الرياض تفتح “نافذة مشروطة”… لا باباً في الجدار الحكومي
لمن شكك بالتغيير الحاصل في الموقف السعودي والذي عبّر عنه بيان الرئاسة الفرنسية الصادر في الأول من نيسان، جاءه الكلام المباشر من الرياض نفسها على لسان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الذي أثبت بالوجه الشرعي أنّ ثمة مقاربة جديدة للمملكة السعودية تجاه الملف اللبناني.
إذ سبق لبيان الرئاسة الفرنسية أن أشار إلى أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز يتشاركان “الرغبة نفسها في رؤية حكومة ذات مصداقية في لبنان لإخراجه من أزمته الحادّة”، ويعتبران أنّه لا بدّ من حكومة “قادرة على تنفيذ خريطة الطريق للإصلاحات المطلوبة للنهوض، والتي التزم بها القادة السياسيون اللبنانيون”، مشدداً على أنّ تشكيلها “شرط لحشد مساعدة دولية طويلة الأمد”.
ويوم الأحد فاجأ وزير الخارجية السعودي بتأكيده أن “السعودية تأمل في أن يتمكن السياسيون اللبنانيون من الاجتماع بغية تبني أجندة إصلاحية حقيقية، مضيفاً: “إذا فعلوا ذلك فإننا سوف نقف هناك لدعمهم”، مشيراً إلى أن “المملكة مستعدة لدعم أي شخص في لبنان سيتمكن من تبني أجندة إصلاحية”.
فهل فعلاً انتقلت المملكة من سياسة صمّ الآذان عن الملف اللبناني إلى ضفّة التعاطي بالمباشر ولو بحذر مشروط قابل للتطبيق، ومن شأنه أن يكسر حدة الحصار الخليجي عن لبنان؟ وهل فعلاً نجحت باريس في اقناع السعودية بإعادة نظرها في العلاقة مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وتالياً حيال لبنان برمّته والتخفيف من ضغطها على “حزب الله”؟
حتى الآن يؤكد المطلعون على سياسة المملكة أنّ المواقف المتتالية سواء تلك التي نقلها الإعلام أو تلك التي يعبّر عنها السفير السعودي في بيروت وليد بخاري في لقاءاته الدبلوماسية، تثبت بما لا يقبل الشكّ أن الرياض قررت فتح كوة في جدار مقاربتها للملف اللبناني من خلال ترسيم جديد للعلاقة من بوابة الحكومة المنوي تشكيلها، مشيرين إلى أنّ هذا التموضع يعود إلى مساع قادتها باريس بمساعدة الإدارة الأميركية الجديدة التي تنطلق من رؤيتها للوضع اللبناني من قاعدة ذهبية وهي “منع الفوضى”، أمّا غير ذلك فيبقى تفاصيل قابلة للبحث. وفق من يلتقون السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا فإنّ ما يعني بلادها في هذه اللحظة هو قيام حكومة قادرة على وقف الانهيار، ولهذا هي تدعم المبادرة الفرنسية بتفاصيلها الإصلاحية بكونها المعبر الوحيد المتاح لفكّ الحصار المالي عن لبنان.
ويقول المواكبون للموقف السعودي إنّ التطور الحاصل في موقف المملكة هو ثمار الجهود التي قادتها باريس في هذا السياق، وقد أنتجت ليونة في مقاربة السعودية تجاه ملف التأليف من دون أن يعني ذلك أنّ الرياض وقعت شيكاً على بياض، لأنّ التدقيق في ما يقوله المسؤلوون السعوديون وما يُقرأ بين سطور البيانات الرسمية، يثبت أنّ الرياض لا تزال تتحفظ على الكثير من التفاصيل وتضع شروطاً على عملية التأليف قد لا يسهل تلبيتها من جانب القوى اللبنانية، وقد تترك الكثير من الشكوك حول تلاحمها مع الموقفين الفرنسي والأميركي.
بالتفصيل يتبيّن أن السعودية، كما فرنسا والولايات المتحدة، ترفعان عنوان الحكومة الاصلاحية، ولو أنّ لكل منهما مقاربتها للتفاصيل. وفق المواكبين للموقف السعودي يتبيّن أن الرياض تناشد قيام حكومة ذات مصداقية من رئيسها حتى وزرائها، ويتردد أنّ هذا الكلام أبلغه ولي العهد السعودي للرئيس الفرنسي خلال مكالمتهما، حيث يشير المطلعون إلى أنّ الرياض لا تمانع في ترؤس الحريري هذه الحكومة، إلا أنّ الاختبار الفعلي الذي قد يُخضع له سلوك الحريري، سيكون وفق المطلعين، على السير الذاتية للمرشحين للتوزير، وتحديداً الحصة السنية التي يفترض برئيس الحكومة تسمية مكوناتها، حيث تفضّل الرياض أن يكون هؤلاء من أصحاب السير الحسنة وغير ملوثين بلوثة الفساد أو الشبهات ومن غير الموظفين الذين يدارون بالريموت كونترول، مع العلم أنّ المواكبين للإدارة الفرنسية يجزمون بأنّ الأخيرة قد تضع كل السير الذاتية للمرشحين للتوزير تحت المجهر، كي يلاقوا تطلعات المجتمع الدولي الى الحكومة اللبنانية وبرنامجها الإصلاحي.
وفق ما أظهرت التطورات، تحاذر السعودية إلباس سلوكها لبوس المعرقل لكنها في الوقت نفسه لن تشرّع أبواب دعمها للحكومة اللبنانية المفترض أنها انقاذية، ولن تشعل الضوء الأخضر بسهولة. ثمة شروط كثيرة لا تزال حاضرة على طاولة المشاورات والحسابات الاقليمية.