فصح بلا قيامة حكومية
جوزفين ديب -أساس ميديا
كما هي الوقائع في التاريخ، عندما يفصل بين المرجعيتين المارونيتين غياب الكيمياء أو تضارب المصالح والنفوذ، هكذا هي الحال اليوم بين المرجعية الروحية المارونية المتمثلة بالصرح البطريركي وبين المرجعية المارونية السياسية المتمثلة برئاسة الجمهورية.
ينقل زوّار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خطابه عالي السقف والناقد لأداء رئيس الجمهورية ميشال عون في مجالسه الخاصّة، الذي يفوق ما يقوله علناً، والعكس صحيح، ينقل زوّار الرئيس عون انتقاداته اللاذعة للبطريرك الراعي في مجالسه الخاصّة.
غير أنّ هذا لم ولن يؤدّي إلى قطيعة بين بكركي وبعبدا.
أمس في سبت النور زار عون بكركي لمعايدة الراعي لمناسبة عيد الفصح. وكما سبق أن جرى في عيد الميلا، يزور الرئيس الصرح البطريركي بعد ظهر اليوم الذي يسبق القداس الاحتفالي بالعيد. يعايد بالبطريرك ويجتمع به في خلوة، ويعود إلى قصر بعبدا على أن لا يشارك في قداس العيد نهار الأحد، كما جرت العادة لدى رئاسة الجمهورية.
لا مشاركة إذاً لعون في قداس عيد الفصح الأحد، بحجة الظروف الصحية المتمثلة بكورونا. بل هو اكتفى بخلوة دامت خمسة وأربعين دقيقة، خرج بعدها الرجلان لتصف أجواؤهما اللقاء بأنّه “إيجابي”.
السؤال: على أي أساس الجوّ إيجابي في ظلّ المسافات السياسية التي تفصل بينهما؟ وبعد عظة البطريرك أمس؟
يبدو أنّ الإيجابية التي تتحدث عنها المعلومات المرافقة للاجتماع هي في الشكل على الأقل. إذ تصرّ المرجعيتان على أن لا قطيعة بينهما رغم كلّ شيء. والتواصل دائم بينهما رغم الاختلافات. في المضمون اقتصر الحديث على شرح كل منهما وجهة نظره في الشأن الحكومي. الراعي شرح مواقفه، لاسيما تلك التي ألقاها صباح السبت، وعون شرح تمسّكه بالدستور وبصلاحيات رئيس الجمهورية لناحية المشاركة في تسمية الوزراء.
تشير المعلومات إلى أنّ الراعي بدا متفهّماً لموقف عون لكنّه أصرّ على تشكيل الحكومة في أسرع وقت والقفز فوق العقبات وتصلب المواقف.
ثم جرى الاتفاق على أن يتم تحريك مبادرة التسوية التي بدأت بين وليد جنبلاط ونبيه برّي، ولا تزال تقف بين الألغام في بعبدا وبيت الوسط.
خرج عون من اللقاء متحدّثاً إلى الصحافيين قائلاً‘ان خروج لبنان من النفق الأسود ينتظر عودة الرئيس المكلف من السفر.
من جهته كان البطريرك قد قدم في عظة عيد الفصح ملخصاً عن مواقفه المتتالية منذ أشهر. أي منذ أطلق مبادرة الحياد وحتّى دعوته إلى مؤتمر دولي خاص بلبنان مروراً بطبيعة الحال بملفّ الحكومة. وردّاً على كلّ قائل إنّ المشكلة هي في الدستور قال الراعي إنّ “البعض يحاول إيهام الشعب بذلك لكنّ الواقع أنّ المشكلة في الأداء السياسي والأخلاقي والوطني”.
طرح الراعي هواجس الصرح البطريركي المتعلقة بالخطر على كيان لبنان ونظامه وهويته وصيغته وتقاليده من خلال هدم مؤسساته المختلفة واحدة تلو الأخرى. وحدّد أربعة خصائص لتشكيل الحكومة:
أوّلاً: حكومةُ اختصاصيّين مستقلّين غيرِ حزبيّين.
ثانثاً: ألا يَملك فيها أيُّ طرفٍ سياسيٍّ أو حزبيٍّ أو نيابيٍّ الثلثَ المعطِّل الذي هو أساساً غيرُ موجود في الدستور أو في الميثاق.
ثالثاً: حكومةٌ تَتَّبِعُ في عمليّةِ تأليفِها نصَّ الموادِّ الدستوريّةِ وروحَها ومفهومَ الميثاقِ الوطنيّ.
رابعاً: حكومةٌ تلبّي حاجاتِ المواطنين ويرتاحُ إليها المجتمعَان العربيُّ والدوليّ.
يبدو الراعي بحسب المطلعين على مضمونعظته كأنّه يجيب على هواجس الرئيسين، الجمهورية والمكلّف. وانطلاقاً من هذه البنود ستعود مبادرة الـ24 وزيراً إلى كواليس العمل السياسي بعد الأعياد، أو على الأقل هذا ما يحاولون جميعاً الإيحاء به.
وإن كان الجمود الحكومي يسود أيام الأعياد، إلا أنّ مجموعة أسئلة تتعلّق بنجاح المبادرة التي يعمل عليها رئيس مجلس النواب نبيه بري تنتظر إجابات عون والحريري. لعلّ أبرزها: هل يقبل فريق رئيس الجمهورية أن تشمل حصته من الوزراء الـ8، 6 مسيحيين، ومعهم والدرزي المحسوب على النائب طلال ارسلان؟ أم أنّه سيصرّ على 7 مسيحيين + الأرمني؟ ومن سيسمّي الوزراء المسيحيين الآخرين؟ هل تيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي أو الحريري؟
وهل سيقتنع الحريري بإصرار عون على أنّ صلاحياته تجيز له المشاركة في تسمية الوزراء حقيبةً حقيبة واسماً باسم وطائفةً بطائفة؟
هل سيكون الوزراء اختصاصيين حزبيين أو اختصاصيين تسمّيهم الأحزاب؟ لأنّ تجربة تسميه عون للمحامي عادل يمين في وزارة الداخلية لم تكن موفقة وأدّت إلى اعتراض الحريري على مفهوم عون للوزراء الاختصاصيين.
هذا غيض من فيض الألغام التي ستعترض عملية تشكيل الحكومة في المقبل من الأيام. وعلى الرغم من أنّ بعبدا تعتبر نفسها صاحبة طرح حكومة الـ24 منذ البداية، إلا أنّ بعبدا وبيت الوسط سيكونان أمام امتحان الإجابة على أسئلة أخرى لا تتعلّق بالعدد فقط.
الأرجح أنّ تبادل اتهامات التعطيل سيستمرّ، وأنّ أسبوع الآلام سيستمرّ من دون قيامة حكومية قريبة.