الراعي عن إقالة عون: إتبعوا الآليات الدستورية تحقيقات البيطار… “ضربة عالحافر وضربة عالمسمار”!
تنقسم الآراء إزاء تقويم مسار التحقيقات التي يجريها المحقق العدلي الجديد في قضية انفجار المرفأ، بين من يتوسّم خيراً بزخم انطلاقتها المتجددة لنبش خبايا الملف واستعراض مجمل جوانبه الأمنية والإدارية والجرمية بعيداً من الضجيج السياسي والصخب الإعلامي، وبين من يتوجّس ريبةً من “تكبير حجر” الاستماع إلى إفادات الموقوفين، توصلاً إلى تمهيد أرضية إطلاق سراح بعض منهم وغضّ النظر عن الادعاءات التي سطرها المحقق العدلي السابق فادي صوان بحق مسؤولين سياسيين.
وبين هذا الرأي وذاك، يسير القاضي طارق البيطار في خطواته تحت مجهر أهالي شهداء انفجار الرابع من آب، ترقباً للمسارات التي سيسلكها والقرارات التي سيتخذها، على أن يكون حينها “لكل حادث حديث”، وفق مصادر مواكبة للضغوطات السياسية التي مورست على التحقيق العدلي بغية “حرفه عن سكة تحديد المسؤوليات الجنائية وحشره بزاوية التقنيات والتعويضات”، مشيرةً إلى أنّ تحقيقات البيطار لا تزال تراوح حتى الساعة بين “ضربة عالحافر وضربة عالمسمار”، وبالتالي فإنه “من المجحف في الوقت الراهن، الحكم على أدائه قبل اتضاح انعكاس مسار تحقيقاته على القضية وجوهرها المتصل بكشف الحقائق وتوقيف كبار المرتكبين”.
غير أنّ المصادر رصدت في المقابل، مؤشرات “لا تبشر بالخير” خلال الساعات الأخيرة، تمثلت بإثارة قوى الثامن من آذار “زوبعة إعلامية” حول مسألة إفادة الوزير السابق يعقوب الصراف، باعتباره يمتلك “معلومات وخرائط مهمة” تفيد التحقيق العدلي في انفجار المرفأ، ونقلت في هذا السياق معطيات مستقاة من أكثر من جهة معنية بالقضية، تؤكد أنّ ما أثير بهذا الخصوص “مبالغ فيه وأغلب الظن أنه يأتي في سياق استكمال تصفية الحسابات السياسية مع القاضي صوان، من باب التصويب على كونه أهمل معلومات مهمة في تحقيقاته”، مبديةً في الوقت عينه تخوفها من أن يكون تضخيم هذه المسألة “باباً جديداً من أبواب تسييس التحقيق العدلي وأخذه في اتجاهات لوجستية، بغرض التعمية على جانب المسؤولية الجرمية للمسؤولين السياسيين والتي نتج عنها انفجار المرفأ”.
وبينما عُلم أنّ المحقق العدلي يتجه إلى تحديد جلسة استماع قريبة لإفادة الصراف، يستكمل البيطار هذا الأسبوع استجواب الموقوفين الـ25 قبل البت بطلبات تخلية السبيل، التي لوحظ ارتفاع وتيرتها بشكل كبير في الآونة الأخيرة، مع الإشارة إلى أنّ البيطار سطّر استنابة الى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان لمكافحة تبييض الأموال والإرهاب، تطلب كشف مصدر الحوالة المالية التي أرسلتها شركة “سفارو ليمتد” البريطانية إلى وكيلها القانوني في لبنان، وتحديد ما إذا كانت هذه الشركة التي موّلت شراء شحنة نيترات الأمونيوم تملك حسابات شرعية في المصارف الخارجية.
وعن مسار التحقيق، توضح مصادر قضائية رفيعة لـ”نداء الوطن” أنّ المحقق العدلي الجديد “بدأ من الصفر” في التحقيقات، بعدما تبيّن له وجود “نواقص كثيرة في تحقيقات سلفه”، وهو يركز راهناً على استكمال استجوابات الموقوفين و”يستعجل إنجازها ما يضطره إلى البقاء أحياناً حتى الليل في مكتبه، وقد حرص على الاطلاع على كامل تحقيقات القوى الأمنية اللبنانية وتلك التي أجرتها أجهزة أمنية أجنبية”.
وإذ رجحت أوساط مواكبة للملف أن تشمل أولى إخلاءات السبيل التي سيصدرها البيطار، الرائد في أمن الدولة جوزيف النداف وضباط الأمن العام وبعض الموقوفين من عمال ومهندسين، تجزم المصادر القضائية بأنّ البيطار سيعمد “بطبيعة الحال إلى إطلاق سراح بعض الموقوفين قريباً عندما ينتهي من الاستماع اليهم جميعاً”، من دون أن تستبعد “توقيف آخرين لكن ليس في المدى القريب نظراً لتشعبات القضية والحاجة إلى الوقت لتحديد المسؤوليات”، كاشفةً أنّ المحقق العدلي وضع “ثلاثة محاور في إطار عمله، المحور الأول يتعلق بالباخرة ومسارها قبل أن ترسو في مرفأ بيروت، والثاني يتعلق بوضعية الباخرة بعد دخولها المرفأ إلى حين إفراغ حمولتها، والمحور الثالث يتصل بسبب الانفجار، لناحية كونه ناتجاً عن حادثة، أو أنه مفتعل ومدبّر”، ولفتت في هذا السياق إلى أنّ البيطار يتوسع في تحقيقاته حيال “نقطة بارزة تتمحور حول كمية النيترات التي انفجرت في العنبر رقم 12، لا سيما وأنّ بعض التقارير المنجزة سابقاً كانت قد أشارت إلى انفجار ما يقارب الـ2000 طن من النيترات، قياساً على الحفرة والشعاع التدميري ضمن نطاق العاصمة، بينما أورد تحقيق أمني غربي معلومات تفيد بانفجار 500 طن فقط من النيترات، ما يعني أن الكمية المتبقية من أصل الشحنة المخزنة والبالغة 2700 طن سُرقت وهُرّبت من المرفأ”.
أما في مستجدات الملف الحكومي، فتتجه الأنظار إلى الإطلالة الجديدة للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لرصد مضامين خطابه، بعد البلبلة التي أثارها في إطلالته الأخيرة ومساهمته في تفجير “لقاء الاثنين” الشهير بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة المكلف سعد الحريري، بالتوازي مع إغضاب رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد تهميش مكانته وتصويره ملحقاً بقرار “حزب الله” في الملف الحكومي والتصويب عليه في قضية حاكم المصرف المركزي، ولعلّ زيارة النائب محمد رعد إلى عين التينة عشية إطلالة نصرالله أتت في سياق تصحيح خطأ عدم تنسيق المواقف مع بري قبل إطلاقها.
لكن ما لفت الانتباه بقوة أمس، هو تشديد البطريرك الماروني بشارة الراعي على أنه لا يضع “خطاً أحمر” حول مسألة إسقاط رئيس الجمهورية ميشال عون، موضحاً أنّ إقالته “تحتاج إلى آلية دستورية ترتكز على الخيانة الوطنية العظمى” متوجهاً إلى الداعين لذلك بالقول: “إتبعوا الآليات الدستورية ونحن لا نضع خطاً أحمر حول أحد”، وأضاف أمام “لجان المجموعات السيادية”: “لم نغطّ ولن نغطي يوماً أحداً ولم نضع خطوطاً حمراء أمام محاسبة أحد (…) وليطل التدقيق الجميع مهما علا شأنهم، ولتنزل العقوبات بكل الفاسدين والمرتكبين ومن وراءهم”.