إسرائيل تشكو حزب الله في الإليزيه: السلاح الدقيق فتّاك… ومتملّص
الأخبار- يحيى دبوق
مناسبة «إطلاق ونقل» التهديد عبر الجانب الفرنسي، تأتي في سياق جولة يقوم بها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، إلى عدة عواصم أوروبية وازنة، تهدف إلى تحريض الجانب الأوروبي على إيران والدفع باتجاه تشديد موقفه إلى مستويات أكثر تطرفاً، في مواجهة إمكان العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران.
الزيارة التي أريدَ لها أن تحظى بتغطية إعلامية واهتمام سياسي لافتين، رفعت تل أبيب مستواها في الشكل، من خلال اصطحاب الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين لكوخافي. فرغم المسؤوليات الفخرية للرئيس، إلا أنّ وجوده يتسبب من ناحية بروتوكولية باهتمام سياسي وتغطية إعلامية أوسع وأكثر تأثيراً، وإن باتجاه الرأي العام، قياساً بزيارة تقتصر على الجانب العسكري المهني، الذي يمثّله رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.
هي إذاً زيارة مرتبطة بالملف النووي الإيراني، لكنها أيضاً مرتبطة بالساحة اللبنانية، لِذاتها وللتهديد المتشكّل فيها، في ما يتعلق بالموقف والقدرة الدفاعيين للبنان، إنّما بما لا يمكن فصله أيضاً عن الإقليم. التطرق إلى تهديد حزب الله، إسرائيلياً، لا ينفصل بطبيعته عن محور أوسع ينتمي إليه، وخاصة أن التهديد الذي يشكّله الحزب، سلك طريقه إلى التعاظم في لبنان بما لا يقاس مع ما كان لديه من قدرات في السابق، ما يفرض نفسه على جدول أعمال زيارة هذا الوفد وغيره، ضمن جملة خيارات تَعمَد إليها للمواجهة. هذا البعد يتّخذ أهمية خاصة راهناً، كون فرنسا مطلّة أكثر على لبنان، وتتشعب علاقاتها فيه، وتحديداً في هذه المرحلة، حيث اهتمام باريس عالٍ جداً تجاهه، إنْ بالأصالة عن نفسها أو بالوكالة عن الآخرين.
المقصود هو تقاطع جملة عوامل، تفرض على «إسرائيل» تضمين تهديد حزب الله، وبشكل أكثر تحديداً قدراته الصاروخية الدقيقة، في سلّة مطالب تؤكد ضرورتها وإلحاحها كي تكون جزءاً لا يتجزأ مما تريد من الأوروبيين ــــ كما من الأميركيين ــــ تحقيقه مع الجانب الإيراني، عبر التسوية التي يسعون إليها مع طهران. وهذا ما يرى الإسرائيليون وجوب إثارته مع الغرب، بصرف النظر عن فرص وإمكانات تحقّقه بالفعل.
في تقرير مواكب للزيارة، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن «إسرائيل» لا تربط بين مطلب العمل ضد صواريخ حزب الله الدقيقة وبين الاتفاق النووي الإيراني. لكن في المقابل، تنوّه الصحيفة بوجود واقع مغاير، إذ «من المتوقع أن تستأنف الولايات المتحدة في المستقبل القريب المفاوضات مع إيران بشأن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. وفي إسرائيل والغرب، دار نقاش حول ما إذا كان من المفيد في إطار الاتفاقية الجديدة محاولة إجبار الإيرانيين على تقديم تنازلات بشأن المسألتين معاً».
إشارة «هآرتس»، التي قالت إنها مبنية على تقديرات وتوجهات استخبارية في «إسرائيل»، تُظهر حجم التهديد وتأثيره في قرارات تل أبيب وتوجهاتها، ومدى فاعليته في ردعها عن مروحة واسعة من نقل نياتها العدائية الى حيز التنفيذ، وهو الذي يتأكد أكثر يوماً بعد يوم، وتحديداً في لبنان.
في العودة إلى الزيارة، يشار إلى أن وجود ريفلين على رأس الوفد الإسرائيلي، مكّن رئيس الوفد الإسرائيلي الفعلي كوخافي، من الاتصال المباشر بالرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ومكّنه من «عرض حال» الوضع وتطوراته كما تراه تل أبيب، مع الجانب اللبناني. والنقطة الرئيسية في هذا الجانب تحديداً، هي التطور الهائل الذي أدخل في المرحلة الأخيرة على القدرة العسكرية لحزب الله في لبنان، رغم كل الجهود الإسرائيلية التي فشلت في صدّه، وهو تعاظم القدرة الصاروخية «الفائقة الدقة» لدى حزب الله، كما ورد أخيراً على لسان رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو.
وكما ذُكر، للمحطة الفرنسية أهمية خاصة لدى تل أبيب ضمن الجولة على العواصم الأوروبية، إذ يتقاسم أهدافها ما هو أكثر إلحاحاً في هذه المرحلة من ناحية «إسرائيل» وإن مع الفارق: النووي الإيراني والقدرة الصاروخية الدقيقة لدى حزب الله، التي انتقلت من مجرد تلقّي القدرة، إلى تطوير ذاتي وتصنيع محلي (بحسب ما يقول العدوّ)، يستعصي على القدرات الإسرائيلية الذاتية مواجهتها وصدّها من دون سلوك خيارات متطرّفة لا تريدها تل أبيب.
لكن هل ترجو «إسرائيل» من الجانب الفرنسي ما عجزت هي عن تحقيقه عبر خياراتها العسكرية والأمنية وغيرها؟ إنْ كان الجواب لا، وهو كذلك، إلا أن أصل التحريض باتجاه تشديد الموقف الفرنسي من حزب الله، وفي حد أدنى تشديد موقف باريس في المنتديات الدولية والأوروبية، يدفع «إسرائيل» إلى مواصلة «عرض حال» وضعها مع الجانب الفرنسي، والعمل من أجل انحيازه، وإنْ تكتيكياً، إلى جانبها في مواجهة الساحة اللبنانية.
من هنا، يمكن تفسير المواقف الصادرة عن الوفد الإسرائيلي، سواء على لسان رئيسه الفخري ريفلين، أو الفعلي كوخافي، إضافة إلى جملة استعراضات دعائية مكررة عن حزب الله ونياته وخطورة وجوده وتهديدات تعاظمه العسكري.
وكان ريفلين وكوخافي قد التقيا أمس الرئيس الفرنسي فور وصولهما إلى باريس مع الوفد المرافق، وعرضا عليه، وفقاً للإعلام العبري «قضية لبنان والمطالبة الإسرائيلية بتنفيذ تفويض اليونيفيل والقرار 1701».
تخلل اللقاء أيضاً، وفقاً للإعلام العبري، عرض خرائط تظهر أهدافاً ينوي الجيش الإسرائيلي ضربها في المواجهة المقبلة مع الجانب اللبناني، إنْ نشبت المواجهة فعلاً، مع تحذير سمعه ماكرون كرسالة تهديد مؤمل منه أن ينقلها الى لبنان بأن «البنية التحتية المدنية ستستهدف هناك».
إلا أن كوخافي لم يكتف بنقل رسالة التهديد عبر الفرنسيين، بل حرص كذلك على نقلها ونشرها عبر وسائل الإعلام. والسبب واضح جداً، إذ إن للإعلان عن مضمون التهديد دوراً وظيفياً في ذاته، يخدم طمأنة الداخل الإسرائيلي.
وقال كوخافي إن حزب الله يمتلك آلاف الصواريخ المخزنة في أماكن مدنية، وهي تهدف الى إيذاء المدنيين. وقال إن لدى الجيش الإسرائيلي آلاف الأهداف التي لن يتردّد في ضربها عند ساعة الاختبار، وهي أهداف تزداد كل أسبوع. وكما هو واضح، أقرّ كوخافي بفشل صدّ تعاظم حزب الله العسكري، وإنْ كانت الإرادة لديه متّجهة نحو التهديد واستعراض القوة، لا الإقرار بالتعاظم الكمّي للمقاومة، أسبوعياً.
وإلى جانب الزيارة الأوروبية، تنشط «إسرائيل» عبر إعلامها والتقارير العبرية الموجّهة من مؤسسة الاستخبارات لديها، في تسريب مواز في توقيته ومضمونه مع زيارة الوفد الإسرائيلي، وتحديداً محطة باريس. ووفقاً لما نشر أمس في صحيفة «هآرتس»، «إسرائيل» قلقة جداً وبشكل خاص من وتيرة تسريع «مشروع الدقة» لدى حزب الله الذي يهدف إلى تطوير ترسانته من الصواريخ بشكل كبير، الأمر الذي يمكّنه من إصابة الأهداف بمستوى عالي الدقة مع هامش خطأ أمتار محدودة.
ووفقاً لتقرير «هآرتس»، عمد حزب الله في السنوات الأخيرة الى إنشاء مواقع لتصنيع صواريخ دقيقة، وكذلك تحويل ما لديه من صواريخ إلى دقيقة، وذلك كي يتجاوز المساعي الإسرائيلية ضد «عمليات تهريب» الصواريخ من هذا النوع. و«يبدو أنه تمكّن من التقدم في هذا المجال، وبات لديه حسب ما يقال رسمياً في إسرائيل، عشرات الصواريخ الدقيقة، رغم أن التقديرات تشير الى تضخّم هذا العدد في السنوات الأخيرة، إلى عدة مئات».
وتضيف الصحيفة إن اللافت في مساعي حزب الله أنه يستثمر جهده ضمن مشروع الدقة في عدة قنوات تطوير، ومن بينها تحسين دقة الصواريخ وقدرتها الفتاكة وكذلك قدرتها على تجاوز المنظومات الاعتراضية الإسرائيلية.