إسرائيل تتحضّر للتنقيب… ولبنان ينتظر تعديل الخط 29
بعد توقف المفاوضات اللبنانية – الاسرائيلية غير المباشرة في الناقورة جمد ملف المفاوضات من قبل الجانب الاسرائيلي. كان السبب الرئيسي إصرار اسرائيل على التفاوض حول مساحة 860 كلم² أي بين الخط الاسرائيلي الذي ينتهي بالنقطة رقم 1 وبين الخط اللبناني الذي ينتهي بالنقطة 23 والذي صدر بموجب المرسوم رقم 6433 تاريخ 1/10/2011 واللذين تمّ ايداعهما في الامم المتحدة في العام 2011. ومن جهة اخرى اصرار الوفد اللبناني المفاوض على بدء التفاوض انطلاقاً من حق لبنان في الترسيم على اساس الخط 29 الذي اقترحه الجيش اللبناني، بناءً على دراسة قانونية مستندة الى تقرير المكتب الهيدروغرافي البريطاني الذي اعد لصالح الحكومة اللبنانية في العام 2011. والمطلوب اليوم هو اقرار لبنان تعديل المرسوم 6433 الصادر عام 2011 وتضمينه الـ1430 كلم² الإضافية جنوب النقطة 23 وإيداعه لدى الأمم المتحدة قبل استئناف التفاوض مجدداً. لكن التعديل لم يحصل بعد بالنظر لوجود جهات غير مقتنعة بالتفاوض على اساس الخط الجديد وتتمسك بالخط اللبناني المعتمد لدى الامم المتحدة، على اساس ان اسرائيل يصعب ان ترضى بخط جديد لم يتم التطرق اليه من قبل.
يشترط تعديل المرسوم توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزيري الاشغال العامة والنقل والدفاع، وفيما يبدي ميشال عون مرونة تجاه ما توصل اليه الوفد المفاوض يشترط دياب الاجماع السياسي حول التعديل، علماً ان الموضوع لا يفترض ان يتطلب اجماعاً على حق وطني. وقبل اسبوع تسلمت وزيرة الدفاع مرسوم التعديل الذي اعدته قيادة الجيش على ان توقعه، قبل احالته الى وزير الاشغال ثم رئيسي الحكومة والجمهورية. وتحاول عكر اقناع جميع الفرقاء بفائدة الموضوع على لبنان خصوصاً وانه كفيل بتأمين مساحات اضافية للبنان، لكن الحسابات السياسية قد تجعل مساعيها محفوفة بالصعوبات، علماً ان لبنان لا يملك ترف الوقت لإرجاء البت بالملف، خصوصاً ان شركة انرجين الموكلة من الجانب الاسرائيلي التنقيب في حقل كاريش كان يفترض ان تباشر باستخراج النفط والغاز في النصف الاول من العام الحالي لولا تأجيل الموعد بسبب “كورونا”.
والمعلوم أن طرح وفد الجيش للخط 29 شكل مفاجأة ازعجت الجانبين الاسرائيلي والاميركي. فالمفاوضات انطلقت على اساس وجود ثلاثة خطوط للحدود البحرية، وهي الخط الاسرائيلي رقم واحد، وخط هوف الاميركي، والخط اللبناني الرسمي رقم 23 الموثق لدى الامم المتحدة. ليتبين من خلال الدراسة التي اعدها الفريق المختص في الجيش اللبناني ان التفاوض على اساس الخط اللبناني رقم 23 والذي صدر بمرسوم عام 2011، والخط الاسرائيلي الرسمي رقم واحد، سيتم على اساس مساحة 860 كلم² وسيعطي لبنان مساحة أقل من 860 كلم². لكن الوفد اللبناني المفاوض أظهر خلال المفاوضات ان الخط رقم واحد الاسرائيلي لا اساس تقنياً وقانونياً له، وخط هوف مجحف بحق لبنان ولا يتوافق مع القانون الدولي، والخط 23 رسم بطريقة خطأ ولا يتوافق مع تقنيات الترسيم والقانون الدولي. وبيّن ان الخط 29 هو الخط القانوني وسبق واقترح عام2011، مما شكل مفاجأة للاسرائيلي والاميركي وعدم قدرتهما على برهنة عكس ما هو وارد في تقارير الوفد اللبناني. ارتأت حينها اسرائيل تجميد المفاوضات. ودخلت اميركا في انتخابات رئاسية افضت الى انتخاب ادارة جديدة ليس معلوماً بعد موقفها من المفاوضات، علماً ان السفيرة الاميركية دوروثي شيا سبق وزارت عون وأكدت استعداد بلادها السير بملف الترسيم.
إعتماد الخط 29 يلزمه اجماع لبناني يتمثل في تعديل المرسوم 6433 الصادر عام 2011 وايداعه لدی الأمم المتّحدة. علماً ان هيئة التشريع والاستشارات سبق واقرت بقانونية الموضوع وطرح وزير الخارجية امكانية ان يصار الى توقيعه من خلال مرسوم جوال، لكن طوي الملف ورفض سياسيون النقاش بالفكرة من الاساس.
التفاوض على أساس الخط 29 يؤمن للبنان مساحة على امتداد 1430 كيلومتراً مربعاً ومجرد الشروع في التفاوض على هذا سيربك الشركة التي شرعت بالتنقيب في حقل كاريش، وسيوقف عملية تلزيم البلوك 72 ويجعل الاسرائيلي في عجلة من امره لإبداء مرونة خلال التفاوض.
والفرق شاسع ما بين السير بتعديل المرسوم من عدمه: فالإمتناع عن تعديله يعني اضعاف موقف لبنان في المفاوضات، لان اسرائيل ستقوي موقفها بالقول ان لبنان الرسمي لم يقر الخط الجديد ما يعني استمرار التفاوض على مساحة 860 كيلومتراً، وقد تفشل المفاوضات لان لا لبنان سيتنازل عن حقه ولا اسرائيل. أما اقرار التعديل فسيؤمن للبنان مساحة اضافية للتفاوض بشأنها، ويحصر التفاوض بين الخط 1 والخط 29 لتتحول الى منطقة متنازع عليها، ما يفرض على اسرائيل وقف التنقيب والا اصبح موقفها حرجاً امام القانون الدولي. حينها سيضطر الاسرائيلي للتفاوض وهو الذي يعول على تشغيل معامل الكهرباء من انتاج الغاز من حقل كاريش ما يجعل مصالحه مهددة، وما سيضطره الى طلب استئناف المفاوضات وفقاً للموقف اللبناني المحق.
وتؤكد جهات معنية أن اقرار الخط 29 لا يخالف اتفاق الاطار الذي سبق واعلن لكونه لم يحدد التفاصيل التقنية والقانونية للتفاوض، بل اكتفى بالحديث عن الشكليات والمشكلة ليست في الاتفاق الاطار وانما في التعنت الاسرائيلي وعدم توقيع المرسوم الذي يُعدل المرسوم السابق 6433/2011، بسبب تمنع الطبقة السياسية عن توقيعه علماً ان المادة الثالثة من المرسوم رقم 6433 تسمح بالتعديل على ضوء المفاوضات مع الدول المجاورة المعنية.
اذا كانت كل الحلول متعذرة فهل يمكن ان تكون دعوة رئيس الجمهورية الى اجتماع المجلس الاعلى للدفاع لاعلان توصية بهذا الشأن، المخرج المناسب لعملية السير بإصدار تعديل للمرسوم؟