الأزمة الأميركيّة – السعوديّة.. والمسألة الإيرانيّة
د. جمال زهران*-البناء
أصبح الواضح أنّ قرار بايدن، بنشر تقرير المخابرات الأميركيّة الذي حجبه الرئيس السابق ترامب واستغله لحسابه الشخصي على حساب المصلحة الأميركية ليقرّ بذلك شريعة الغاب، والذي يتعلق بجريمة ولي العهد محمد بن سلمان بمقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وبصورة غير مسبوقة في التاريخ، قد حرّك المياه الراكدة في بحيرة العلاقات السعودية الأميركية، بل وأشعلت النيران الخامدة تحت الرماد طوال السنوات السابقة، حيث وصلت العلاقات بين البلدين إلى مستوى الأزمة. وقامت السعودية بدفع – إنْ لم يكن إجبار – دول الخليج العربية – إلى إعلان تأييدها ودعمها للسعودية، ورفض التقرير الذي نشره بايدن بل وتسعى جاهدة لبذل الجهود من أجل دعم الدول الفاعلة في المنطقة العربيّة وفي مقدّمتها مصر لدعم المملكة والوقوف معها في مواجهة إدارة بايدن، وإعلان رفضها لأية إجراءات يمكن أن يتخذها ضدّ السعودية. وهنا يمكن أن يُفهم حديث الوزير أحمد القطان لروتانا خليجية لمدة ساعتين، يفصح فيها عن أسرار بين السعودية ومصر، للضغط على النظام المصري لإعلان تأييده، وإلا فإنّ الإفصاح سيستمرّ!!
إذن فإنّ المملكة السعودية، تواصل ضغوطها، من أجل حشد إقليمي في مواجهة بايدن! الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع بايدن عن التصعيد، والإصرار على إزاحة محمد بن سلمان (ولي العهد) الحالي الذي لم يعُد بايدن يعترف به!!
إذن هناك أزمة حقيقية بين السعودية، وبين إدارة بايدن، وأن الخروج من هذه الأزمة، يواجه صعوبات عملية كثيرة.
فإدارة بايدن، بعد أن نشرت التقرير باغتيال جمال خاشقجي، أشارت إلى عدد (21) متهماً بالقتل العمدي، ولمح التقرير إلى بعض التفاصيل من دون ذكرها كاملة، ومن دون الإشارة إلى دول في الإقليم ساعدت محمد بن سلمان على تنفيذ القتل العمدي، بوضوح، على عكس ما كانت وكالات الأنباء، والأخبار المنشورة في الصحف الأميركية مثل (واشنطن بوست، ونيويورك تايمز)، وكذلك مجلة (فورين بوليسي). فالجانب الأميركي، فجّر الموضوع بنشر التقرير، وأخفى الأسماء ما استطاع، وأخفى الأطراف الداعمة ما استطاع، وكذلك تمّ عقد مؤتمر صحافي لبايدن، ثم مؤتمر لمساعديه، أقرّوا فيه أنّ هناك أزمة حقيقية، وأنّ العلاقات الأميركية السعودية لن تكون مثلما كانت من قبل في عهد ترامب، وأنها ستشهد أوضاعاً جديدة. ولكن إدارة بايدن، صرّحت في المؤتمر أيضاً أنها لن توقع العقوبات على محمد بن سلمان مباشرة، مثلما وقعتها على اللواء العسيري، قائد عملية الاغتيال! وبالتالي تركت هذه الإدارة، مساحة للحوار والتراجع والتفاهم مع السعودية. في الوقت نفسه الذي يصرّ بايدن، على عدم المحادثة مع محمد بن سلمان، بل قام بالاتصال الفعلي تليفونياً مع الملك سلمان، وحذره من استمرار الأوضاع الحالية في المملكة وطالبه بضرورة التغيير، وذلك في إشارة منه إلى إبعاد محمد بن سلمان، من ولاية العهد تفادياً للتصعيد الأميركي مع السعودية، وإعادة ترتيب البيت السعودي الحاكم مرة أخرى وبسرعة، وإلا فإن الكارثة آتية.
ويتضح إذن أننا أمام طرفين هما: إدارة بايدن، والأسرة الحاكمة في السعودية. فالطرف الأول (بايدن)، يدير الأزمة باستغلال إحدى الأوراق بين يديه، نكاية في ترامب من ناحية الذي كان داعماً لمحمد بن سلمان، ومحاولة الاستفادة لإدارته من السعودية بتحقيق المزيد من المكاسب وبطريقة قد تكون مختلفة، عن أسلوب ترامب، ولكنهما مشتركان في المساومة والابتزاز! ومن ناحية ثالثة، يحاول بايدن تحسين صورة أميركا وكأنها الداعمة لحقوق الإنسان، رغم أنها لا تدعم إلا عملاءها، وتتجاهل حقوق الإنسان الفلسطيني في مواجهة الكيان الصهيوني، وآخر ذلك رفض إدارة بايدن، قيام محكمة الجنايات الدولية في التحقيق في جرائم «إسرائيل» وقياداتها المختلفة ضدّ الشعب الفلسطيني!!
وعلى الجانب السعودي وهو الطرف الثاني في الأزمة، فضلاً عن جهوده، في حشد الأطراف القريبة من أميركا والتابعة والحليفة لسياساتها في المنطقة، إلا أنها تجري اتصالات على أعلى المستويات مع الكيان الصهيوني ورئيس وزرائه حالياً (نتنياهو)، للتدخل – لدى إدارة بايدن، لتخفيف حدة الأزمة، ووقف التصعيد والتدخل في الشأن الداخلي السعودي! وقد كشفت المصادر القريبة من مكتب رئيس الوزراء الصهيوني، عن إجراء هذه الاتصالات بين محمد بن سلمان، ونتنياهو، وتمّ الكشف عن مضمونها!
وقد كانت المسألة الإيرانية في قلب هذه الاتصالات السعودية الصهيونية، حيث أوضح محمد بن سلمان، أن التصعيد مع السعودية، من شأنه تمكين إيران من استكمال المشروع النووي، والتمهيد لعودة الاتصالات بين أميركا وإيران، مما له من التأثيرات السلبية على السعودية و»إسرائيل» ودول الخليج العربية! أيّ أنّ جسر التواصل السعودي/ الصهيوني، هو إيران! وقد دفع ذلك الأمر إلى تصعيد وزير دفاع الكيان الصهيوني بيني غانتس، إلى أنّ جيشه جاهز وقادر على الحرب على الوكلاء عن إيران – كما يسمّيهم – ويتمثلون في حزب الله في لبنان، والوجود الإيراني في سورية وفي العراق، بل فالجيش الصهيوني قادر على ضرب شامل لجميع المفاعلات النووية الإيرانية، وقد أعدّوا خطة لذلك، تتضمّن المعلومات كافة عن كلّ المواقع النووية الإيرانية! ولديهم الاستعداد الكامل لتدميرها، ما لم يوقفهم العالم! فالسعودية تلعب بكلّ الأوراق الموجودة في يديها، من أجل إجبار إدارة بايدن على التراجع عن التصعيد ضدّ السعودية والأسرة الحاكمة، ولم تعد تخجل من الاتصال المباشر بالكيان الصهيوني ليكون وسيطاً لدى إدارة بايدن.
والسؤال: هل تنجح السعودية في ذلك؟! والجواب عندي أنها لن تنجح، وأنّ إدارة بايدن لن تتراجع عن التصعيد التدريجي لتفكيك الترابطات في الإقليم في إطار نظرية الترابط والارتباطات، في إدارة العلاقات الدولية ولهذا حديث تفصيلي آخر. والقول الحاسم: فإنّ أزمة العلاقات السعودية الأميركية، قد بدأت، ومرشحة للتصاعد والتصعيد، وغداً سنرى…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.