الجنرال ماكينزي يبشِّر بحلّ في الربيع مع إيران… والمواجهة السعوديّة اليمنيّة إلى تصاعد يوم غضب قواتيّ… وعون ودياب يحذِّران من انقلاب… ويدعوان لإجراءات أمنيّة وماليّة / قائد الجيش: يا حضرات المسؤولين وين رايحين… وجنبلاط قلق من الفوضى… وجعجع
كتب المحرّر السياسيّ-البناء
فيما تتحرك المنطقة على صفيح ساخن نحو ترسيم توازنات ستحكم مستقبلها سنوات مقبلة، خصوصاً في ملفَّي العلاقة الأميركية الإيرانية، وملف الحرب في اليمن، وارتباطه مباشرة بمكانة السعودية، ومستقبل ولي عهدها، تحدَّث قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيت ماكنزي بفرص التوصل للحل السياسي مع إيران هذا الربيع، بينما كانت المواجهة السعودية تتواصل على أعلى درجات التصعيد الصاروخي المتبادل، بغارات جوية سعودية على صنعاء وصواريخ يمنية تستهدف العمق السعودي، لتطلّ التفجيرات الانتحاريّة مجدداً من العراق، تعلن عبرها الجماعات التكفيريّة ومن ورائها التمويل السعودي جهوزيّتها لفعل المزيد.
لبنان القلق من أن تطول مدة ترسيم التوازنات وهو ينتظر نتائج مساعي الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الرئيس سعد الحريري لمصالحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، دخل مرحلة التوترات والتسخين، كما ترى مصادر أمنية، حيث الارتفاع الكبير في سعر الصرف يكشف وجود إرادة سياسية وراء هذا السعر، يعني نيات تحريك الشارع الذي سينفجر في ظل تراكم الأزمات الضاغطة بغياب حكومة تتحمل مسؤولية مواجهة هذه الأزمات، والسعي لتهيئة لبنان لمرحلة ترسيم توازنات في الشارع كما أشار يوم الغضب الشعبي المفترض إلى هوية قواتية طاغية في المشهد الجغرافي والشعبي والسياسي، حيث المناطق الحاضرة بقوة في التحركات كانت المنطقة الممتدة بين الدورة وجبيل والجمهور وكانت واضحة الهوية القواتية والشعارات كانت تعمد لإيضاح ما ليس واضحاً كفاية لجهة دور القوات اللبنانية المحوريّ في التحرّكات، بمثل ما كان لقاء السفير السعودي برئيس حزب القوات اللبنانية، لإيضاح الواضح حول الدور السعوديّ، الذي أضاء عليه بكشافاته النائب السابق وليد جنبلاط في حديث تمّ تسريبه ثم اعتذر عنه جنبلاط، عن استغرابه لمكانة جعجع السعودية المميّزة، مضيفاً قلقه من تدهور الوضع نحو المزيد من الفوضى.
على خلفيّة هذا المشهد انعقد في بعبدا بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، اجتماع ضم رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، حضره وزراء الدفاع والداخلية والمالية والاقتصاد، وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف، وقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنيّة، وخلص الاجتماع إلى اعتبار ما يجري مدبّراً لتخريب البلد، وهو ما وصفته مصادر بعبدا بمشروع انقلاب يجري تدبيره بوجه رئيس الجمهورية، بينما تقرّرت ملاحقة المتلاعبين بالسوق السوداء للصرف، وإقفال منصات تسعير الدولار، ومنع قطع الطرقات، بينما خرج قائد الجيش العماد جوزف عون بعد الاجتماع من لقاء عسكري في اليرزة متحدثاً عن خطورة الأوضاع وما يتعرّض له الجيش، سائلاً «يا حضرات المسؤولين لوين رايحين»، مؤكداً أن الجيش سيقوم بواجباته، رغم حجم الضغوط التي تتسبب بها الأزمة المالية والاقتصادية وتأثيراتها على الجيش، وحتى منتصف ليل أمس، لم يتضح ما إذا كان الجيش سيقوم بتنفيذ قرار اجتماع بعبدا بفتح الطرق المقفلة بالقوة.
لا يزال الخطر الأمني وتردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في واجهة المشهد الداخلي، على وقع انسداد أفق الحل السياسيّ واتجاه الملف الحكومي إلى أزمة مفتوحة على خيارات وسيناريوات عدة مع رفض الرئيس المكلف سعد الحريري المُطلق خيار الاعتذار بحسب ما أكدت أوساط مستقبلية لـ«البناء». وقد وضع النائب نهاد المشنوق معادلة «اعتذار الحريري مقابل استقالة رئيس الجمهورية»، ما يعني بقاء الحريري مكلفاً حتى نهاية عهد الرئيس ميشال عون وإلا الرضوخ لشروط الحريري في الحكومة الجديدة، الأمر الذي لن يقبله عون وفريقه السياسي وبالتالي فإن الأزمة مرشحة للبقاء لعام ونصف العام. ما يدعو للتساؤل هل يحتمل البلد بقاء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على ما هو عليه حتى ذلك الحين؟
فالأحداث الأمنية المتتالية تؤشر إلى أن الأمن الاجتماعي والاستقرار الأمني يتجه نحو التأزم كلما تفاقمت الأزمة الاجتماعية وارتفع سعر صرف الدولار وأسعار السلع والمواد الغذائية والمحروقات. وقد تبين بحسب مصادر مطلعة على الوضع الأمني أن جهات سياسية واستخبارية داخلية وخارجية تحشد في الشارع وتدفع الأموال لزرع الفتن المتنقلة في مختلف المناطق اللبنانية لا سيما في المناطق ذات الحساسية الطائفية والمذهبية. مشيرة لـ«البناء» الى أن «الأحداث الامنية مخطط لها من جهات إقليميّة معروفة لاستخدامها في الضغط السياسي في عملية تأليف الحكومة، وكان رفع سعر صرف الدولار شرارة الأحداث التي استدعت تدخلاً ميدانياً من جهات رسمية وغير رسمية لضبط الوضع الأمني ووأد الفتنة في مهدها، وكان رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط أول من تلقى هذه الإشارات وتراجع خطوات الى الوراء بعدما شارك مناصرو حزبه في مخطط قطع الطرقات في عطلة نهاية الاسبوع لا سيما طريق خلدة – الناعمة».
وقال جنبلاط أمس، إن «بعض تحرّكات اليوم مشبوهة، وقد تأخذنا إلى الفوضى، ولا علاقة لها بالمطالب الاجتماعية»، وأضاف: «لا أرى تحركاً مطلبياً ومدروساً وغريب غياب جماعة «كلن يعني كلن»، وسأل: «لماذا ما من تحرك مطلبي مدروس؟». وأشار جنبلاط إلى أنه «بوجود الجوع وارتفاع سعر صرف الدولار الذي قد يصل إلى الـ20 ألف ليرة الأهم الصمود وتأمين الحد الأدنى من المعونة، ومعركتنا معركة وجود الإنسان».
وبعد تسريب كلام لجنبلاط يطال بعض القوى السياسية كالقوات اللبنانية، أوضح جنبلاط على «تويتر»: «على إثر تسريب كلام مجتزأ قلته في اجتماع عام، والذي يشكل إساءة لأطراف داخليّة ودول عربية، فإنني أقدم اعتذاري وأتمنى أن يكون هذا التوضيح كافياً لجلاء أي ملابسات».
وعلمت «البناء» في هذا الصدد أن الاتصالات التي حصلت خلال اليومين الماضيين أفضت الى إعادة فتح طريق بيروت – الجنوب وذلك بعد الرسائل التي تبلغتها جهات سياسية وعلى رأسها جنبلاط وتيار المستقبل بأن استمرار قطع هذا الطريق الحيويّ سيدفع قوى معينة للتدخل لحسم الموضوع بشكل سريع وفتح الطريق بالطرق المناسبة ومن دون أن يؤدي ذلك الى أي فتنة ينتظرها البعض ويراهن عليها لتحقيق أهدافه السياسية». كما تبلغت هذه القوى بحسب المصادر أن إهانة المواطنين على طريق بيروت – الجنوب وإذلالهم وتحطيم السيارات وإقفال الطريق على أحد الجنازات أمر لن يسمح به وتحمُل تبعاته القوى السياسية والحزبية التي تتمتع بنفوذ سياسي وأمني في هذه المناطق».
وفي سياق ذلك، وبحسب بيان للحزب الاشتراكي فقد «أجرى الوزير السابق غازي العريضي بتكليف من جنبلاط اتصالات بمسؤول لجنة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا ومستشار رئيس مجلس النواب أحمد بعلبكي للتأكيد على الموقف المشترك لمنع أي استغلال لحقوق الناس وتحركاتهم في اتجاهات لا تخدم مطالبهم المحقّة، والتنسيق بين الجميع ومع الأجهزة الأمنية وفق ما تمليه الظروف في هذا السياق».
هذا الواقع الأمني استدعى تحركاً سياسياً وأمنياً رسمياً على مستويات عدة في بعبدا وقيادة الجيش في اليرزة.
وترأس رئيس الجمهورية ميشال عون اجتماعاً اقتصادياً، مالياً، أمنياً وقضائياً بحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وعدد من الوزراء وقادة الأجهزة الأمنيّة ومدّعي عام التمييز وحاكم مصرف لبنان.
وحذّر رئيس الجمهوريّة في مستهل الاجتماع من «خطورة ما يجري لما له من انعكاسات على الأمن الاجتماعي وتهديد الأمن الوطني. وطلب من الإدارات والجهات المعنيّة قمع المخالفات التي تحصل لا سيما التلاعب بأسعار المواد الغذائيّة واحتكارها وحرمان المواطن منها، مشدّداً على عدم جواز استمرار هذا الفلتان الذي يضرّ بمعيشة الناس وطلب من الأجهزة الأمنيّة الكشف عن الخطط الموضوعة للإساءة للبلاد لا سيما بعدما توافرت معلومات عن وجود جهات ومنصات خارجيّة تعمل على ضرب النقد ومكانة الدولة المالية».
وقال: «قطع الطرق مرفوض وعلى الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة أن تقوم بواجباتها كاملة وتطبيق القوانين دون تردّد، خصوصاً أن الأمر بات يتجاوز مجرّد التعبير عن الرأي الى عمل تخريبي منظّم يهدف الى ضرب الاستقرار».
وصدرت عن اجتماع بعبدا سلسلة قرارات واجراءات أبرزها:
«- تكليف الأجهزة الأمنية ضبط جميع الأشخاص الذين يخالفون احكام قانون النقد والتسليف وقانون تنظيم مهنة الصرافة سواء كانوا من الصرافين المرخصين أو غير المرخصين الذين يمارسون المضاربة.
تكليف الأجهزة الامنية العمل على استكمال إقفال المنصات والمجموعات الالكترونية غير الشرعية المحلية التي تحدد اسعار الدولار الأميركي تجاه الليرة اللبنانية ومتابعة التواصل لهذه الغاية مع الجهات الرسمية الدولية والمنصات العالمية الإلكترونية بالاستناد الى القوانين الدولية المرعية الإجراء.
الطلب الى الاجهزة الامنية والعسكرية عدم السماح بإقفال الطرقات مع الاخذ في الاعتبار المحافظة على سلامة المواطنين والمتظاهرين وعلى الممتلكات العامة والخاصة».
وأشارت المعلومات إلى أن الرئيسين عون ودياب وجها أسئلة لحاكم مصرف لبنان حول ارتفاع سعر صرف الدولار، فردّ سلامة مدعياً بأنه لا يستطيع ضبط هذا الأمر والتدخل بسوق القطع، لأن السوق عرض وطلب وهو لا يملك المزيد من الاحتياط للتدخل.
ونفذت القوى الأمنية حملة ملاحقة ومداهمة لعدد كبير من محال الصيرفة والصرافة غير الشرعيين في بعض المناطق والتي تشارك في عمليات المضاربة بالدولار، وتم ختم محل صيرفة بالشمع الأحمر وتوقيف او استدعاء ستة صرافين في شتورة. لكن مصادر متابعة للوضع المالي أوضحت لـ«البناء» أن هذا الأمر لا يكفي بل تجب ملاحقة بعض الموظفين النافذين في مصرف لبنان ورؤساء مجالس بعض المصارف وهم الجهات المسؤولة عن إدارة التطبيقات الإلكترونيّة للتحكم بسعر الصرف بالتعاون مع صرافين من فئة أ، وبالتالي حصر عمليات المضاربة بالصرافين من فئة ب والصرافين غير الشرعيين تشويه وتعمية للحقيقة».
وعقدت مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون، في موازاة التلاعب الفاضح بسعر صرف الدولار السبت الفائت، «جلسة تحقيق استمعت فيها إلى نقيب الصرافين محمود مراد والصيرفي من الفئة «أ» إلياس سرور وتغيب الصيرفي من الفئة نفسها وائل حلاوي والذي تم تكرار دعوته إلى جلسة أخرى تعقد هذا الخميس 11 آذار 2021، وذلك على خلفية الدعوى المقدمة ضد كل من حاكم مصرف لبنان ومدير العمليات النقدية في المصرف مازن حمدان، ونقيب الصرافين محمود مراد وعدد من كبار الصيارفة ومصارف، وذلك بجرم تبييض الأموال الناجمة عن عمليات التداول بالعملة بقصد التعرّض للنقد الوطني سنداً للمادة 9 من قانون تبييض الأموال، وللإخلال بأمن الدولة سنداً للمادة 19 من قانون العقوبات.
وفي موقف يُعدّ الاول من نوعه، حذر قائد الجيش العماد جوزف عون من انهيار الوضع الأمني. وقال خلال اجتماع رأسه صباحاً لكبار الضباط «نحن مع حرية التعبير السلمي التي يرعاها الدستور والمواثيق الدولية، لكننا لسنا مع التعدي على الأملاك العامة والخاصة ولن نسمح بأي مسّ بالاستقرار والسلم الأهلي».
وتابع عون: «ليس صحيحاً ما يُحكى عن حالات فرار في الجيش بسبب الوضع الاقتصادي». وأضاف: «لا نقبل أن تمدّ اليد على حقوقنا وممنوع التدخل بشؤوننا أو بالترقيات أو التشكيلات والجيش متماسك وفرطه يعني نهاية الكيان وتجربة 1975 لن تتكرّر».
وكانت الاحتجاجات على الأوضاع المعيشية والاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار انطلقت منذ الصباح الباكر، وقطع المحتجون الطرقات من الشمال إلى الجنوب، ومن البقاع إلى بيروت.
إلا أن حجم هذا التحرك والحشد الشعبي لم يأتِ على قدر العنوان الذي وضعته مجموعات مجهولة الهوية بعنوان «اثنين الغضب»، بل لم يتمكن من حشد أكثر من 10 في المئة مما كان منتظراً، بحسب ما أكدت مصادر ميدانية لـ«البناء»، ما يثبت بأن «ما يحصل في الشارع بنسبة 80 في المئة منه ليس ثورة جياع ولا تحركاً شعبياً بل مخطط لضرب الأمن والاستقرار للاستخدام السياسي تقف خلفه قوى خليجية للضغط على حزب الله والرئيس عون في الموضوع الحكومي، فضلاً عن استخدام السعودية للبنان كورقة للضغط على محور المقاومة لوقف الهجمات اليمنيّة على المملكة». وتوقعت المصادر شهرين ساخنين في لبنان والمنطقة حتى الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران المقبل، حيث من المتوقع أن تصل المفاوضات في الملف النوويّ الى حل بعد الانتخابات»، وشددت المصادر على أن «لبنان لن يستسلم للضغوط الخليجية والاميركية».
بدورها أكدت حركة «أمل» في بيان أصدرته إثر اجتماع مكتبها السياسي «أن المخرج الوحيد للأزمة في ظل الانسداد السياسي الآخذ في الاشتداد، هو باستعادة زمام الامور من خلال الاستعجال بتأليف الحكومة وتقديم المصلحة الوطنية العليا على ما عداها من المصالح الذاتية الضيقة التي لا يمكن أن تنقذ الوطن، بل تكبله بالشروط التعجيزية، وتطيل معاناة اللبنانيين الذين لم تعد تهمهم كل الشعارات التي يحاول المعطلون التلطي خلفها بحجج واهية وأوهام قوة غير موجودة إلا في اضغاث أحلامهم، بل لم يعد اللبنانيون مهتمين بحصص الطوائف والمذاهب والأطراف في الحكومة العتيدة بقدر مطالبتهم بخطوات إنقاذية».
وبقيت الاتصالات الحكوميّة مقطوعة مع وجود الحريري خارج البلاد، حيث من المرجّح ان يلتقي في ابو ظبي اليوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بحسب المعلومات.
وأِشارت معلومات «البناء» الى أن الحريري «لن يؤلف الحكومة إلا بعد لقاء يجمعه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذي لن يستقبله لغضبه على الحريري اولاً ولانشغاله بملفات مصيرية بالنسبة اليه ثانياً، لا سيما مأزقه في الحرب على اليمن والتحوّل في الموقف الاميركي تجاه القيادة السعودية وإعادة تحريك ملف اغتيال الصحافي السعودي جمال الخاشقجي».