شرق أوسط جديد بإدارة بايدن..تصفية حسابات أم إعادة تموضع؟
–لانا بدوان–كاتبة و باحثة–موسكو
–وكالة نيوز
بعد ان أصبح جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة وفوزه على منافسه الصعب المستشرس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر 2020، ما يلفت النظر أن إدارة بايدن و فور توليه سدة الرئاسة شعرت بالقوة، خاصة أنها سلكت طريقها الى الحكم بأسرع مما هو متوقع، نتيجة لظروف وعوامل داخلية باتت معروفة وواضحة للعيان، وقضية الكورونا أساس فيها بعد فشل سلفه ترامب بالتعامل معها.
بعد أقرار مجلس الشيوخ الأميركي خطة الرئيس جو بايدن لتحفيز الاقتصاد المتضرر جرّاء كوفيد-19 والبالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار، وإثر عمله على بعض التصحيحات في سبل معالجة الأزمة الغذائية ذات التبعات الاقتصادية و التعهد بمساعدات فورية لملايين الأمريكيين العاطلين عن العمل، تغيرت الأجواء بشكل تدريجي لصالحه، لكن ليس بالحد المطلوب نظراً لدقة الأوضاع التي مرت بها البلاد ومازالت في بعض جوانبها التي تحتاج إلى حلول جذرية وليس إسعافية سريعة ومؤقتة.
هذه التصحيحات و الإنجازات، حققت نقلة نوعية و فارق كبير بين الإدارة الأميركية السابقة و الإدارة الأمريكية الحالية، وقد لعب هذا الفارق دوره في تلميع صورة مرحلة رئاسة بايدن وعلقت عليها بعض الآمال لتحقيق واقع أفضل.
هذه المتغيرات تستدعي التوقف عندها، ومن الجدير بنا أن نلاحظ دور جو بايدن في استعادة موقع بلاده القيادي في العالم ولو بشكل مهزوز نوعاً ما، و التخلي عن السياسات الأحادية التي اتبعتها إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب و التركيز على التحالفات الدولية.
بموازاة هذا تمكّنت إدارة بايدن في تنظيم حملة طبية في اللقاح ضد فيروس كورونا و توفير اللقاح لكافة الأميركيين مع نهاية مايو أيار المقبل، أي قبل شهرين من الموعد. وذلك كان حسب التقديرات الأميركية في لجوء البيت الأبيض إلى وضع ”قانون الإنتاج الدفاعي”، الذي يعرف بأنه عملية تنفيذ و تسريع في إنتاج اللقاح و نشره، ذلك ساهم برفع معدل التطعيم اليومي من 1,3 مليون إلى مليوني شخص. وقد ساهمت هذا الخطوات بشكل كبير في رفع رصيد الرئيس بحدود قياسية، اذ وصلت الى 70% نسبة التأييد لمشروعه التحفيزي، 60% لأدائه العام حسب تقديرات الخبراء، و 55% لتعامله مع الوضع الاقتصادي بالرغم من المشاكل الاقتصادية و المناخ مع الزعماء في العالم و منهم الصين، و تأكيده على أنه سيجعل من مكافحة الاحتباس الحراري هدفاً أساسياً لإدارته، في إطار مساعيه لإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي. و ان إدارته ستعمل على تحديث البنية التحتية للمياه والنقل والطاقة و التكنولوجيا، لجعلها مجهزة بشكل أفضل لمقاومة الظروف الجوية القاسية والتغيرات المناخية الطارئة.
إنجازات بايدن هذه، أو في حال في وضعه في هذه الخانة، باعتقادي لم تكن جميعها نتيجة لدقة حسابات إدارته وصواب قرارته و سياساته، إنما كانت أيضاً حصيلة ظروف و أسباب مؤاتية و مناسبة للوقت، و نتيجة تعاطي إدارة ترامب مع المظاهرات العنصرية بسلبية وعدم التعاطي بشكل سياسي و سلمي معها. وجائحة كورونا التي ساهمت في خسائر فادحة أدت الى تعطيل الحياة العملية و خسارة آلاف من الأميركيين لأعمالهم، ناهيك عن خسائر فادحة في الأرواح وتدهور الوضع الصحي والإجتماعي في البلاد.
كل ذلك، أدى إلى نجاح إدارة بايدن في تصحيح الأخطاء وتقديم البدائل المناسبة، الى حد أعطى إدارته مساحة من حرية الحركة نحو الأمام بإطمئنان حذر ، خصوصاً بعد تنظيم حملة التلقيح التي ساهمت في انحسار الوباء نسبياً، ولو أنّ هناك موجة خطر رابعة تهدد الساحة الأميركية من جديد، والتي صرحت عنها الصحة الأميركية بسبب تزايد إهمال المواطنين في إتباع شروط الوقاية.
و أيضاً ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية اليوم من سجالات ومناكفات سياسية، وخاصة بين الحزبيين الجمهوري والديمقراطي، خير مثال ان هذه المناكفات و الصراعات الداخلية التي تسير فيها الأمور في الاستابلشمنت الأميركية، ساهمت في مساعدة الرئيس جو بايدن لأن يكون الرابح الأكبر فيها، لما قد توفره له من أكثرية وازنة أكثر مما هي عليه حالياً في مجلسي النواب والشيوخ.
اليوم، تمكنت الإدارة الأميركية الجديدة من الإقلاع بصورة منتظمة، و دخلت في ربيعها قبل تأزمات قد تنهيها، و التصعيد في الجبهة بين الحزبين ساهم في أعطاءها قوة و مساحة أوسع للتحرك في الداخل الأميركي وفي الخارج في العلاقات الدبلوماسية الدولية، و خاصة فيما لو نجحت خطة الإدارة في حسر الفايروس مع الصيف المقبل بالتوافق مع انتعاش اقتصادي و التمسك بسياسة الحوار مع الدول المنافسة، لها كما يقال في الإنجليزية:”إنّ الشيطان الذي تعرفه خير من الملاك الذي لا تعرفه”، وهذا المثل يرمز إلى حرص الدول على الحوار السياسي و الاقتصادي الفاعل بين بعضها، و محاولة الإبتعاد عن سياسة الارتجال والديماغوجية و التهجم، الذي يتسبب بزيادة معدّلات التضخم.