الحدث

ماذا تعني عودة مصر إقليمياً..؟

اللقاءات الموسّعة التي حرص وزير خارجية مصر سامح شكري على إجرائها مع أكثرية الأطراف السياسية، تؤكد عودة مصر إلى الفضاء اللبناني بعد غياب امتد لأكثر من عقد من الزمن، كانت خلالها الشقيقة الكبرى تمر بمرحلة انتقالية حاسمة.
العودة المصرية لا تعني تدخلاً بالشؤون الداخلية اللبنانية، التي تعرف القاهرة مشقة رمالها المتحركة، وتدرك جيداً تعقيدات الوضع اللبناني المحلية، الطائفية والحزبية، وتداخلاتها الخارجية، والصعوبات التي تُحيط بالأزمة الراهنة في وطن الأرز، والتي أجهضت مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي غامر بزيارتين إلى بيروت مراهناً على التزام أهل الحكم والأحزاب السياسية بمسؤولياتهم الوطنية في إنقاذ وطنهم من الإفلاس والانهيار.
عودة الدور المصري الفاعل لم تقتصر على الساحة اللبنانية، بل بدأت في ليبيا في ذروة احتدام الحرب الإقليمية  الدولية، حيث استطاع إنذار الرئيس عبدالفتاح السيسي الحازم في اعتبار منطقة سرت خطاً أحمر بالنسبة للأمن المصري، وبالتالي استعداد مصر للدفاع عن أمنها بالقوة إذا اقتضى الأمر، فكان أن فتح هذا الإنذار أبواب التفاوض بين الأطراف الليبية، ورعاتهم الخارجيين، والتوصل إلى إنتاج السلطة الانتقالية الجديدة على مستويي الحكومة ومجلس الأمة.
ويواجه الرئيس السيسي بمثل تلك القوة والحزم تحدياً آخر اليوم للأمن القومي المصري مع أثيوبيا ومخاطر سد النهضة على إستراتيجية المياه المصرية ومنسوب نهر النيل، والإنذار الذي أطلقه مؤخراً ضد كل من يُحاول حرمان مصر من نقطة ماء، يؤكد مرة أخرى صلابة المواقف التي تتخذها مصر إزاء المشاكل والملفات الإقليمية، حفاظاً على أمنها واستقرارها.
ولعل مراجعة الرئيس التركي رجب أردوغان للعلاقة المتوترة مع مصر، وحرصه على إرسال إشارات إيجابية إلى القاهرة بهدف فتح صفحة جديدة بين البلدين، دليل آخر على أهمية عودة مصر إلى دورها التاريخي في المنطقة، والذي سجل تراجعاً بعد غياب الزعيم جمال عبد الناصر.
أهمية العودة المصرية القوية تكمن بالتوقيت أيضاً، حيث اجتازت مصر في عهد السيسي الصعوبات الاقتصادية المزمنة، واستطاعت في فترة قياسية أن تحتل المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر نمواً عام ٢٠٢٠، وتكون بذلك قد تحررت من كثير من الضغوط الدولية التي كانت تستغل الوضع الاقتصادي المصري المتعثر، لتعطيل الدور الريادي للقاهرة، عربياً وأفريقياً خاصة.
عودة مصر إلى لبنان والعرب ستساعد على إعادة التوازن الإستراتيجي في الوضع الإقليمي، وخاصة مع تركيا وإيران، وهذا الأمر لا يحتاج إلى شرح مستفيض!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى