الحريري لن يعتذر.. فاختصروا الطريق وسهّلوا التشكيل!
خاص “لبنان 24”
الدولار “يحلّق”، ومعه أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، فيما يبدو المواطن “بلا حول ولا قوة”، بعدما “تآكلت” مداخيله، وفقد كلّ قدرة على الصمود. لكن، على وقع كلّ هذه الأزمات الآخذة في التفاقم، ثمّة في السلطة، من لا يزال مصرًّا على “المناورة”، طمعًا بحقيبة من هنا، أو ثلثٍ من هناك، مجسّدًا “انفصامًا” عن الواقع في المقاربة والأداء.
لعلّ هذا بالتحديد هو واقع فريق “العهد”، الذي يتعامل مع الأزمات المتسلسلة، وكأنّها لا تعنيه، أو بالحدّ الأدنى، كأنّه لا يتحمّل أيّ مسؤولية إزاءها، بل يبحث فيها عن “فرصة” لتصفية حسابات سياسية آنيّة، أو لادعاء “بطولات وهمية” لا ترتقي لا لمستوى “الكارثة” التي حلّت باللبنانيين، ولا لحقيقة “جهنّم” التي كان رئيس الجمهورية أول “المبشّرين” بالانزلاق نحوها.
وفيما كانت “صرخة” الناس، خلال عطلة نهاية الأسبوع، تدوّي في الشوارع، وهي تسأل عمّا يمكن أن تفعله مئة دولار لم تعد معظم الرواتب تتجاوزها، كان بعض المحسوبين على “العهد” يقيمون على “كوكب آخر”، فيتّهمون رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري تارة بـ”التمادي”، ويبحثون تارةً أخرى في “البدائل”، على طريقة “إحراجه فإخراجه”.
مناورات لا تنتهي..
لا يبدو مثل هذا الكلام من الخيال، فالعارفون يؤكّدون أنّ “الاجتهادات” متواصلة في صفوف الفريق الرئاسيّ، حول طريقة “إقصاء” الحريري، توازيًا مع استمرار “المناورات”، التي كان آخرها “توزيع الأدوار” بين الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل.
ويشير العارفون إلى أنّ “العهد” لا يزال مصرًّا على أنّ لا حلّ للأزمة سوى بـ”إزاحة” الحريري عن السلطة، ولو بالقوّة، بل أنّه يتصرّف على قاعدة أنّ الحريري لن يبقى رئيسًا مكلَّفًا، وأنّه سيضطر للاعتذار عاجلاً أم آجلاً، للسماح بوصول رئيس حكومة آخر، يوافق على شروط “العهد” وإملاءاته، ولو أثبتت تجربة حسّان دياب أنّها تضرّ ولا تنفع.
ويتوقف هؤلاء عند “الخِدَع” التي تناولها الإعلام في الأيام الماضية، بحديثٍ تارةً عن تخلّي “العهد” عن مطالبته بالثلث المعطّل، وطورًا عن انفتاحٍ على مبادرة من هنا أو هناك، علمًا أنّ شيئًا من هذا القبيل لم يَرِد إلى الرئيس المكلَّف، الذي شهد، على العكس من ذلك، على جولات “تصعيد” إضافيّ، شُرّعت معها كلّ “الأسلحة”، الخفيفة منها كما الثقيلة.
الاعتذار غير وارد
يقول العارفون إنّ مشكلة “العهد” الكبرى تبقى أنّ الكرة ليست في ملعبه، فهو لو كان قادرًا على “إزاحة” الحريري لفعل ذلك منذ فترة طويلة، علمًا أنّ رئيس الجمهورية حاول بكلّ الوسائل المُتاحة منع النواب من ممارسة حقّهم الطبيعي والمشروع بتسمية من يريدون لرئاسة الحكومة، لكنّه خاب ولم يستطِع، تمامًا كما خابت “اجتهادات” اصدار “فتاوى” غبّ الطلب تتيح سحب التكليف.
أما “رهان” الفريق الرئاسيّ على أنّ الحريري سيعتذر من تلقاء نفسه، إحساسًا بالمسؤولية تجاه المواطنين العالقين بين فكّي قماشة، فخائبٌ أيضًا، وفق ما يؤكّد العارفون، للكثير من الاعتبارات والأسباب، أولها وأهمّها اعتقاده أنّه لن يخسر شيئًا إذا ما بقي “مكلَّفًا إلى ما شاء الله”، بعكس “العهد” الذي يبحث عن أيّ “إنجاز” يعوّض من خلاله ما فات من سنواته الضائعة.
ولا يرى الحريري في “اعتذاره” مصلحةً للمواطنين الذين يصوّرهم البعض “رهائن” الأزمة، لأنّ تشكيل حكومة على الشاكلة التي يبحث عنها “العهد” لن تجلب “الإنقاذ” بل “الخراب”، خصوصًا أنّ شروط المجتمع الدولي للدعم والمساعدة واضحة، ولا لبس فيها، وأولها “تحرير” حقائب لطالما احتكرها “التيار”، ولم يُبلِ فيها بلاءً حسنًا.
أما الأخطر من كلّ ذلك، وفق ما يقول المتابعون، فيبقى في “هروب” بعض المحسوبين على “العهد” إلى الأمام وتلطّيهم خلف خطاب طائفي تجاوزه الزمن، تحت عنوان “حقوق المسيحيين”، وهو خطابٌ لم يعد ينطلي على أحد، لكنّه قبل ذلك، فَقَد كلّ “جوهره”، بعدما دقّ الجوع والفقر أبواب كلّ اللبنانيّين، من دون تمييزٍ بين مسلمٍ ومسيحيّ ودرزيّ وسواهم!
الحريري لن يعتذر إذًا، يؤكد العارفون والمتابعون، كما تجزم أوساط الرئيس المكلَّف نفسه، التي تدعو “المراهنين” على “تنازل” يقدّمه الأخير، إلى أن “يخيطوا بغير هالمسلّة”. وما على “العهد” سوى القبول بهذا الأمر الواقع، يقول العارفون، وبالتالي تسهيل التشكيل، بعيدًا عن مطامع وأنانيّات، لن تقدّم أو تؤخّر، لعلّه بذلك ينقذ، من حيث لا يدري، صورته في “ذاكرة التاريخ”، إذا ما بقي مثل هذا “الإنقاذ” ممكنًا ومُتاحًا!