مبادرة بري … المستور كبير والمتوافر قليل!؟
عيسى بو عيسى-الديار
لم يُعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن مبادرته بشكل علني ومفصل بشأن تأليف الحكومة لغاية الآن، وهذا لا يعني ابقاء التفاصيل طي الكتمان بأن رئيس المجلس يعجز عن طرح قواعد وركائز المبادرة أمام الرأي العام ، لكن يبدو أنه يريد إيجاد تسوية إنقاذية مرنة بهدوء، بعيداً عن صخب المناورات السياسية التي تدور عادة في البلد لتحسين الشروط الحكومية، مما يعني أنه يؤمّن أرضية خصبة تُتيح تأليف المعنيين حكومة جديدة، على قاعدة ينتهجها عادة في طرحه التسويات الوطنية: لا غالب ولا مغلوب.
وترى أوساط نيابية ان هذه المبادرة لها مساراً جدّياً فاعلاً ومنتجاً، على الأقل لم يُرصد هذه المرة وجود سهام سياسية بإتجاهها من أي مكون، ولا عدم إكتراث، لا بل ان الاوساط تؤكد وجود أجواء إيجابية يُبنى عليها هذه المرة، لم تشهدها مراحل التأليف قبل ذلك، منذ تكليف سعد الحريري بتأليف الحكومة».
وتفصح هذه الاوساط عن البعض من جوانب هذه المبادرة حيث ان رئيس المجلس لم يحدّد بشكل نهائي سوى اقتراح توسيع الحكومة الى 24 وزيراً، من دون وجود ثلث معطّل لأي فريق، مما يعني أن التوزيع سيكون وفق معادلة 8+8+8، ما عدا ذلك سيـكون كل تفصـيلٍ قابلاً للأخذ والرد في حسابات بري التسووية، لكن الشيطان يكمن في تفاصيل المبادرة على خلفية التسميـات ومن يسمّي الوزراء؟ إذا كان عنوان التكنوقراط مسلّماً به من أجل ترجمة رؤية الحريري في حشد التأييد والمساعدة الدولية لحكومة خالية من السياسيين، وألا وجود لمشكلة في توزيع حصة المسلمين (12 وزيراً: خمسة شيعة وخمسة سنّة ودرزيان)، فإنّ هناك تبايناً لا يزال قائماً حول تسمية الوزراء المسيحيين البالغ عددهم 12.
وتضيف الاوساط نفسها أن فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتكتل لبنان القوي سيسمي سبعة وزراء مسيحيين بمن فيهم الوزير الأرمني، ليبقى خمسة وزراء مسيحيين سيكون من بينهم وزيران يسميهما تيار «المردة»، ووزير يطرحه الحزب السوري القومي الإجتماعي، بينما لا تزال تسمية الوزيرين المتبقيّين عقدة تمنع الوصول الى خواتيم سعيدة تُتيح تأليف الحكومة، لذا، يتم البحث عن المخرج في تواصل مفتوح بين عين التينة وحارة حريك وميرنا الشالوحي وبعبدا كما يتم إطلاع الحريري على مساعي تقريب وجهات النظر بصورة متواصلة.
تجري هذه الوساطات وغيرها تحت أعين العواصم الإقليمية والدولية ، وهي تنظر بعين الرضا والتأييد الى طرح يؤدي الى اخراج لبنان من مأزقه حيث يريد الألمان الإستثمار في مرفأ بيروت، ويسعى الأوروبيون والروس للإستثمار في حقول الغاز والنفط الموعودة في بلوكات لبنان البحرية، بينما ترصد الولايات المتحدة تفاصيل الساحة اللبنانية التي لا تريد خسارتها، كما أوحت زيارة الجنرال الأميركي كينيث ماكنزي الشهر الماضي إلى البقاع إضافة الى نشاط السفيرة الأميركية دوروثي شيا في مناطق لبنانية عديدة.
وتقول الاوساط عينها ان الإندفاعة الدولية نحو لبنان تجري على وقع مستجدات اقليمية ودولية لن تكون بيروت بعيدة عن تداعياتها: هناك تعاون ايراني-صيني تكرّس في وثيقة شركة تاريخية بين طهران وبكّين، في ذروة الانفتاح الصيني على العرب والسعي لفرض نفوذ اقتصادي للصين في كل دول الإقليم، بينما تثبّت روسيا وجودها وأدوارها في هذه المساحة ايضاً، في وقت يسلك فيه التفاوض الأميركي-الإيراني سبيله عبر طريق أوروبي من جهة، ومن خلال خطوات أميركية لرفع عقوبات عن ايران تتظهّر بداية في رفع الحظر عن أموالها في عدد من عواصم العالم.
وفي الخلاصة كل ذلك، يشير إلى ان ثمة ما يدفع اللبنانيين الى كسر الجمود القائم والمراوحة الحكومية، وهو ما يعزّز إمكانات النجاح قبل إنهيار الهيكل على الجميع في حال توسّعت مساحات التفاعل الإيجابي المتوافرة حالياً وإذا لم يركب الساسة اللبنانيون رؤوسهم ستولد الحكومة رغم المناورات السياسية الجارية الآن، التي لا يمكن إلاّ أن تقرأ ايضاً في المشهد الخارجي المحيط بنا.