الحزب والحركة في غرفة الصيانة
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
التباينات التي ظهرت على كتف العلاقة بين “حزب الله” وحركة “أمل” خلال الأسبوعين الماضيين على صورة اختلافات في وجهات النظر حيال الملف الحكومي، تلاشت سريعاً. الحليفان منذ أكثر من 10 اعوام، حريصان حتى على تنظيم تبايناتهما السياسية الطارئة تحت سقف التحالف الواحد.
يحيط الحزب والحركة تبايناتهما بهالة خاصة. ثمة حرص على عدم تسرّب بواطن الأمور إلى العوام، أو تجاوز السقوف الموضوعة للنقاش. كثيراً ما تُخاض النقاشات خلف الأبواب الموصدة، وعلى ذمّة قائل، يتخلّلها في كثيرٍ من الأحيان نقاشات ساخنة تدور حول مواضيع متعدّدة، لكنها تحافظ على سقف النقاش الودّي المتبادَل وتُحفظ مضامينها ضمن جدران الغرف، وهو ما يُفهم منه أن الحليفان ليسا بالضرورة على مذهب سياسي واحد، فكلاهما له رؤيته واستقلاليته في الموقف والقرار، وهذا حقٌ لكل منهما، رغم أن البعض يرمي إلى إحاطة هذه الأجواء بشكوك شديدة حول مستقبل العلاقة.
ومع كل الحيطة لدى الطرفين، خرج النقاش بينهما خلال الأسبوعين المنصرمين عن السائد المألوف. دعكَ من ترّهات مواقع التواصل والجيوش المنظّمة، المعلوم منها والمُضمَر، إذ لم يعد من مجال لإخفاء رغبة طرف داخلي “من أهل البيت” في الإستثمار بالخلافات وتوسيعها. فقد ظهرت المسألة وكأن ثمة غيوماً ملبّدة في سماء الحليفين، عزّزها موقفان: خلال الجلسة الأخيرة لمجلس النواب تعمّد رئيس المجلس نبيه بري إطلاق لطشات من الطراز السياسي حيال الحكومة المستقيلة ومستقبلها، فُسِّرت على أنها تطال الحزب بأكثر من مكان، وجاءت رداً على مواقف سابقة للسيد حسن نصرالله. وقف بوجه تفعيل الحكومة ورفض التعديلات الدستورية.
قبلها فُسّر كلام نصرالله خلال إحياء “يوم الجريح” على أنه يستبطن لطشاً لبري حيال موقفه من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والوعود التي أسداها يوماً ما في سبيل عدم تنحيته، خشية من ارتدادات ذلك على وضعية الليرة ودعوة للخروج من أسر المنطق الإختصاصي حصراً. وبين الحدثين حضر الكلام الصريح الذي تولّى إذاعته المكتب السياسي لحركة “أمل” عبر بيان، إذ أعاد تشديد أواصر الحكومة التي يدفع صوبها الحريري، أي مصغّرة من الإختصاصيين، وفي الموقف إسقاط لصفة العجلة حيال التكنو – سياسية.
وللحقيقة، فإن الإضاءة على أي تفصيل يخصّ العلاقة بين الحزب والحركة، مردودة إلى أصل من يتولّى عملية التدقيق. ففي معظم الأحيان، ثمة أطرافاً تُحسب على المناوئين لهذا التحالف، ومن أصحاب المصلحة في “فَرطِه”، يتولّون الخوض في التحليل من وجهة نظرهم، ولذلك، يستغلّون أي حدث مهما بلغ حجمه للإضاءة عليه وتسويقه من خلفية الإستثمار في خلق حالة ما، للإستفادة منها لاحقاً في مجال توسيع المساحات بين الحزب والحركة.
لكن ذلك، وعلى أهميته، لا يمكن أن يُسقط في مكان، إمكانية وجود تباينات “فضفاضة” طرأت بين الحزب والحركة وخرجت إلى العلن في لحظة سياسية دقيقة، كنتيجة للفرز الحاصل في واقعة التأليف العالقة، ما أعطى للموقفين صورةً متنافرة وأبعاداً يظنّ القائمون على العلاقة بين الطرفين، أنها تجاوزت أصل ما حصل نحو محاولات الكيد! وبخلاف ما كان يُشاع دائماً، ظهر أن الحزب والحركة يتموضعان في مكانين منفصلين ـ مختلفين، وعلى ما بدا، اختارا الفريقان التموضع في الموقع المناسب لكلاهما سياسياً، بصرف النظر عن مدى القراءات التي قد تسقط على الفعل أو مدى تأثير كل منهما على الآخر.
وما كان شديد الوضوح، وأخذ حيّزاً من النقاشات، إنصراف الجيشين الإلكترونيين اللذين يدوران في رحاب الطرفين، ولو بشكلٍ مستقل نسبياً، إلى الإنضواء في ورشة من الردّ والردّ المضاد، وقد جذبت إليها من يُحسبون تنظيمياً على الفريقين، ما أعطى صورةً سلبية كان لا بد من تداركها في اجتماع تقييمي عُقد على مستوى القيادات قبل أكثر من أسبوع، مُمثلاً بالمعاونين السياسيين النائب علي حسن خليل والحاج حسين خليل، وما أعطى صفة الإستثنائي، أنها ضمّت كلاً من مستشار الرئيس نبيه بري أحمد بعلبكي ومسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا. وقد تردّد لاحقاً، أن حضورهما جاء في ضوء ما جرى على مواقع التواصل والبحث في إمكانية إنهاء الفوضى العارمة الحاصلة، سيّما بعدما تبين أن الإشتباك قد توسّع وشمل أكثر من موقع. و بدا أن القرار قد اتُخذ في وضع حد لهذا “الخروج عن الضوابط” بدليل أن المنتسبين إلى كلا التيّارين من الذين يحوزون حسابات إلكترونية ذات تأثير إلى حدٍ ما، أُبلغوا بضرورة الإبتعاد عن الدخول في نقاشات سياسية في العلن مع الحلفاء تحت طائلة المحاسبة.
وبينما كان تخضع نتائج الإجتماع وخلاصاته إلى التقييم وأخذ العبر، كان يُعاد ترتيب الأوراق على المستوى السياسي على شكل إعادة هندسة للعلاقة بين الطرفين، وزيارة رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، مُحال أن يتم إدراجها ـ وعلى أهمية ذلك – في خانة إطلاع الرئيس بري على نتائج زيارة وفد “حزب الله” إلى موسكو فقط، بدليل أنها تزامنت وعودة الحديث عن انفراجات في الملف الحكومي. وهنا، يُشاع أن بري يريد ضمّ الحزب إلى المسار الجديد الجاري ترتيبه، لإخراج تأليف الحكومة من الأسر ومناقشته في هذا الملف، مما يعني أن بري قد أعاد هندسة أفكاره وخرج من منطقة دعم “صيغة الحريري الثمنطعشية” لقاء رجوعه إلى تبنّي دعوة السيد نصرالله السابقة بتوسيع الحكومة، من خلال دعم مبادرة وليد جنبلاط القائلة بتأليف حكومة على قاعدة 24 وزيراً، وهو ما يُسهِم عملياً في إزالة الإلتباسات التي أحاطت بالمواقف السابقة بين الحزب والحركة.
لكن المطلوب يبقى أكثر من ذلك، أكثر من إعادة تصحيح مواقف بين حلفين طبيعيين، وكما أن هناك حاجةً لجلوس “التيار” و”الحزب” وإعادة هندسة التحالف بينهما، بات ملحاً أيضاً إجراء “صيانة” دورية لـ”مكنة” الحزب والحركة، خاصة وأن المتطفّلين باتوا كثر، وأن احتمالات تسلّل الأعطال باتت في وضوء الإنخراط في الورشة السياسية، كثيرة.