شينكر لـ”أساس” (1): فرنسا تتحدّث عن عقوبات.. لكن لا نراها
ابراهيم ريحان – أساس ميديا
“مُرتاح من المسؤوليّات التي حملتها أثناء عملي مساعداً لوزير الخارجيّة، لكنها كانت مرحلة ممتازة ومميَّزة ومليئة بالصّعوبات والتحدّيات”، بهذه العبارة بدأ المُساعد السابق لوزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد شينكر حديثه لـ”أساس”، في حوار أوّل من نوعه مع موقع لبنانيّ بعد مُغادرته منصبه. منصب تعامل من خلاله مع ملفّات منطقة “الشّرق الأدنى” التي تضمّ لبنان. أما اليوم فنحاوره بصفته “باحثاً في معهد واشنطن”، وهي الصّفة التي اشتُهِرَ بها قبل أن يتبوّأ منصبه الرّسمي.
بطبيعة الحال، كان لبنان هو منطلَق الحديث مع شينكر الّذي اعتبر أنّ مسألة تغيير النّظام في لبنان صعبة للغاية، على الرغم من طروحات الفيدراليّة وغيرها من التصوّرات، بينما يُفضّل البعض التغيير عبر صناديق الاقتراع. لكنّه أكّد في الوقت عينه أنّ قانون الانتخاب الحاليّ لن يأتي بتغيير جدّيّ في ميزان القوى في البرلمان. وسأل: كيف يُمكِن أن يحصل تغيير إيجابي في ظلّ قانون الانتخاب الحاليّ؟
ماذا عن “معركة الصلاحيات”، كما يسمّيها شينكر، بين الرئيس ميشال عون والرّئيس المُكلّف سعد الحريري: “الواضح والمعروف أنّ تشكيل الحكومة وتسمية وزرائها من صلاحيات الرّئيس المُكلّف الذي يعرض تشكيلته على رئيس الجمهوريّة، فما المانع إذاً في خلاف كهذا من اللجوء إلى تفسير قانونيّ من خبراء مثل الوزير السّابق بطرس حرب؟”.
ولدى سؤاله عن احتمال استكمال إدارة الرّئيس جو بايدن المسار الذي بدأته إدارة دونالد ترامب لجهة فرض عقوبات على شخصيّات لبنانيّة في إطار قانون “ماغنيتسكي” الذي بدأ تطبيقه على النّائب جبران باسيل، أجاب شينكر أنّ “إدارة بايدن ستقرّر سياستها تجاه لبنان عند تعيينها مساعداً لوزير الخارجيّة لشؤون الشّرق الأدنى. أما في الوقت الحالي فتركّز الإدارة الجديدة على مسائل داخليّة مثل كورونا والاقتصاد. وفي المسائل الخارجية ينصبّ التركيز على روسيا والصّين. لذلك لبنان ليس أولويّة، وسنرى استمراراً للسّياسة الأميركيّة تجاه لبنان كما كانت عليه في ولاية ترامب”.
وعن تلويح الفرنسيين بفرض عقوبات على معرقلي تشكيل الحكومة في لبنان، أعرب شينكر عن سعادته “بأن أرى ذلك، لكنّ الفرنسيين تحدّثوا عن العقوبات منذ انفجار المرفأ، وقد ذكَر الرئيس إيمانويل ماكرون في وقتٍ سابق أنّ فرنسا ستُعاقب من يُعرقل تشكيل الحكومة ضمن المبادرة الفرنسيّة، لكن كلّ ما نراه هو العرقلة ولم نَرَ أيّ عقوبات”. وأضاف: “العقوبات قد تدفع المسؤولين إلى العمل بشكلٍ صحيح، ولا سيّما أنّ الأزمة تزداد سوءاً. وقد تحدّثت إلى الجميع في هذا الشّأن منذ كنت مُساعداً لوزير الخارجيّة، لكن يبدو أنّ الإحساس بالمسؤوليّة معدوم لدى الشّريحة الكبرى من الطّبقة السّياسيّة اللبنانيّة”، مكرّراً ما كان يقوله سابقاً من أنّ “طريقة العمل السّابقة لا يُمكن أن تستمرّ، فوطنكم ينهار وشعبكم يُعاني”، داعياً إلى “تشكيل حكومة بأسرع وقتٍ ممكن تقوم بالإصلاحات المطلوبة لإنقاذ لبنان من الانهيار”.
وتطرّق الباحث الأميركي العارف بتفاصيل السّياسة اللبنانيّة إلى مسألة العلاقات اللبنانيّة السّعوديّة فقال إنّ “السّعوديّة وقفت دائماً إلى جانب لبنان ومدّت له يد المساعدة، لكن يُسيطر اليوم حزب الله على قرار السّلطة في لبنان. فلمَ ستُساعد السّعوديّة لبنان في ظلّ هذه الهيمنة؟ ولبنان لن ينال إطلاقاً المُساعدات الدّوليّة التي يسعى إلى الحصول عليها قبل تشكيل حكومة تقوم بإصلاحات جديّة، وهذا ليس موقف الأميركيين وحدهم بل موقف الفرنسيين والبريطانيين”.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كانت له حصّته من الحديث مع شينكر الّذي علّق على ملاحقة سلامة: “يريد الجميع في لبنان أن يُسجّلوا نقاطاً في السّياسة، لكن الأجدى انتظار ما سيصدر عن القضاء السّويسري لمعرفة إن كان سلامة مُرتكِباً أم لا. فسيّاسة المصرف المركزي في لبنان تعتمد على ما تحقّقه الحكومات من نجاحات أو إخفاقات”. ورأى أنّ ما يتعرّض له سلامة يدخل في الإطار السّياسي.
وكانت إحدى مهمّات شينكر إطلاق عمليّة التفاوض غير المُباشر بين بيروت وتل أبيب بوساطة أميركيّة من أجل ترسيم الحدود البحريّة بين البلدين. وفي هذا الإطار، ذكّر شينكر بالأهميّة الاقتصاديّة للبلوكات 8 و9 و10 التي بحسب الدّراسات تضم المخزون الأكبر من الغاز الطبيعي على امتداد السّاحل اللبناني: “يمكن لبنان أن يستفيد مالياً من استخراج الغاز الطبيعي في مياهه، خصوصاً في ظلّ أزمته الحالية، لكن المشكلة تكمن في انعدام حسّ المسؤوليّة وفي عدم السعي إلى الوصول إلى حلٍّ وسطيّ يُرضي الجميع. كنّا نعتقد أنّ اللبنانيين يبحثون عن حلٍّ لهذه المسألة، وهذا ما لمسته في محادثاتي مع المسؤولين اللبنانيين. لكنّ اللبنانيّين بادروا إلى رفع السّقف التفاوضي غير منتبهين إلى أنّ الإسرائيليين يمكنهم فعل ذلك أيضًا؟ ولدى ذهابنا إلى المفاوضات، فوجئنا بالمطلب اللبناني المتعلق بمنطقة الـ2200 كلم مربع، وهو مطلب يدلّ على أنّ لبنان لا يريد الوصول إلى حلّ. أنا لا أعرف من يقف خلف هذا الطّرح، أهو حزب الله أم جبران باسيل أم طرفٌ آخر؟ لا أملك جواباً، لكن ما أعرفه أنّ المفاوضات لا ينبغي لها أن تسير بهذه الطّريقة”.
في الحلقة الثانية غداً: ماذا يقول شينكر عن حقّ إسرائيل بضرب ترسانة حزب الله في لبنان؟