“لا أصداء فرنسية” لزيارة باسيل… والحريري يرفض “تعويمه”
منذ العام 2019 يصعب على أي صديق مشترك بين رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الجمع بينهما. حتى ثالثهما الأقرب نادر الحريري صار بدوره من البعيدين، وعلاقاته لم تعد كسابق عهدها. من قصة تحالف وتسوية رئاسية الى عداوة مستحكمة تحولت علاقة باسيل مع الحريري ولا تنفع معها المجاملات ولا مساعي الحلفاء ولو كانوا مشتركين. جمعتهما المصلحة المشتركة وحين لم يعد بمقدورهما تحمل ثمن هذه المصلحة فرط عقد علاقتهما وحكمت القطيعة منذ “17 تشرين” حيث لا موعد ولا لقاء بل حرب بيانات ومصادر ونواب من هذه الكتلة وتلك يتناوبون على السجال.
قاربت الأزمة العامين والسؤال لا يزال هو ذاته هل يلتقي الحريري – باسيل؟ هل يتفقان؟ لقاؤهما الاخير تم في الاستشارات النيابية المتعلقة بالحكومة في مجلس النواب، وفي آخر ما قاله باسيل للحريري يوم هاتفه بطلب وحضور الموفد الفرنسي باتريك دوريل في اللقلوق ان “الفرنسيين يعتقدون اننا مختلفون في حين ان الخلاف بيننا ليس خلافاً شخصياً وانما حول المقاربة السياسية”.
فهل تحول خلافهما الى قضية عناد ولعبة عض اصابع الغلبة فيها لمن يملك القدرة على التحمل، وفي نهاية المطاف فلا احد يدفع من كيسه وكلاهما يستثمر الخلاف مع الآخر في طائفته. خلال اليومين الماضيين تقدم خبر زيارة باسيل الى باريس على ما عداها وقيل ان ثمة مسعى فرنسياً لجمع الحريري وباسيل، وان المدير العام للامن للعام اللواء عباس ابراهيم الذي قصد باريس ساعياً مع الفرنسيين للتقريب بينهما، عاد محمّلاً بعتب فرنسي كبير على باسيل الذي تحمّله فرنسا مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة. وكالنار في الهشيم توسعت رقعة الحديث عن الزيارة ومساعي اللواء ابراهيم وكثرت التأويلات حولها، ليتبين لاحقاً ان ليس كل ما قيل دقيقاً والزيارة بحد ذاتها ليست مؤكدة ولا الحديث عن مساع بشأنها، فالمقربون من رئيس “التيار الوطني الحر” يؤكدون ان التواصل المباشر بينه وبين الفرنسيين لم يتوقف. أما مسألة الاجتماع فلا شك ان اصداء رفض الحريري بلغت باسيل ولم تتوقف مصادر الرئيس المكلف عن نفي اي موعد مرتقب من هذا النوع. يعتقد الحريري ان وضعه بات أفضل من باسيل المطوق ورئيس الجمهورية عربياً ودولياً لتشكيل الحكومة بينما لا يجد باسيل ما يخسره، فيمضي في رفض منح الثقة للحكومة الا بعد التوافق، وفي نهاية المطاف فان اي حكومة لن تتشكل من دون ميثاقية مسيحية وهذه حقيقة يسلم بها حتى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يجد صعوبة في حكومة خالية من تمثيل “القوات” او “الكتائب” او حتى “التيار الوطني الحر” رغم القطيعة مع رئيسه. يتكل باسيل على هذه المعادلة، في المقابل يرفض الحريري “تعويمه” وبينهما ليس مؤكداً ان تدخل فرنسا في مغامرة أخرى غير محسومة النتائج مسبقاً، فضلاً عن امكانية استضافتها باسيل المعاقب اميركياً من دون تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة؟
وينقل عن مسؤول في العاصمة الفرنسية قوله ان زيارة باسيل إلى باريس “لبنانية محلية لا اصداء لها فرنسياً، ولا حتى في الاروقة الديبلوماسية الفرنسية”. ويلمس بعض السياسيين ان السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو تاهت في ظل تضارب الآراء بشأن رؤية بلادها تجاه الوضع اللبناني، وهو ما اضطر الرئيس الفرنسي شخصياً لتزويدها بالاشارات اللازمة كي تتحرك ضمنها، وليس وضع السفيرة الاميركية دوروثي شيا على احسن حال وقد تمت فرملة انطلاقتها السابقة في ظل الادارة الجديدة، التي لم تعين لغاية اليوم مساعداً لشؤون الشرق الاوسط. وانعدام الرؤية هذا يشير اليه البعض على المسار الايراني الذي لم يفرج عن الحكومة طالما لا تقدم على خط مفاوضات طهران مع الاميركيين.
إذاً كلها تحركات تصب في مسعى تحريك عجلة تشكيل الحكومة لكنها ليست مضمونة النتائج لان القائمين بها ليسوا على الموجة ذاتها خارجياً وليس الوضع على افضل حال داخلياً، حيث ان القوى المحلية لا تلتقي على رؤية مشتركة. وتستشف مصادر سياسية تتابع الموضوع الحكومي عن كثب وجود تحركات جدية ولكنها تشكك في نجاح عملية الخرق التي تقودها فرنسا ومصر لوجود تباين بين الدولتين، فضلاً عن ان الاميركيين لم يعطوا بعد الضوء الاخضر الذي يحرر الفرنسيين، اما الموقف السعودي فلا يزال على حاله بدليل ان كل تصريحات المسؤولين في المملكة تظهر اصراراً على اغفال ذكر الحريري ولو بالاسم.