عمولات ورسوم وتقنين سحوبات… خطوة المصارف الثانية بعد احتجاز الودائع الواقع المصرفي “يعزّز” تراجع الصناعة
لم تكتفِ المصارف فقط بفرض رسوم وعمولات عشوائية على ودائع المواطنين، بل توجهت أبعد من ذلك، حيث عمد بعضها إلى توجيه كتب إلى شركات القطاع الخاص، منذرة باضافة عمولة على عمليات توطين رواتب المستخدمين، “كجزء من تحديث الشّروط المصرفيّة”. ففرض IBL بنك على سبيل المثال عمولة ثابتة بنسبة 5 في المئة على مجموع الرواتب المحولة إلى حساب موظفي الشركات. المصرف برر قراره من خلال بيان توضيحي في 5 آذار 2021، جاء فيه أنّ المراسلة كانت بينه وبين إحدى عميلاته من الشّركات ولا تتعلق بالأفراد. وهي لا تعني أنّه سيسجل أيّ عمولة إضافية على حسابات الأفراد الذين لديهم توطين لرواتبهم. لكن بغض النظر على من سيقع عبء القرار، فهو يبقى قراراً غير منطقي. فالمصرف فرض العمولة وحدّد موعداً لتنفيذها في كل الأحوال.
“خوّة” مرّة ثانية
تقول زينة جابر، وهي محامية في رابطة المودعين، إن “هذا الإجراء مرفوض ومخالف لعقود فتح الحسابات، وكل قرار خارج هذا العقد هو غير قانوني. وبالتالي إن رسم 5 في المئة المفروض على الرواتب الموطنة يعتبر، للمرة الثانية، “خوّة” من قبل المصارف على الحسابات. وعدا عن ان النسبة المحددة تعتبر “خيالية”، فهي “تعتبر فرضاً على ذوق المصرف”، برأي جابر، “خصوصاً ان الشركات ملزمة بالتوطين”. فالكثير من الشركات لا تملك “الكاش” وهي تضطر إلى تحويل الرواتب من حساب آخر. الأمر الذي يرفع الأعباء على الكثير من الشركات بنسب كبيرة جداً. أمّا الحل فيكون “بوضع خطة مالية واضحة”، تقول جابر، “إذ انه بعد مرور أكثر من سنة على الأزمة المالية، لم نرَ أي خطوة إيجابية من الجهات المختصة. فلا الحكومة ولا المجلس النيابي على استعداد لوضع أي خطّة إنقاذ في الوقت الحاضر”.
بدورها سجلت رابطة المودعين موقفاً حازماً من القرار ووجّهت إنذاراً الى إدارة المصرف، معتبرة ان “إحتجاز ودائع الناس ومختلف الممارسات التي تمارسها المصارف بما فيها مصرفكم والتي أدت إلى فقدان المودعين لأكثر من 70% من قيمة ودائعهم، وإخضاعهم للأمر الواقع والتسلط على حقوقهم والتحكم بمصيرهم… إنما تشكل جرائم يعاقب عليها القانون”. مضيفة أن “أياً من هذه العمولات او الزيادات غير القانونية، غير ملحوظة في عقود فتح الحسابات التي يستنسب مصرفكم بفرضها. وهي أصبحت من قبيل الخوة المبنية على ابتزاز المودعين والإحتيال عليهم بعد إساءة الأمانة بودائعهم. وإن كانت هذه الإجراءات موجهة إلى رب العمل الذي تحتجزون وديعته، إلا أنها ستطال الموظف مباشرة براتبه الذي تدنت قيمته أصلاً بسبب الأزمة المصرفية والنقدية”. مؤكدة انه “لا يحق للمصرف تعديل عقد مع عميل بشكل أحادي ومن دون موافقة الطرفين”. وإذا لم تعالج هذه الإشكالية فان “رابطة المودعين ستلجأ إلى إنذار المعنيين بشكل قانوني، وإتخاذ كافة الإجراءات بحقهم؛ ومنها تقديم شكوى إلى لجنة الرقابة على المصارف وإخبارٍ الى المراجع القضائية المختصة”.
التوطين أصبح عبئاً!
المشكلة بين الصناعيين والمصارف تزداد يوماً بعد آخر. ويبدو أن آثارها ستمتد لفترة طويلة، بخاصة في ظل القيود المصرفية غير القانونية. إذا كانت تصرفات المصارف بالمجمل أصبحت معتادة، فان بيت الداء اليوم بالنسبة لقطاع الأعمال هو “الصعوبة في الحصول على السيولة بالليرة اللبنانية”، يقول عضو مجلس إدارة جمعية الصناعيين بول أبي نصر، “وذلك بسبب القيود التي فرضها المركزي، الامر الذي أدى إلى عدة مشاكل بالتعامل مع الزبائن من جهة ومع المصارف من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى الصعوبة التي تواجهها المؤسسات في توطين حسابات الموظفين، والتي لا تنجح في الكثير من الأحيان إلا بعد ممارسة الضغط على المصرف، بحيث نراهم “غير ممنونين”، لأنه بهذه الطريقة تخسر المصارف سيولتها”. أبي نصر يؤكد على”ضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة لأن معظم الشركات تميل الى تسديد المعاشات لموظفيها عبر البنك، حتى ولو لم يكن هناك أي تسهيلات وفوائد على هذه الحسابات. فتقاضي المعاشات بالكاش ليس شيئاً عملياً”.
القطاع الصناعي في المواجهة
بدل أن يشهد القطاع الصناعي اللبناني إزدهاراً وانتعاشاً بسبب حاجة الأسواق الداخلية لسلع بديلة عن الإستيراد، كانت النتيجة تراجعاً ملحوظاً في الإنتاج وإغلاق عدد كبير من المصانع، حيث أضيفت القيود المصرفية إلى كل الصعوبات التقليدية، “فأصبح القطاع الصناعي مكبل اليدين”، برأي أبي نصر. “فعدم تأمين السيولة من المصارف، والقيود التي تفرضها تحجّم القدرة على التنوع، وتقلص القدرة على فتح خطوط إنتاجية جديدة للتعويض عن الإستيراد. مع العلم ان الدعم والتشجيع يجعلان الصناعة المحلية قادرة على التنويع وإنتاج أصناف جديدة لم تكن موجودة سابقاً. والأهم من ذلك أنهما يحولان الإقتصاد من الريعي إلى الإنتاجي”.
من غير المفهوم بالنسبة إلى الصناعيين هذه اللامبالاة في تعاطي مصرف لبنان والمصارف مع الملف الصناعي. فهذا القطاع القادر على تأمين مليارات الدولارات وخلق قدرة تنافسية وإكتفاء ذاتي، يقابل بممارسات تساهم بتراجعه. ومن هنا ضرورة الرقابة على ممارسات القطاع المصرفي ومتابعتها لردع كل الإجراءات غير القانونية، التي تسيء إلى قطاع الأعمال والمودعين.