة المحافظ…هذه العمليات تتمّ من خلال حسابات مصرفية تفتحها المصارف المحلّية لدى المصارف المراسلة وتُسمّى هذه بحسابات Nostro حساب البنك المحلي لدى المصرف المراسل وVostro حساب البنك المراسل لدى المصرف المحلّي حيث يحتفظ كل من المصرفين بحسابات لبعضهما البعض بهدف تتبع العمليات المصرفية و الديون والإئتمانات بين الطرفين.
تلعب المصارف المراسلة دورًا محوّريًا في عالم المال والإقتصاد ، إذ أنها توفر وسيلة عملية للمصارف المحلّية للعمل عندما لا يكون لهذه الأخيرة فروع في الخارج. وبما أن العنصر الأساسي في عملية التعاون بين المصارف المحلية والمصارف المراسلة مبني على التحاويل المالية، يتم تنفيذ هذه التحاويل من خلال شبكة الاتصالات المالية العالمية بين المصارف المعروف بنظام SWIFT.
العقبة الأساسية لأي مصرف محلّي لفتح حساب لدى مصرف مراسل تكمن في إستيفاء شروط المصرف المراسل نظرًا إلى أن قسمًا من هذه الشروط ذاتي (له علاقة بالمصرف المحلّي مثل إجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب) والقسم الآخر له علاقة ببلد المصرف المحلّي (Country Risk) .وبالتالي يأتي تصنيف البلد المحلّي ليُشكّل العقبة الأساسية بحكم أن القاعدة في العالم المصرفي تنصّ على انه لا يُمكن لأي مصرف أو مؤسسة مالية أن يتمتّع بتصنيف إئتماني أعلى من التصنيف الإئتماني للبلد. وتفرض القوانين في العديد من البلدان على المصارف المراسلة أن يكون التصنيف الإئتماني لبلد المصرف المحلّي أعلى من تصنيف مُحدّد يختلف بحسب القوانين ويكون خاضعًا لموافقة مُسبقة من قبل السلطات الرقابية المصرفية.
صمت حاكم مصرف لبنان قد يكون مقنعاً او غير ذلك. فالأيام المقبلة كفيلة بايجاد الجواب. ولكن لماذا لم يخرج موقفه الرافض لتمويل الدعم قبل الكتاب الموجّه اليه مؤخراً من نقابة محامين لبنان في بيروت والذي هو إنذار صريح؟ هل يتحمّل نتائج استعمال هذه الأموال؟
باختصار، المحور الأساسي هو الثقة. استعادتها ضرورية لطمأنة المودعين بالقطاع المصرفي وبسياسة مصرف لبنان، وبالتالي، المصارف المُراسلة التي فقدتها بلبنان مع تأزم التجاذبات السياسية، والتخّلّف عن تسديد مستحقات اليوروبوندز، والاوضاع الأمنية المهتزة بانفجارات خطيرة دمرّت مرفأ من اهم المرافئ في المتوسط وعاصمة عريقة ، وأخيراً تصاعد الحملات العنيفة على مصرف لبنان و القطاع المصرفي اللبناني .
هل من خناق اشدّ بعد؟من اين ومتى يبدأ مشوار استعادة هذه الثقة؟