استثناء باسيل… 3 رسائل يوجّهها المجتمع الدولي والعربي
“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى
من المعلوم أن مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، لا يحمل في زيارته إلى لبنان، أي مبادرة سياسية أو حكومية أو حتى حدودية، باعتبار أنه اليوم، ومن ضمن مراحل “التسليم والتسلّم” في الإدارة الأميركية، هو في طور نقل هذا الملف إلى غيره. ولكن بالرغم من هذا الأمر، دائماً ما تكون لزياراته نكهة خاصة، انطلاقاً من معرفته بتفاصيل الحياة السياسية اللبنانية واطّلاعه على طبيعة الإنقسام السياسي اللبناني، وعلاقاته مع مختلف القوى والشخصيات السياسية اللبنانية، وبطبيعة الحال أيضاً، بتعبيره عن موقف إدارته من الأزمة السياسية القائمة.
وفي هذا الإطار، رأت أوساط سياسية، أنه لا يختلف اثنان بالنسبة للمواقف التي أطلقها المبعوث الأميركي، في أنها تدلّ، وبشكل واضح وقاطع، على أنه لا يحمل أي مبادرة أميركية في أي اتجاه، أو في أي سياق، وجلّ ما في الأمر، أنه يحمل موقفاً كلاسيكياً أميركياً لا يخرج عن سياق المواقف الكلاسيكية الدولية، أكانت فرنسية أم مصرية أو أوروبية، لناحية الحضّ على ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة وتحميل الشخصيات والأحزاب السياسية في الأكثرية الحاكمة مسؤوليّة عدم التأليف، والتحذير أيضاً من مخاطر عدم التأليف، هذا وطبعاً أن الحضّ على التسريع في التأليف، يأتي مشروطاً بأن تكون الحكومة العتيدة “حكومة إصلاحات”، التي من دونها لن يتمكن لبنان من الخروج من المأزق المالي والإجتماعي الكارثي الذي يتخبّط فيه.
وأشارت الأوساط، إلى أن المبعوث الأميركي، أكّد في جميع لقاءاته ضرورة الإسراع في التأليف للخروج من المأزق الذي يتخبّط فيه لبنان، إلا أن اللافت في هذا الإطار، أنه إلى جانب اللغة الديبلوماسية التي يعتمدها والمواقف الكلاسيكية التي يطلقها، لا يُمكن الكلام عن أي أسرار يتم تداولها خلال لقاءاته، باعتبار أنه فعلاً لا يحمل أي مبادرة، وإنما العكس تماماً، فما يمكن التوقف عنده في هذه الزيارة ، أمرين اثنين فقط:
ـ الأول، هو أنه عبر هذه الزيارة، أصبح من المؤكد أن واشنطن لا تولي لبنان، حتى هذه اللحظة، أي أولوية في حساباتها وأجندتها. وهذا بدليل أن المبعوث الأميركي، لا يذهب في لقاءاته باتجاه الضغط في أي اتجاه كان، وموقفه جاء أقلّ حدّة من المواقف الأوروبية، الفرنسية تحديداً، كما المواقف العربية، والمصرية تحديداً. وبالتالي، جاءت هذه الزيارة، والمواقف التي أطلقها الديبلوماسي الأميركي، في إطار نوع من رفع العتب، الأمر الذي يدلّ بشكل أو بآخر إلى أن لبنان ليس موضوعاً على جدول أولويات الإدارة الأميركية في المرحلة الحالية.
ـ الأمر الثاني، مرتبط بشكل الزيارة وليس في مضمونها. فالمضمون لم يقدّم أي جديد، وقد أتت الزيارة لتؤكد فقط أن لبنان جزء لا يتجزأ من الإهتمام الدولي العام، الذي يأتي من ضمنه بطبيعة الحال الإهتمام الأميركي، وأن لبنان يحظى بشكل أو بآخر باحتضان دولي وعربي. وإلى جانب هذه الرسالة والصورة في أن الحضور الأميركي موجود في لبنان، أتى اللافت بالشكل، وفاضحاً أيضاً، عبر استثناء رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من الزيارة، وهذا الإستثناء بدأ يتحوّل إلى قاعدة دولية وعربية.
وأوضحت الأوساط، أن هذا الإستثناء ليس بالأمر السهل والعابر، فهو استثناء أكبر رئيس كتلة نيابية في البرلمان اللبناني لغاية اللحظة، ورئيس تيّار العهد. وبالتالي، تحوّل هذا الإستثناء إلى قاعدة ديبلوماسية عربية ودولية، وهو ليس بالأمر القليل، وتؤكده مجموعة أحداث هي: إلغاء زيارة باسيل إلى باريس، رفض وزير الخارجية المصري لقاءه، شأنه شأن الأمين المساعد لجامعة الدول العربية، وأتى الآن المبعوث الأميركي ليستثنيه من لقاءاته، كما أن هذا كلّه ترافق مع كلام وتسريبات في الأسبوع المنصرم، عن تنظيم زيارة لباسيل إلى موسكو باعتبار أنها الوحيدة اليوم عربياً ودولياً التي لا تضع “فيتو” على لقائه.
وشدّدت الأوساط، على أن ما نشهده اليوم، يؤكد أن “التيار” يعيش عزلة دولية وعربية، وبالتالي، أصبح القاسم المشترك في الموقف الخارجي حيال لبنان، هو من جهة حضّ القوى السياسية على تشكيل الحكومة وتحميلها مسؤولية الفشل في القيام بذلك، ومن جهة أخرى تحوّل جبران باسيل للمرّة الأولى بنظر هذا المجتمع الدولي والعربي إلى جزء لا يتجزأ من “حزب الله”، لا بل أكثر من ذلك، لم يعد يُعتبر مجرّد حليف استراتيجي للحزب، وإنما يُعتبر اليوم مكوّناً من مكوّنات هذا الحزب، ويتم التعامل معه على هذا الأساس، وبالتالي، كما تتمّ مقاطعة “حزب الله”، تتمّ مقاطعة باسيل على ذات النحو.
واعتبرت الأوساط، أن هذا التحوّل في نظرة المجتمع الدولي والعربي لباسيل، سيضع “التيار” في ورطة كبيرة جداً، فاللقاء مع رئيس الجمهورية لا يمكن أن يُغني عن لقاء باسيل، لأن زيارة عون بروتوكولية باعتبار أن مقاطعة الرئيس تعني مقاطعة لبنان، ووضع لبنان بأكمله في خانة “حزب الله”، الأمر الذي يبدو أن المجتمع الدولي والعربي ليس بوارده اليوم.
وختمت الأوساط موضحةً، أن لقاء الديبلوماسيين بالرئيس ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية، واستثناءهم لجبران باسيل و”حزب الله” ، يدلّ على أن هناك ثلاث رسائل يوجّهها المجتمع الدولي والعربي في هذا الخصوص، وهي واضحة المعالم:
أ ـ الرسالة الأولى إلى رئيس الجمهورية، في أن السياسات التي يعتمدها بواسطة باسيل خاطئة.
ـ والثانية موجّهة إلى رئيس “التيار” بنفسه، بأنه عليه أن يتوقف عن التفكير بما بعد ولاية عون.
ـ والرسالة الثالثة حكومية، في تحميل باسيل مسؤولية عدم تأليف الحكومة. وهذه الرسائل الثلاث إن دلّت على شيء فعلى أنها متقاطعة ومتكاملة ضد باسيل.