تخفيض المساعدات البريطانية للیمن ..”خيانة عظمى”
الوقت- لم تكتفِ بريطانيا بتخقيض مساعداتها لليمن إلى النصف، بل تجاوزت ذلك إلى العمل على تخفيض مساعداتها الخارجية لسبع دول فقيرة تعاني من جحيم الحرب والفقر، وسيتم ذلك خلال اسابيع قليلة بنسبة تتجاوز الـ 50%، وفق خطط حكومية سرية سُربت تفاصيلها الساعات الماضية.
وتُظهِر وثائق وزارة الخارجية المُسرَّبة، التي حصل عليها موقع Open Democracy الاستقصائي، توقعات داخلية حول كيفية تأثير التخفيضات على برنامج المساعدة البريطاني.
تقترح الوثائق أنَّ إجمالي برنامج المساعدات الإنسانية الثنائية سينخفض، ممّا يزيد قليلاً على 1.5 مليار جنيه إسترليني (ما يزيد على 2 مليار دولار أمريكي) إلى نحو 900 مليون جنيه إسترليني (1.2 مليار دولار أمريكي تقريباً).
وفي 5 آذار، تداولت صحف بريطانية عديدة رسالة إلكترونية مسربة يظهر فيها مخطط حكومي لتقليص المساعدات المقدمة لسبعة بلدان إضافية، هي: لبنان (بنسبة 88%) وسوريا (67%) والصومال (60%) وليبيا (63%)، وثلاث من الدول الأفريقية: الكونغو الديمقراطية (60%) وجنوب السودان (59%) ونيجيريا (58%).
وكشفت حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون عن سعيها إلى خفض ميزانية المساعدات الدولية الإجمالية بنحو أربعة مليارات جنيه إسترليني (نحو ستة مليارات دولار) في ميزانية 2021/ 2022، دون تحديد الدول التي سيُقتَطع من مساعداتها. وتذكر الرسالة المسربة من وزارة الخارجية البريطانية الدول التي قد تتضرر من القرار.
انتقادات
من المرجح أن تجدد التخفيضات الأخيرة الانتقادات، حيث وصفها وزير التنمية الدولية السابق أندرو ميتشل بأنها “غير أخلاقية”، وأضاف إنه كان هناك “عدم فهم” دولي لسبب “تدمير المملكة المتحدة سمعتها بأنها قوة تنموية عظمى”، لتحقيق “مدخرات طفيفة نسبياً” في مخطط الإنفاق الحكومي العام.
من جانبه، علَّق كيفين واتكينز، الرئيس التنفيذي لمنظمة Save the Children، أنَّ التخفيضات ستؤدي إلى “تشويه مكانة المملكة المتحدة باعتبارها دولة عطوفة وكريمة وجادة بشأن التزاماتها تجاه الأشخاص الأضعف في العالم”.
واتكينز أضاف: “نحن نتطلع إلى ما يشبه انهيار مساعدة الأطفال المحاصرين في أسوأ مناطق الحروب في العالم، في الوقت الذي توشك فيه الموجة الثانية من الوباء على العصف بهم”.
ولم تتوقف الانتقادات الموجهة إلى الحكومة البريطانية محلياً وعالمياً، لا سيّما من منظمات الإغاثة، منذ إعلان خفض المساعدات لليمن. وزاد الهجوم عقب نشر الرسالة المسربة الأخيرة.
في محاولة للتخفيف من حدة الانتقاد، قال متحدث باسم الحكومة البريطانية: “لقد أجبرنا زلزال وباء كورونا الذي ضرب الاقتصاد على اتخاذ قرارات صعبة ولكنها ضرورية، بما في ذلك التخفيض المؤقت لإجمالي النفقات على المساعدات”، وفق ما نشرته “بي بي سي”.
وأوضحت صحيفة “الإندبندنت” أن خطط الاقتطاع ستشمل أيضاً إزالة ميزانية الجزء المخصص للسودان في “صندوق الصراع والاستقرار والأمن” CSSF” إزالة كاملة.
أُنشىء الصندوق عام 2015، ويقدم دعماً اجتماعياً في 84 دولة وإقليماً، ويساعد المملكة المتحدة على إدارة مساعداتها لدول تعاني الصراعات والهشاشة على مختلف الأصعدة، كالجوانب الاقتصادية والأمنية.
ونفى نواب البرلمان البريطاني التصويت على قرار خفض المساعدات المقرر بدء سريانه الشهر المقبل، ورفضت وزارة الخارجية طلبات متكررة من أعضاء البرلمان لإطلاعهم على تفاصيل خططها لخفض المعونات. وذكر معارضون للقرار من حزب المحافظين لـ”الإندبندنت” أن رئيس الوزراء قد يخلف وعده بمنح النواب فرصة التصويت على القرار قبل الشروع في تنفيذه خشية رفضه.
وسوف يؤدي خفض المساعدات البريطانية بأربعة مليارات إلى عدم تحقيق هدف الأمم المتحدة المتمثل في إنفاق 0.7% من الدخل القومي على المساعدات الخارجية. ويأتي ذلك في إطار تعهد وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب تشريعاً يقرّ بثبات المساعدات بنسبة تراوح بين 0.5% و 0.7% من الدخل القومي. وليس واضحاً كيف سيصدر التشريع في ظل رفض النواب الخطوة.
وفيما تتذرع الحكومة البريطانية بأثر الجائحة عليها كواحدة من أقوى خمسة اقتصادات حول العالم، ذكّر سياسيون وحقوقيون وإغاثيون بما تعانيه الشعوب المستهدفة من قرار خفض المساعدات.
تأثير خفض المساعدات
تغرق سوريا في حرب أهلية دمّرت بنيتها التحتية واقتصادها منذ عام 2011، وزادت العقوبات الأمريكية والحصار المفروضان على الحكومة السورية مأساة المواطنين. والجار الأقرب، لبنان، ليس أفضل حالاً إذ يمر بأسوأ كارثة اقتصادية في تاريخه الحديث، وزاد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي من محنة البلد الذي يعاني اقتصادياً منذ نهاية الحرب الأهلية قبل نحو ثلاثة عقود.
اليمن هو الآخر يعاني”أسوأ كارثة إنسانية”، وفق توصيف الأمم المتحدة، منذ عام 2014. وفاقم تدخل السعودية وحلفائها في الصراع، الكارثة وتسبب في تفشي المجاعة والأوبئة وأهلك البنية التحتية وقضى على الاقتصاد.
ليبيا والصومال يعانيان كذلك الصراع المستمر لأكثر من عقد من الزمن وما ترتب عليه من فوضى اقتصادية وأمنية.
وفيما وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، التخفيض العام لبرنامج مساعدات الأمم المتحدة هذا العام بأنه “حكم بالإعدام”، قال أندرو ميتشيل، وزير التنمية الدولية السابق في بريطانيا، إنه يتعارض مع تعهد الحكومة حماية “الإغاثة الإنسانية” من الاقتطاع.
وحذرت منظمة “Christian Aid” العاملة في جنوب السودان من أن “التخفيضات على النطاق المبلغ عنه لا يمكن أن تأتي في وقت أسوأ بالنسبة لبلد يمر بأزمة”.
كما نبهت لجنة إدارة الطوارئ والكوارث، وهي مجموعة من المنظمات الخيرية في بريطانيا، إلى المجاعة التي قد تقع في العديد من تلك البلدان، مبرزةً أن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في الصومال ارتفع بمقدار 700 ألف، وأن 190 ألف طفل لم يحصلوا على الطعوم العام الماضي.
على جانب آخر، سيؤدي القرار إلى “تقويض سمعة بريطانيا عالمياً”، وفق العديد من الخبراء البريطانيين. تبعاً لذلك، حث أربعة رؤساء وزراء سابقين – توني بلير وجوردون براون وديفيد كاميرون وتيريزا ماي – جونسون على النظر في الضرر الذي سيلحق بمكانة المملكة المتحدة عندما لا تقوم أي دولة أخرى من دول مجموعة السبع بقطع برنامج مساعداتها بهذه الطريقة.