ورقة «مزارع شبعا».. الأسد يناقض نفسه لمفاوضة اسرائيل ووثائق تثبت لبنانيتها
أحمد شنطف -اللواء
في كل فترة تنشط فيها مساعي «السلام السوري – الإسرائيلي»، يعود الكلام عن «جنسية مزارع شبعا» واستخدام المزارع كورقة دائمة على طاولة المفاوضات المتجددة مع مرور السنين.
واليوم، كشف المستشار الخاص للمرحلة الانتقالية في سوريا خلال عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، السفير فريدريك هوف، في مقال صحافي في مجلة «نيولاينز»، أنّ من أكثر الأشياء غير القابلة للنسيان التي عايشها هي خلال محاولته التوسّط للسلام بين سوريا وإسرائيل قبل عقد من الزمن، وذلك أثناء استماعه إلى الرئيس السوري بشار الأسد خلال شرح الأخير له في «قصر تشرين» في 28 شباط 2011، سبب عدم صحة تبرير حزب الله بعد أيّار الـ2000 للاحتفاظ بسلاحه، وهو ادعاؤه، أي حزب الله، بأنّ إسرائيل لا تزال تحتلّ الأراضي اللبنانية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لافتاً في هذا الإطار إلى أن تفسير الأسد كان واضحاً أن «الأرض المعنية سورية وليست لبنانية». أي مزارع شبعا سورية بحسب الأسد.
وذكر هوف، الذي سيُصدر كتاباً يتضمّن الرواية الكاملة للوساطة الهادفة لتحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل، أن الأسد أوضح له بشكل صريح أنّه في مقابل معاهدة سلام تلتزم باستعادة سوريا كلّ الأراضي التي خسرتها خلال حرب حزيران 1967 من إسرائيل، فإنّه سيُنهي علاقة سوريا العسكرية مع إيران ويفرض على لبنان التوصّل إلى سلام مع إسرائيل، وبالتالي إنهاء الأعمال المتّصلة بحزب الله كلياً.
هذا الكلام، الذي يضع الأسد بمواجهة مع حزب الله المتذرع بلبنانية المزارع للإبقاء على سلاحه، وإن كان قديم العهد، إلا أنه يؤكد نية الأسد بعدم الإقدام على أي خطوة تثبّت لبنانية مزارع شبعا، وذلك لإبقاء الورقة بيده. إلا أن مصداقية الأسد المعدومة تجعله يبيع الكلام لجميع الأطراف، ومن بينهم لبنان وحليفه حزب الله، أولًا، لـ«يقطف» إتفاقًا من أحدهم أخيرًا. إلا إذا كان تناتش الورقة من عدة العمل الثنائي بين الحزب والنظام.
بعيدًا عن لعبة النوايا، فلنذكر الرأي العام بتعهدات سوريا السابقة، بدءًا برأس النظام بشار الأسد الذي قال في أحد خطاباته أن مزارع شبعا لبنانية، ولكنه شدد على نقطة ترسيم الحدود والاعتماد على الخرائط التي تعكس الأرض، رابطًا ذلك بانسحاب اسرائيل من المنطقة. وكان النائب السابق للأسد فاروق الشرع قد أكد سابقاً بأن سوريا تدعم ادعاء لبنان بأن مزارع شبعا لبنانية، أما وزير خارجية الأسد السابق وليد المعلم فقد قال وكرّر أكثر من مرة بالصوت والصورة أن المزارع لبنانية، وأشار الى أنه على اسرائيل الانسحاب منها ومن كل شبر من الأراضي اللبنانية.
وفقاً لهذا الكلام، تحرك لبنان سابقاً للأخذ من دمشق الخرائط والوثائق التي تؤكد ذلك، للشروع في ترسيم الحدود، وتجسد هذا التحرك بالزيارة التي قام بها الرئيس سعد الحريري الى دمشق في أوّل حكومة ترأسها عام 2009 والتقى خلالها الأسد، بعد ضغوط دولية على الأول، ووعود بحل الأمور العالقة بين البلدين، ومن بينها قضية مزارع شبعا وتثبيت لبنانيتها.
في هذه الزيارة، وبعد كلام رسمي دولي صرح به أمين عام الأمم المتحدة آنذاك بان كي مون مفاده بأن على لبنان الحصول على رسالة خطية من سورية تثبت لبنانية المزارع بعد ما لوحظ غياب المزارع عن خرائط لبنان الرسمية، ترأس الحريري حينها مع نظيره السوري محمد ناجي العطري، الاجتماع المشترك للهيئة اللبنانية – السورية، الّذي أدّى إلى تعديل 24 اتفاقية من مجموع الاتفاقيات المعقودة بين البلدين، وعددها 42، إضافة إلى البحث في تشكيل لجنة فنية مشتركة توكل إليها مهمة ترسيم الحدود. إلا أن هذه اللجنة كان مصيرها البقاء شكلية بعد تنصل دمشق من موضوع ترسيم الحدود بحجة أن اللجنة التي ستكلّف بترسيم الحدود منصرفة إلى ترسيم الحدود السورية مع الأردن.
المزارع وقصة «ابريق الزيت»
بين المرحلة والأخرى، تبرز الملفات الشائكة منذ عقود خصوصًا في منطقة الشرق الأدنى، وأصبحت قضية مزارع شبعا كقصة «ابريق الزيت»، ولأن كل طرف عليه اثبات موقفه لتحصيل الحق يومًا ما، نرانا مرغمين على تكرار الإثبات، لمن يعلم ومن لا يعلم.
الى جانب المواقف السورية الرسمية غير الخطية، تؤكد المراسلات الخارجية مع الدولة اللبنانية وغيرها من القرائن لبنانية مزارع شبعا، لا سيما بعد ما جرى ترسيم الحدود بين لبنان وسورية في تلك المنطقة عام 1943.
وفي العودة الى ملف الخرائط والوثائق، هناك وثائق تعود الى حقبة الإنتداب الفرنسي، منها خريطة أرسلها أحد الضباط الفرنسيين الى قيادته عام 1937، يشرح فيها أن الحدود الفعلية بين لبنان وسوريا في منطقة مزارع شبعا تتبع مجرى وادي العسل، ويطلب تعديل الحدود المرسومة على الخرائط الفرنسية لتتطابق مع الوثائق على الأرض.
وأظهرت مراكز أبحاث لبنانية وثائق تعود إلى عام 1937 و1939 تثبت أن سكان مزارع شبعا كانوا يدفعون ضرائبهم للدولة اللبنانية. وفي كتاب للعالم الجغرافي الإسرائيلي موشيه بريفر، ذكر أن هناك خريطتين فرنسيتين، تعودان لعامي 1932 و1946 تؤكدان لبنانية مزارع شبعا، إلا أن الخرائط الأحدث تُظهر أن المزارع جزء من سوريا. وهذا يعني أن حتى الجانب الإسرائيلي المحتل يعترف بلبنانية المزارع.