إسرائيل تلوِّح بالحرب: هل هي أشباح 2006؟
في الساعات الأخيرة، خرجت إسرائيل عن صمتها. أعلنت بقوة اعتراضها على نهج الرئيس جو بايدن المتساهل تجاه إيران في الملف النووي، بل قرَّرت التحرُّك سريعاً لإحباطها، ولو بتنفيذ ضربات عسكرية في إيران. وفي المقابل، بدأ الخبراء يرسمون سيناريوهاتٍ لاحتمالات الردّ الإيراني، والأبرز فيها أن يأتي الردُّ عنيفاً من داخل سوريا ولبنان. فهل المنطقة مقبلة على مغامرة عسكرية معقَّدة، وهل يكون لبنان رأس حربةٍ لإيران في المواجهة؟
الجميع يبدو في سباق مع الوقت في الأسابيع القليلة المقبلة. فإيران حشرت الجميع إذ رفعت، خلال أشهر قليلة، مستوى تخصيبها لليورانيوم إلى 20 % في موقع فوردو، فيما المفترض ألا يتعدّى وفق اتفاق فيينا 2015 نسبة 4.5 %.
عندما انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق في العام 2018، كانت حجَّته أن طهران لا تلتزم فعلاً بهذه النسبة، وأنها استفادت من الأموال التي تدفقت عليها بعد فكّ الحصار الدولي، لتزيد من مستوى التخصيب تمهيداً لتصنيع قنبلة نووية، ولتطوير صواريخها البالستية وتمويل الأجنحة العسكرية العاملة تحت لوائها في الشرق الأوسط وخلاياها في أوروبا وأميركا.
اعتبر ترامب أنّ الخروج من الاتفاق ومحاصرة إيران يتكفّلان بإرغامها على التزام الضوابط أكثر من المساومة. لكنّ الأوروبيين لم يشاركوه هذا الموقف. اعتقدوا أنّ اتفاق فيينا يبقى الإطار الأفضل لترصُّد سلوك إيران على الأقل، لأنّ الخروج منه يجعلها خارج المراقبة. ومن باب مصلحي، قدّم الأوروبيون كثيراً من الدعم غير المباشر لطهران، ما سمح لها بتجاوز الضغوط الأميركية.
إستفاد الإسرائيليون من موقف ترامب. وفي نهايات ولايته، في تشرين الثاني 2020، تمّ توجيه ضربة قاسية إلى برنامج طهران النووي، باغتيال كبير مهندسيه محسن فخري زاده، وتوالت الضربات «الغامضة» لمواقع حيوية في إيران. ويقال إنّ وراءها أصابع إسرائيل.
الردّ الإيراني لم يكن بسيطاً. فقد رفعت طهران مستوى التحدّي بالإعلان صراحةً عن تخصيب 120 كيلوغراماً من اليورانيوم بنسبة الـ20 % التي كانت قد وصلت إليها عشية اتفاق 2015. ويتردّد أنها حققت هذا الهدف في فترة قياسية، ما أوحى للخبراء بأنّ بلوغ نسبة الـ90 % المطلوبة لتصنيع قنبلة نووية بات مسألة أشهر قليلة. وهو ما يقلق شركاء واشنطن الإقليميين: إسرائيل والمملكة العربية السعودية وتركيا.
في تقدير بعض الخبراء أنّ إدارة بايدن لن تخرج تماماً من «إرث ترامب» في التعاطي مع الملف الإيراني. فهي لن تعود إلى اتفاق 2015 قبل تأكيد الضمانات حول الصواريخ البالستية وأذرع إيران التوسعية في المنطقة، لكنّ طهران قد تطلق وعوداً جديدة وتمضي عملياً في سلوكها.
هذا هو سبب سوء التفاهم المضمر بين إدارة بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو. فإسرائيل قلقة جداً من تَحوُّل إيران قوةً إقليمية عظمى نووياً، خصوصاً أنها موجودة على حدودها الشمالية من خلال «حزب الله» و»الحرس الثوري الإيراني». ويريد الإسرائيليون إحباط أي محاولة أميركية للعودة «البسيطة» إلى اتفاق فيينا.
لا يبخل بايدن على إسرائيل بتقديم الضمانات المتعلقة بأمنها، كما سائر أسلافه. ولكن، قبَيل أيام من بدئه الولاية الرئاسية، زاره رئيس «الموساد» يوسي كوهين في واشنطن حاملاً ملف إيران. لكن الضيف الإسرائيلي لم ينجح في تبديل موقفه. ومع الأيام الأولى لمجيء بايدن، بدأت ترتفع أصوات الاعتراض لتوجهاته من داخل إسرائيل.
قال نتنياهو: «باتفاقٍ أو من دونه، سنبذل جهدنا لئلّا تمتلك إيران سلاحاً نووياً. ولن نقبل بتموضعها في سوريا أو بصواريخها الدقيقة في سوريا ولبنان. وسيكون ردُّنا ساحقاً آلاف الأضعاف».
وفي الأيام الأخيرة، رفع الإسرائيليون مستوى التهديد. وجدّد وزير الدفاع بيني غانتس موقف نتنياهو. وقال خلال جولة على الحدود مع لبنان: «إذا نفّذ «حزب الله» تهديداته فستكون النتيجة مؤلمة له ولقادته وللبنانيين الذين يستخدمهم دروعاً بشرية، ويخفي الأسلحة والصواريخ تحت منازلهم».
وتتزايد في الداخل الإسرائيلي أصوات المنادين بالخيار العسكري ضد إيران. وفي تقدير الرئيس السابق لـ»الموساد» داني ياتوم أن على إسرائيل أن تقف بين خيارين سيئين: «إمّا قتال سيتجاوز المواقع النووية في إيران ويمتد الى أوسع منطقة ممكنة، وإمّا أن تصبح إيران دولة نووية». وبالتأكيد، يجب أن تختار الأول.
في بعض التقارير أنّ إيران قد تصبح قادرة على امتلاك سلاحها النووي في غضون أسابيع قليلة، وربما في شهرين أو ثلاثة، أي قبل انتخاباتها الرئاسية المقررة في حزيران. وهذا ما يمكن أن يسرّع المغامرة العسكرية، فتنفذ إسرائيل ضربة صاعقة لمواقع نووية في الداخل الإيراني، يمكن أن تفتح الباب على المجهول.
إذا وقعت الضربة، فستتم في خضم مفاوضات أميركية – إيرانية يُتوقَّع أن تطول. وقد تؤدي هذه الضربة إلى إحباط المفاوضات وتعطيل العودة إلى اتفاق 2015 أو إلى خلق أطرٍ جديدة له تراعي رغبة إسرائيل في البقاء وحدها قوة نووية عظمى في الشرق الأوسط، كما تضمن إبعاد الصواريخ الإيرانية عن حدودها.
ولكن، لا أحد يضمن في المقابل هل ستردُّ إيران أم تسكت مجدداً؟ وهل يكون الردّ في الداخل الإسرائيلي مباشرة، ومن خلال حلفائها المدججين بآلاف الصواريخ بين لبنان وسوريا؟
وفي المقابل، لا أحد يضمن حدود الردّ الإسرائيلي. ولكن خلف تهديدات نتنياهو وغانتس وسواهما ربما تلوح أشباح تموز 2006.