الحدث

“قتل بطيء” في سجون السعوديّة.. ما الذي حلّ بسلمان العودة؟

الوقت- عقب الجلسة الجديدة التي حضرها رجل الدين السعوديّ المعتقل، سلمان العودة، الأحد المنصرم، في المحكمة الجزائيّة المتخصصة، في ظل أوضاعه الصحيّة المأساويّة، أعلن الباحث السعوديّ، عبدالله العودة، نجل رجل الدين البارز، أنّ المحكمة التي تتولى قضايا الإرهاب بالمملكة، عقدت جلسة سريعة للغاية في محاكمة والده، وقررت تحديد جلسة أخرى في يوليو/ تموز المقبل، واصفاً الجلسة السرّية لوالده بأنّها “محاكمة هزلية” كبقيّة المحاكمات التي تجري هناك، وقد جيء بسلمان العودة مقيّداً بالسلاسل مثل كل مرّة، بحسب تغريدة نشرها ابن الداعيّة السعوديّ المعروف عبر حسابه على تويتر.

محاكمة ميت

تأتي جلسة محاكمة الشيخ العودة بعد أن فقد نصف سمعه ونصف بصره، بسبب الإهمال الطبّي المتعمد ربما، والإيذاء الكبير داخل السجن الانفراديّ، ويؤكّد ابنه عبدالله العودة، أنّ الجلسة الأخيرة كانت جلسة سريعة جداً ورفعت للتداول، فيما حددوا له جلسة مقبلة له بعد قرابة 4 أشهر، حيث إنّ السلطات السعوديّة المعروفة بطغيانها وظلمها كمن يحاكم ميتاً فالشيخ الذي يبلغ من العمر حوالي 65 عاماً يعيش ظروفاً صحيّة صعبة للغاية، وتتدهور بشكل متواصل وسريع وراء القضبان.

وفي هذا الخصوص، يشير عبدالله العودة إلى أنّ السلطات السعوديّة لا تزال تمارس “القتل البطيء” والأذى ضد والده في العزل الانفراديّ، وأنّ الشيخ العودة فقد نصف سمعه ونصف بصره بسبب الإهمال الطبّي المتعمّد، وأكّد أنّ هذا الفريق الدمويّ هو نفسه الذي اغتال وقطّع الصحافيّ السعوديّ المعروف جمال خاشقجي، في قنصليّة بلاده بإسطنبول عام 2018، إضافة لعمليات التشويه المعنويّ والحملات الإعلاميّة المُضللة التي تمارسها وسائل الإعلام التابعة للنظام السعوديّ إرضاء لوليّ العهد محمد بن سلمان.

يشار إلى أنّ جماعة “الإخوان المسلمين” وحركة الصحوة بقيادة الشيخ سلمان العودة، هم من أكبر معارضي محمد بن سلمان داخل السعودية، حيث إن ابن سلمان يراقب أنشطة هذه الحركة بحساسيّة خاصة، حتى أنّه أراد ذات مرة شنق سلمان العودة، لكنه تخلى عن ذلك نتيجة الضغوط الخارجيّة، ونظراً للظروف الجديدة، خاصة بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، رغم عجز الأخير حتى اللحظة عن لجم دمويّة ولي العهد السعوديّ، رغم نشر تقرير سريّ للاستخبارات الأمريكية حول عمليّة اغتياله خلص إلى أنّ محمد بن سلمان، أجاز عملية اغتيال خاشقجي، والتي أصبحت قضية رأي عام دوليّ، عدا عن كونها قضية شغلت معظم دول العالم وكشفت اللثام عن حقيقة النظام الحاكم في بلاد الحرمين، وقد جاء في التقرير الأمريكيّ أنّ ابن سلمان أي الحاكم الفعليّ في السعودية، أجاز العملية في تركيا، لاعتقال أو قتل المعارض السعوديّ، لكن واشنطن بقيت عاجزة عن اتخاذ أيّ اجراء صارم بحقه.

ولا يخفى على أحد أنّ محمد بن سلمان قد استغل انشغال الرأيّ العام السعوديّ والعالميّ بأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، وتفرغ إلى ناشطي المعارضة، بعد أن تخلص من أبرز منافسيه من خلال موجات من الاعتقالات التي شملت أهم وأبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، إضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، كما وسعت سلطات آل سعود حملة الاعتقالات، لتشمل دعاة وعلماء وسياسيين وتجار، فيما لم تستثنِ الأقرباء المنافسين لولي العهد كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم.

ويظهر الوضع السياسيّ المتأزم الذي تعيشه السعودية، مدى استماتة ولي العهد السعودي لتصفية واقتلاع جذور معارضيه، حفاظاً على عرشه المتهالك، والتي وصلت به إلى تقطيع معارضيه ومن ضمنهم العودة، وتهديد أرواح عائلاتهم وأطفالهم داخل بلاد الحرمين، لإجبارهم على الخضوع لسياساته الرعناء المتهورة التي ستودي به قبل أيّ أحد إلى الهلاك.

إرهاب الدولة

تؤكّد المعطيات أنّ السعودية انتهجت سياسة “إرهاب الدولة” ضد مواطنيها من المفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد استفحل هذا النهج بشكل كبير منذ تولي محمد بن سلمان زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبيّة، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها.

ومع وصول ولي العهد إلى السلطة بدعم من والده الملك سلمان، توسعت سلسلة الاعتقالات لتشمل رجال الدين والدعاة والتجار والنشطاء وحتى الأمراء ومن أبرز أولئك المعارضين الشيخ سلمان العودة، الذي كان من ضمن رجال الدين غير الراضين عن سياساته المنفتحة في البلاد، وتنبع سياسات محمد بن سلمان الرعناء من مخاوفه بشأن فقدان منصبه كولي للعهد في البلاد وذلك لأنه وصل إلى هذا المنصب بسرعة خارقة بعد أن كان سابقاً أميراً عادياً داخل الأسرة السعودية الحاكمة، الشيء الذي دفعه لسجن لاعتقال كثيرين ومن ضمنهم الشيخ العودة الذي اعتُقل من منزله بالعاصمة السعوديّة الرياض، في 9 سبتمبر/ أيلول عام 2017.

وبشأن ملابسات اعتقال الشيخ العودة، أوضح ابنه عبد الله في وقت سابق، أنّ شخصاً مجهولاً ليلة اعتقاله، بدأ يتحدث عن الأماكن التي كان فيها والده، وكأنّه يوصل له رسالة بأنّه مُراقباً، وحين فتح الشيخ العودة الباب كانت هناك مجموعة كبيرة بلباس مدنيّ عرفوا أنفسهم بأنّهم من جهاز أمن الدولة. السعوديّ، ومن ثم أمسكوا به على عجل وطلبوا منه الذهاب معهم، دون أن يخبروه بالسبب أو أن يبرزوا هوياتهم، مدعين أنّ الأمر لن يتعدى ساعات قليلة، والساعات القليلة هي “سنوات طويلة” في العرف الأمنيّ القمعيّ.

ومن الجدير بالذكر أنّ سلمان العودة خاض محاكمة غامضة في سبتمبر/ أيلول 2018 في ظروف سريّة، ويؤكّد ابنه عبدالله أن والده يواجه 37 تهمة بينها الإفساد في الأرض بتأليب المجتمع ودعوته للتغيير في الحكومة السعودية، والانضمام لاتحادات وجمعيات عالميّة وتأليب الرأيّ العام السعوديّ وإثارة الفتنة، ووجّه انتقادات لاذعة للنيابة العامة والقضاة السعوديين، مشيراً إلى رفض السلطات حضور أطراف مستقلة لإجراءات التقاضي، مع الإبقاء على الشيخ العودة في الحبس الانفراديّ حتى الآن، رغم تدهور وضعه الصحيّ.

وباعتبار أنّ النظام السعودي هو ملكيّ بالمطلق ولا يتيح أيّ مجال لمعارضة سياسيّة في البلاد التي تحولت إلى سجن كبير بالنسبة للمعارضين أو من يُتهمون بذلك، قام محمد بن سلمان بالاعتقالات التعسفيّة بحق العديد من النشطاء والسياسيين ورجال الدين السعوديين، بعدما أحس بأنّ هناك ثورة شعبيّة تتنامى في الشارع السعوديّ ولهذا فقد أسرع وقام بالكثير من جرائم الحبس والاعتقال والقتل للعديد من معارضيه الذين طالبوا بالعديد من الاصلاحات الحقيقة في السعودية، وترى بعض التحليلات أنّ خوف العائلة الحاكمة في بلاد الحرمين من أن تجتمع جميع تلك الاصوات المعارضة تحت مظلة المطالبة برحيل النظام، الشيء الذي دفع ابن سلمان للقيام بحملته المسعورة ضد شعبه.

وبما أنّ ولي محمد بن سلمان يسعى لتخفيف الضغوطات على السعودية من جانب أمريكا، لذلك فقد أمر بإصدار حكم على الناشطة السعوديّة المعروفة، لجين الهذلول، والذي يتضمن سجنها لفترة طويلة، لكن يسمح بخروجها، وصدر هذا القرار مع دخول الرئيس الأمريكيّ الجديد إلى البيت الأبيض، والذي تعهّد في السابق بفتح ملف حقوق الإنسان في المملكة، لكن السلطات السعودية رغم إفراجها عن الهذلول ستُبقِيها بعُهدتها، ولن تسمح لها بالسفر إلى الخارج، في الوقت الذي تتحدث فيه الناشطة السعوديّة وفق ما ينقل أشقاؤها، عن تعذيب، وتحرّش، وتهديد، طالها وهي تقبع خلف الزنازين.

محاكمات معيبة

من المعروف بالنسبة للجميع، أنّ السلطات السعودية تحاكم النشطاء في البلاد عادة بمحاكمات معيبة، وتزجهم داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير، ويُظهر اعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم أنّه لا نية للسعودية بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم، فيما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين، في الوقت الذي تحتاجهم البلاد بشدة للسير نحو التقدم والتطور.

وفي زقت سابق، أكّدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنيّة بحقوق الإنسان، أنّ السعودية حرمت بعض المحتجزين البارزين من الاتصال بأقاربهم ومحاميهم، وقد طالبت بزيارة المملكة وإجراء زيارات خاصة لهم في السجون، بسبب مخاوف جدية بشأن سلامتهم، وخاصة أنّ الرياض حظرت الزيارات الشخصية للسجناء في جميع أنحاء البلاد، منذ آذار عام 2020، بذريعة الحد من تفشي فيروس كورونا المُستجد، فيما يقول نشطاء سعوديون ومصادر مُطلعة أنّ السلطات السعودية حرمت دون أيّ مبرر عدة معارضين مسجونين من الاتصال المنتظم مع ذويهم.

وكان الشيخ سلمان العودة من بين العشرات الذين اعتُقلتهم قوات الأمن السعوديّ في منتصف سبتمبر/ أيلول عام 2017، وبالتحديد من قبل جهاز “رئاسة أمن الدولة”، الذي أنشئ قبل أشهر فقط من تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، واحتُجِز العودة في الحبس الانفراديّ، دون القدرة على الاتصال بمحام أو بأفراد الأسرة، إلا بعد مدة طويلة من اعتقاله، وفي أيلول عام 2018، طالبت النيابة العامة لمملكة آل سعود بإنزال عقوبة الإعدام بحقه بناء على مجموعة من الاتهامات الغامضة المتعلقة بتصريحاته السياسيّة وجمعياته ومواقفه.

والمخيف بشدّة في هذا الأمر، أن يكون مصير المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية كمصير الكاتب والصحفيّ، صالح الشحي، الذي توفيّ في 19 تموز 2020، في المستشفى عقب شهرين من إطلاق سراحه، بسبب مرض لم يُحدَّد رسمياً، لكن بعض وسائل الإعلام المحليّة زعمت وقتها، أنّه توفيّ بعد إصابته بفيروس كورونا، وقد أفرجت السلطات السعودية عن الشحي في 19 مايو/ أيار دون أيّ تفسير، وذلك بعد قضائه نحو عامين ونصف العام من عقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات بتهم تتعلق بحرية التعبير.

وما ينبغي ذكره، أنّ عمليّة زجّ المعارضين كسجناء سياسيين في السعودية بدأت منذُ التسعينيات وهي مستمرة حتى يومنا هذا، فيما وقعت عدة احتجاجات واعتصامات طالبت بالإفراج عن السجناء السياسيين خلال الاحتجاجات السعودية في بداية ما يسمى “الربيع العربيّ”، في مُختلف أنحاء بلاد الحرمين، لكنّ قوات الأمن السعودية قمعتها بشدة، من خلال استعمال العنف لتفريقها، كما حصلَ في الاحتجاج الذي اندلعَ يوم 19 أغسطس/ آب 2012 في سجن الحائر، والذي دفع قوات الأمن لإطلاق الرصاص الحي لإخماده.

ومع غياب أيّ إحصائيّات رسمية حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون آل سعود، في ظل إنكار وزارة الداخليّة السعودية وجود أيّ سجينٍ من هذا النوع، تقولُ لجنة “حقوق الإنسان الإسلاميّة” التي يقعُ مقرها في المملكة المتحدة، أنّه يوجد أكثر من 30 ألف سجين سياسيّ في سجون البلاد، وتضيف أنّ السجناء السياسيين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتصفُ السجن السياسيّ في المملكة بالـ “وباء” بحيثُ يشمل الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.

ختاماً، في الوقت الذي يحاول فيه محمد بن سلمان تلميع سجله المشين في حقوق الإنسان لتخفيف سخط المجتمع الدوليّ، وبالأخص إدارة الرئيس الأمريكيّ الجديد، جو بايدن، وإطلاق أجهزة الأمن السعودية مؤخراً سراح الناشطة السعوديّة المعروفة، لجين الهذلول بعد 1001 يوماً من الاعتقال، تتزايد التساؤلات حول تأثير الإدارة الأمريكيّة على هذا الملف، مع تصاعد المطالبات بإخلاء سبيل باقي المعتقلين في السعودية وإغلاق ملف معتقلي الرأي هناك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى