تحقيقات - ملفات

وزيرة الدفاع بأمرة السفيرة الأميركية

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

لا تخرج وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر من الشرنقة الأميركية، مثلها مثل السياسيين الآخرين من ذوات الدم الأميركي الذين وقعوا أسرى لعنة العمّ سام منذ زمن. قبل مدّة “تنطّحت” عكر طلباً للإعتذار من السفيرة دورثي شيا، حين تجرّأ قاضٍ “لا يَمزح” على إصدار قرار قضى بمنعها من التصريح عبر الإعلام رداً على تدخلها في الشؤون اللبنانية، وما يسبّبه ذلك من حالة غضب عارمة وردود فعل غاضبة. حينها، رفعت عكر السمّاعة من دون أن يأذن لها أحد، واتصلت بشيا مقدّمة اعتذاراً بإسم الحكومة اللبنانية.

قبل ذلك بمدة قصيرة، قرّرت عكر، وأيضاً من دون أن يأذن لها أحد، أن الحكومة اللبنانية ملزمة بمناقشة مضمون قانون “عقوبات قيصر الأميركي”، وفي إحدى الجلسات بادرت إلى القفز من مكانها وتوزيع “أوراق” هي عبارة عن ملخّص مترجم إلى العربية لنص “قيصر”، طالبة من الوزراء الحاضرين “دراسة ما تقدّم إليهم لأن على الحكومة مناقشة المضمون في وقتٍ لاحق”. ذُهل بعض الوزراء الحاضرين، تحديداً وزراء “حزب الله” من هذا “الإرتهان” إلى المطالب الأميركية، وعندما انتفضوا في وجهها رافضين مناقشة الطلب، سيما وأنه يأتي من خارج الأصول، برّرت عكر موقفها بأن ما تقدّم يأتي “لاستلحاق ما قد يحدث”! وحين استفسروا منها عن ذلك، أجابت أنه “خلال محادثتي مع السفيرة الأميركية، أُبلغت أنهم في واشنطن جادّون في تطبيق بنود القانون، وكل من يتعامل مع سوريا سيكون عرضةً للعقوبات، لذا، وبحكم أن بعض الوزارات في لبنان تتعاطى مع وزرات على الجانب السوري، لا بد إذاً من الإطلاع على البنود وأخذ العلم!”.

إذاً، ما يمكن استخلاصه، أن عكر تتحدث مع السفيرة الأميركية، وإذا ما ركنا إلى كلام الغرف المغلقة، لاكتشفنا أن وزيرة الدفاع “فاتحة خط” مع عوكر وتنسيق بكل شاردة وواردة مع الطرف الأميركي، ليس آخرها ما له صلة بالمفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي، والإتهام الأميركي الدائم للطرف اللبناني بأنه المسؤول عن عرقلة المفاوضات. هنا، يصبح سهلاً فهم لماذا عكر تحتجز اقتراحات التعديل على المرسوم رقم 6433 لجهة ضمه 1430 كيلومتراً بحرياً مربعاً إلى الجنوب من النقطة رقم 23، في درج مكتبها في اليرزة منذ نحو 3 أسابيع، وتتمنّع عن توقيعه.

اليوم الأثنين، ندخل الأسبوع الثالث على تسلّم عكر من قيادة الجيش إقتراحات التعديل على المرسوم 6433. كان يجدر بعكر أن توقّع اقتراح المرسوم معدّلاً كي تمرّره إلى وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال، وبعد توقيعه عليه ينتقل إلى رئاسة الحكومة ومن ثم رئاسة الجمهورية، وتنتهي القصة بإيداع المرسوم معدلاً لدى الأمم المتحدة لأخذ العلم قبل موعد أيار المحدّد كتاريخ نهائي لتقديم التعديلات. بدلاً من ذلك، قامت باحتجازه، وتذرّعت بأنها باشرت بوساطة لتأمين “إجماع وطني” حول التوقيع، سيما وأن مرجعيات أبدت اعتراضها على ذلك. هذا في الشكل، أما في المضمون، ثمة من أبلغ، أن عكر، وبحكم تواصلها الدائم مع عوكر، تلقّت نصيحة من جانب السفيرة الأميركية بحجز الإقتراحات لديها تحت ذريعة محاولة تأمين الإجماع حتى انقضاء المهلة القانونية في الأمم المتحدة، أما الهدف الأساسي، فهو نسف أي إمكانية لإدخال تعديلات أو تشريع المرسوم المعدّل. يحصل ذلك وسفينة الإنتاج FPSO تنطلق خلال أسبوعين إلى حقل “كاريش” وفقاً لكلام مدير مشروع الحقل، للبدء بعمليات الإستكشاف، وهو الحقل الذي، وبحسب دراسة الجيش، يمتلك لبنان نصفه!

عكر ليست الوحيدة التي تنفّذ مضمون البلاغات الأميركية من دون أن يرفّ لها جفن أو وجود إمكانية للرفض أو المراجعة. في عين التينة يحدث الأمر ذاته تقريباً. رئيس مجلس النواب نبيه بري، أبلغ أنه في حلٍ من أي موافقة على توقيع أي مرسوم مماثل. ذريعة بري أن الإقتراح “يقوّض” قدرة لبنان على مفاوضة العدو. أكثر من ذلك، وحين “نِزل” وفد إلى بري قبل مدة لمحاولة إقناعه بالمرسوم والتعديلات التي أدخلتها قيادة الجيش وحصة لبنان بما يتجاوز 1430 كيلومتراً بحرياً مربعاً زيادة عن 860 كيلومتر التي يُفاوض على أساسها الآن، غضب رئيس المجلس، وأبلغ الحاضرين بأنه “لا يقبل بنص الإقتراحات”، واتهم القائمين عليها بـ”محاولة تخريب المفاوضات غير المباشرة”. الإتهام يوجّه إلى قيادة الجيش ومن خلفها رئاسة الجمهورية، إذ يتّهمها بري بأنها تسعى خلف التوسعة لـ”تطيير” التفاهم المسمّى “اتفاق الإطار” الذي وضع سقفاً لحق لبنان في البحر يبلغ 860 كلم2 فقط ومحاولة إستبداله بآخر، رافضاً أي نوع من التنازل.

وزير الأشغال ميشال نجار أيضاً يندرج تحت نفس الخانة. بحكم تابعيته السياسية إلى مرجعية ومقرّها بنشعي، يصبح ملزماً بمسايرة موقف رئيس المجلس بصفته حليفاً. من هنا، أبلغ وأُبلغ نجار بأنه لن يوقّع “طالما أن لا تفاهماً لبنانياً على التعديلات”، انطلاقاً من هنا، عادت عكر وأبلغت أنها لا تستطيع التوقيع طالما أن وزير الأشغال لا يوقّع، وطالما أن رئيس الحكومة طالبَ بإجماع وطني لا يمكن تأمينه لكون بري يرفع سقف اعتراضه!

يواكب هذا الجو الداخلي بضغط أميركي واضح. المطلعون على تفاصيل حركة السفيرة الأميركية، يؤكدون أنها تدور على السياسيين منذ مدة ليست بقصيرة، وتمارس عليهم ضغوطات من زاوية تجميد المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي، إذا ما قُدّم المرسوم معدلاً إلى الأمم المتحدة، أو تمّت الموافقة عليه من جانب رسمي في لبنان، ما يعني تجميد أي إمكانية للبنان لاحقاً من التنقيب عن النفط في حقوله الجنوبية، أكثر من ذلك، ثمة من يقول أن جانباً لبنانياً وأكثر قدم إلتزامات إلى الأميركيين حيال اتفاق الإطار، وقد ضمن أن التفاوض غير المباشر سيجري على هذا الأساس حصراً. المصدر نفسه، ينهي كلامه بالإفصاح عن معلومات لديه، حول وجود ضغوطات أميركية تمنع شركة TOTAL الفرنسية من بدء عمليات الإكتشاف من الجانب اللبناني الآن، ريثما يُقرّر مصير المفاوضات ويُعرف توجه لبنان لناحية إقرار التعديلات من عدمها على المرسوم المذكور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى