الحدث
إدارة بايدن منقسمة: التيّار الصهيوني يتقدّم
الأخبار- وليد شرارة
لا تفتأ الإدارة الأميركية الجديدة تبعث بإشارات متناقضة في ما يتّصل بمستقبل الاتفاق النووي مع إيران. اتفاقٌ يبدو مردّه وجود تيّار داخل الإدارة يعتقد بضرورة عدم استعجال التفاوض مع طهران، بهدف حَملها على الإذعان لشروط واشنطن. وهي رؤية يتصدّر صفوفَ منظّريها كلٌّ من أنتوني بلينكن وكامالا هاريس، التي باتت تدفع في اتّجاه أكثر الخيارات تشدُّداً حيال الجمهورية الإسلامية
غالبية وازنة من الأميركيين، عابرة للانقسام السياسي التقليدي في أوساط النخب والرأي العام، تريد، لأسباب مختلفة، بعضها داخلي وبعضها الآخر يرتبط بقناعتها بضرورة تغيير أولويات السياسة الخارجية، الحدّ من «تورُّط» بلادها في الشرق الأوسط وشؤونه. تتقاطع هذه القناعة مع تطلُّع تاريخي لدى شعوب المنطقة ودولها وقواها الوطنية إلى الخلاص من الهيمنة الأميركية أو تحجيمها بأكبر قدْر ممكن. ندَر أن حصل مثل هذا التقاطع في التاريخ المعاصر. في الماضي، كان التيّار الرئيس داخل النخب والرأي العام يُصنّف الشرق الأوسط «منطقة مصالح قومية حيوية» تتلخّص أساساً في الحفاظ على التفوُّق الإسرائيلي والسيطرة على النفط، ويساند سياسات العدوان والاحتلال «دفاعاً» عن تلك المصالح. اختلف المشهد اليوم، وبات المُصرّون على أولوية الشرق الأوسط في الأجندة الأميركية يضمّون جماعات الضغط الصهيونية أو الخليجية والجناح الأكثر تطرُّفاً في التيّارات الأصولية الإنجيلية وبقايا المحافظين الجُدُد من جهة، والكيان الصهيوني والسلالات الحاكمة الخليجية من جهة أخرى. جملة من المُتغيّرات الدولية والداخلية الأميركية وكذلك الإقليمية تُفسّر هذه التحوُّلات. لم تُخفِ إدارة بايدن توجُّهاتها المنسجمة مع مواقف الغالبية المشار إليها، وأتى إصرارها على أهمّية التوصُّل بالحدّ الأدنى إلى «فكّ اشتباك» مع إيران، كجزء من عملية إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأميركية. لكن التصريحات والإشارات المتناقضة حول شروط العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، المدخل الإجباري إلى أيّ «فكّ اشتباك»، تشي حتى الآن بغياب الإجماع في داخل الإدارة حيال هذا الأمر.
حرص وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مداخلته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، على أن ينفي ما سبق وأعلنه حميد حسيني، عضو الهيئة الرئاسية في غرفة التجارة الإيرانية – العراقية، يوم الأحد، عن إفراج كوريا الجنوبية عن أموال إيرانية مُجمّدة في بنوكها. واللافت هو أن سيول كانت قد وافقت على الإفراج جزئياً عن هذه الأموال لبنك سويسري يُستخدم لأغراض إنسانية فقط، في حال قبول الولايات المتحدة بذلك. أقلّ ما يمكن أن يقال في اللهجة الحازمة التي اعتمدها بلينكن عند نفيه لهذه المعلومات المتعلّقة بأموال مُخصّصة لأغراض إنسانية، هو أنها ضاعفت من الطبيعة «غير الودّية» للرسالة المُوجَّهة إلى طهران. رأى بلينكن، ردّاً على سؤال أحد المشرّعين، أن إيران، «حتى تعود إلى الوفاء بالتزاماتها، لن تحصل على أيّ تخفيف (في العقوبات)، والتقرير الذي تمّت الإشارة اليه ببساطة غير صحيح». بكلام آخر، طالما أن إيران لم تنصَع للشروط الأميركية بالعودة إلى العمل بموجبات اتفاقٍ انسحبت الولايات المتحدة منه، بينما كانت إيران ملتزمة به، لا ضير في أن يستمرّ الحصار الخانق عليها. وذكَر الوزير الأميركي، أيضاً، أنه وبقية فريق الإدارة «عازمون على التنسيق مع حلفائنا وشركائنا قبل التوصُّل إلى أيّ اتفاق مع إيران»، قبل أن يشيد بالتحالف بين أنظمة عربية وإسرائيل، ويُعلِن أن بلاده تسعى إلى «تعزيز ذلك والبناء عليه». تتناقض هذه المواقف مع الإشارات الإيجابية حيال طهران، وأبرزها تعيين روبرت مالي مبعوثاً خاصّاً إليها، وطلَب واشنطن من حلفائها الأوروبيين عدم إدانتها أمام مجلس حكّام «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية» الأسبوع الماضي، وكذلك الإجراءات الخاصة بحرب اليمن، كتعليق بيع الأسلحة الهجومية للسعودية، وتسمية مبعوث خاص للمشاركة في الجهود الدبلوماسية لإيجاد حلّ لها، ورفع اسم حركة «أنصار الله» عن لائحة «المنظّمات الإرهابية». والواقع هو أن الآراء تتباين في الإدارة حول كيفية التوصُّل إلى تفاهمات مع إيران. فبينما يجزم قسم منها، وبينهم مالي، أن عودة واشنطن إلى اتفاق هي التي بادرت إلى الانسحاب منه، تُمثّل مقدّمة قوية لبناء الثقة والانطلاق نحو مفاوضات جدّية حول الملفّات الخلافية الأخرى، يعتقد قسم آخر بضرورة عدم استعجال التفاوض، لحمل طهران على الإذعان للشروط الأميركية المُتعلّقة هذه المرّة باحترامها لموجبات الاتفاق، وأن التفاوض بذاته معها حول ملفّات شائكة كمشروعها الصاروخي ودورها الإقليمي، يجب أن يَجري من موقع قوة، وبدعم من الحلفاء للمفاوِض الأميركي. مداخَلة وزير الخارجية المذكورة سابقاً توضح أنه من أنصار التشدُّد مع طهران. والأمر نفسه ينطبق على نائبة الرئيس، كامالا هاريس. هذه الأخيرة أضحت تلعب دوراً «غير اعتيادي» في صياغة سياسة بايدن الخارجية، بحسب العنوان الذي اختارته «واشنطن بوست» لمقال مُخصَّص لهذا الموضوع. يشير كاتب المقال، أوليفر كنوكس، إلى أن نائبة الرئيس «تترك بصمتها الشخصية على الحوارات التي تدور خلف الكواليس، وكذلك على الخطوات المتّخذة على الصعيد الدولي، خلال عملها لإنفاذ أجندة بايدن الدبلوماسية». وبعد أن يكشف أنها تحادثت هاتفياً مع 6 زعماء دوليين، بينهم بنيامين نتنياهو، بمعزل عن بايدن، وهو أمر غير مسبوق بالنسبة إلى نائبة رئيس جديدة وفقاً له، يضيف أنها شاركت مباشرة في النقاش حول كيفية الردّ على ما سمّاه «هجمات الميليشيات المدعومة من إيران» على القوات الأميركية في العراق. يتابع كنوكس أن هاريس «كانت ضمن مجموعة صغيرة التقت مرّتين بوزير الدفاع ورئيس الأركان، وتناولت مسألة خيارات الردّ المطروحة، وأصرّت بقوة على السؤال عن كيفية تحقيق قدر من الردع مع القدرة على التحكُّم باحتمال التصعيد». وينسب إلى مسؤول في البيت الأبيض قوله إن نائبة الرئيس «كانت في قاعة اتخاذ القرار وبلورة الموقف المؤيد لضرورة الردّ». لا ريب في أن الطموحات الشخصية لكامالا هاريس إلى تعزيز رصيدها للاستعداد للترشُّح عن الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية القادمة، أو للحلول في مكان الرئيس الحالي إن لم يتمكّن – لتَقدُّمه في العمر – من إكمال ولايته الحالية، قد تساهم في تفسير حيويتها العالية ومواقفها النارية. غير أن المحسوم هو أنها، كصهيونية عقائدية منذ شبابها الأول، وملتزمة بالدفاع عن التفوُّق الإسرائيلي من دون شروط، ستسعى إلى ترجيح أكثر خيارات التفاوض مع إيران تشدُّداً. لكن اتّباع هذه الوجهة، في سياقٍ يتصاعد فيه التوتُّر مع الصين وروسيا باطّراد، سيُضعف من قدرة الإدارة على التركيز على أولوية المواجهة الأصعب، وقد يُضيّع نافذة الفرص المتوفّرة حالياً للانسحاب ولو جزئياً من الشرق الأوسط. وقد تكون تلك الحجة هي بين أبرز الحجج التي يوردها أنصار العودة السريعة إلى الاتفاق مع إيران.
حرص وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مداخلته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، على أن ينفي ما سبق وأعلنه حميد حسيني، عضو الهيئة الرئاسية في غرفة التجارة الإيرانية – العراقية، يوم الأحد، عن إفراج كوريا الجنوبية عن أموال إيرانية مُجمّدة في بنوكها. واللافت هو أن سيول كانت قد وافقت على الإفراج جزئياً عن هذه الأموال لبنك سويسري يُستخدم لأغراض إنسانية فقط، في حال قبول الولايات المتحدة بذلك. أقلّ ما يمكن أن يقال في اللهجة الحازمة التي اعتمدها بلينكن عند نفيه لهذه المعلومات المتعلّقة بأموال مُخصّصة لأغراض إنسانية، هو أنها ضاعفت من الطبيعة «غير الودّية» للرسالة المُوجَّهة إلى طهران. رأى بلينكن، ردّاً على سؤال أحد المشرّعين، أن إيران، «حتى تعود إلى الوفاء بالتزاماتها، لن تحصل على أيّ تخفيف (في العقوبات)، والتقرير الذي تمّت الإشارة اليه ببساطة غير صحيح». بكلام آخر، طالما أن إيران لم تنصَع للشروط الأميركية بالعودة إلى العمل بموجبات اتفاقٍ انسحبت الولايات المتحدة منه، بينما كانت إيران ملتزمة به، لا ضير في أن يستمرّ الحصار الخانق عليها. وذكَر الوزير الأميركي، أيضاً، أنه وبقية فريق الإدارة «عازمون على التنسيق مع حلفائنا وشركائنا قبل التوصُّل إلى أيّ اتفاق مع إيران»، قبل أن يشيد بالتحالف بين أنظمة عربية وإسرائيل، ويُعلِن أن بلاده تسعى إلى «تعزيز ذلك والبناء عليه». تتناقض هذه المواقف مع الإشارات الإيجابية حيال طهران، وأبرزها تعيين روبرت مالي مبعوثاً خاصّاً إليها، وطلَب واشنطن من حلفائها الأوروبيين عدم إدانتها أمام مجلس حكّام «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية» الأسبوع الماضي، وكذلك الإجراءات الخاصة بحرب اليمن، كتعليق بيع الأسلحة الهجومية للسعودية، وتسمية مبعوث خاص للمشاركة في الجهود الدبلوماسية لإيجاد حلّ لها، ورفع اسم حركة «أنصار الله» عن لائحة «المنظّمات الإرهابية». والواقع هو أن الآراء تتباين في الإدارة حول كيفية التوصُّل إلى تفاهمات مع إيران. فبينما يجزم قسم منها، وبينهم مالي، أن عودة واشنطن إلى اتفاق هي التي بادرت إلى الانسحاب منه، تُمثّل مقدّمة قوية لبناء الثقة والانطلاق نحو مفاوضات جدّية حول الملفّات الخلافية الأخرى، يعتقد قسم آخر بضرورة عدم استعجال التفاوض، لحمل طهران على الإذعان للشروط الأميركية المُتعلّقة هذه المرّة باحترامها لموجبات الاتفاق، وأن التفاوض بذاته معها حول ملفّات شائكة كمشروعها الصاروخي ودورها الإقليمي، يجب أن يَجري من موقع قوة، وبدعم من الحلفاء للمفاوِض الأميركي. مداخَلة وزير الخارجية المذكورة سابقاً توضح أنه من أنصار التشدُّد مع طهران. والأمر نفسه ينطبق على نائبة الرئيس، كامالا هاريس. هذه الأخيرة أضحت تلعب دوراً «غير اعتيادي» في صياغة سياسة بايدن الخارجية، بحسب العنوان الذي اختارته «واشنطن بوست» لمقال مُخصَّص لهذا الموضوع. يشير كاتب المقال، أوليفر كنوكس، إلى أن نائبة الرئيس «تترك بصمتها الشخصية على الحوارات التي تدور خلف الكواليس، وكذلك على الخطوات المتّخذة على الصعيد الدولي، خلال عملها لإنفاذ أجندة بايدن الدبلوماسية». وبعد أن يكشف أنها تحادثت هاتفياً مع 6 زعماء دوليين، بينهم بنيامين نتنياهو، بمعزل عن بايدن، وهو أمر غير مسبوق بالنسبة إلى نائبة رئيس جديدة وفقاً له، يضيف أنها شاركت مباشرة في النقاش حول كيفية الردّ على ما سمّاه «هجمات الميليشيات المدعومة من إيران» على القوات الأميركية في العراق. يتابع كنوكس أن هاريس «كانت ضمن مجموعة صغيرة التقت مرّتين بوزير الدفاع ورئيس الأركان، وتناولت مسألة خيارات الردّ المطروحة، وأصرّت بقوة على السؤال عن كيفية تحقيق قدر من الردع مع القدرة على التحكُّم باحتمال التصعيد». وينسب إلى مسؤول في البيت الأبيض قوله إن نائبة الرئيس «كانت في قاعة اتخاذ القرار وبلورة الموقف المؤيد لضرورة الردّ». لا ريب في أن الطموحات الشخصية لكامالا هاريس إلى تعزيز رصيدها للاستعداد للترشُّح عن الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية القادمة، أو للحلول في مكان الرئيس الحالي إن لم يتمكّن – لتَقدُّمه في العمر – من إكمال ولايته الحالية، قد تساهم في تفسير حيويتها العالية ومواقفها النارية. غير أن المحسوم هو أنها، كصهيونية عقائدية منذ شبابها الأول، وملتزمة بالدفاع عن التفوُّق الإسرائيلي من دون شروط، ستسعى إلى ترجيح أكثر خيارات التفاوض مع إيران تشدُّداً. لكن اتّباع هذه الوجهة، في سياقٍ يتصاعد فيه التوتُّر مع الصين وروسيا باطّراد، سيُضعف من قدرة الإدارة على التركيز على أولوية المواجهة الأصعب، وقد يُضيّع نافذة الفرص المتوفّرة حالياً للانسحاب ولو جزئياً من الشرق الأوسط. وقد تكون تلك الحجة هي بين أبرز الحجج التي يوردها أنصار العودة السريعة إلى الاتفاق مع إيران.