أوساط ديبلوماسية: شينكر ينتقد للضغط على لبنان للتنازل عن حقوقه البحرية
دوللي بشعلاني-الديار
الوفد اللبناني لم يُغيّر مواقفه ولن يتراجع .. والدولة جاهزة لاستئناف المفاوضات
إنتقد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر الثلاثاء بشدّة أداء السلطات اللبنانية على الصعيدين الداخلي والخارجي، مشيراً الى أنّها «تعاملت مع المفاوضات مع «إسرائيل» باستهتار، كما فعلت بانفجار مرفأ بيروت، وبأنّ «الجانب اللبناني كان متعاوناً في بداية المفاوضات، لكنّه عاد وتراجع وكانت مطالبه تعجيزية خلالها»، في الوقت الذي لا يزال ينتظر فيه لبنان من الجانب الأميركي أن يضعه في إطار جهوزية الوسيط الأميركي لاستئناف هذه المفاوضات.
فبعد أن جرى تعليق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي في الناقورة التي استمرّت بين 14 تشرين الأول و11 تشرين الثاني الفائتين، بسبب موسم الأعياد، بحسب معطيات وزارة الخارجية والمغتربين، كان يُنتظر أن تُسمّي الإدارة الأميركية الجديدة في عهد الرئيس جو بايدن، إسم الوسيط الأميركي فيها، فتتركه نفسه (أي السفير جون ديروشر) أو تعيّن بديلاً له، كون هذا الأخير كان معيّناً من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عند انطلاق المفاوضات بين الجانبين برعاية أممية ووساطة أميركية. فهل يريد الجانب الأميركي فِعلاً استئناف المفاوضات، بعد أن تمنّى شينكر على إدارة بايدن اعتبار لبنان أولوية، أم أنّ كلامه قد فضح سياسة بلاده عندما قال بأنّه «يجب على إدارة بايدن أن تُشعر اللبنانيين بعواقب تساهلهم مع الفساد وتجاوزات حزب الله، ما يعني تشديد الحصار المالي والنقدي على لبنان لإرغامه على التنازل عن حقوقه الشرعية؟
أوساط ديبلوماسية واسعة الإطلاع رأت في كلام شينكر محاولة لإقحام السياسة ووجهات النظر الأميركية في ملف ترسيم الحدود البحرية الذي هو تقني وقانوني وحقوقي بحت. فما ورد على لسان هذا الأخير ليس سوى حججاً واهية يُراد منها الضغط على لبنان لكي يتنازل عن حقوقه في المنطقة البحرية المتنازع عليها، لصالح العدو الإسرائيلي، غير أنّ هذا الأمر لم ولن يحصل. فلبنان جاهز لاستئناف هذه مفاوضات الترسيم رغم كلّ الأزمات التي يعاني منها، لأنّ هذا ملف مفصول كليّاً سواه من الملفات الإقتصادية والمالية، كما عن مسألة تشكيل الحكومة أو عدمه، سيما وأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هو المسؤول المباشر عنه. كذلك فإنّه لا علاقة بين الترسيم وبين عدم قيام «تحالف الشركات» الذي وقّع عقداً مع لبنان، وتحديداً شركة «توتال» الفرنسية بالمهام المتوجّبة عليها أي بدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البلوك 9 الذي كان مقرّراً في أواخر العام المنصرم.
أمّا ما قاله شينكر عن أنّ السلطات اللبنانية تعاملت مع ملف المفاوضات باستهتار، فهو أمر غير صحيح، على ما أضافت الاوساط، سيما وأنّ الرئيس عون يولي هذا الملف اهتماماً كبيراً وقد سخّر كلّ الطاقات والخبرات لتحصيل حقوق لبنان في المنطقة البحرية التابعة له، مع الإصرار على عدم التنازل عن الحقوق اللبنانية. أمّا الوفد المُفاوض باسم لبنان في المفاوضات التي استمرّت من 14 تشرين الأول الى 11 تشرين الثاني الفائتين، وخلافاً لما يدّعي المسؤول الأميركي، فقد حضّر ملفه بشكل جدّي وقانوني واحترافي عارضاً حقوق لبنان في المنطقة الإقتصادية المتنازع عليها والتي تبلغ مساحتها 2290 كيلومتراً مربّعاً، انطلاقاً من الخط 29 البحري للحدود الذي لا يستطيع أحد أن يُسقطه كونه يستوفي كلّ شروط الإتفاقيات والمواثيق الدولية من اتفاقية بوليه- نيو كومب، الى اتفاقية الهدنة وقانون البحار، وهو لم يُبدّل موقفه أو يتراجع عنه، بل على العكس تمسّك به، وهذا ما أزعج الأميركي و»الإسرائيلي». فيما كان العدو الإسرائيلي يعتقد أنّ لبنان سيُفاوض فقط على المثلث البحري الذي تبلغ مساحته 860 كلم2 والتي لم يكن يُوافق عليها، فكيف بعد أن أُضيف إليها مساحة الـ 1430 كلم2 بالإستناد الى الخرائط والإتفاقيات الدولية؟لهذا أصرّ على الترسيم من الخطّ رقم واحد في محاولة للإستيلاء على بعض الكيلومترات البحرية من حصّة لبنان، رغم أنّه لا يتصل باليابسة ما يجعله لاغياً، كما على الخط 23 الذي هو عشوائي ولا صلة له باليابسة أيضاً. ولعلّ أكثر ما يُزعج الجانب الإسرائيلي هو أنّ مطالبة لبنان تشمل جزءاً من حقل «كاريش» الذي يستثمره عبر شركة يونانية ويواصل عمليات التنقيب فيه رغم وجود البلوك 72 بالكامل في منطقة النزاع.
من هنا، يحاول الجانب الأميركي، على ما أشارت الأوساط نفسها، الإستفادة من وجود حكومة مستقيلة في لبنان، وعدم التوافق على تشكيل حكومة جديدة، للضغط على الدولة اللبنانية لكي تتنازل عن حقوقها كونها بحاجة الى البدء بعمليات التنقيب في البلوك 9 لاستخراج النفط والغاز وتحسين الوضع الإقتصادي في المرحلة المقبلة. علماً بأنّ لا شيء يمنع شركة «توتال» الفرنسية من استئناف عملها في هذا البلوك الذي يُلامس المنطقة المتنازع عليها، من خلال الابتعاد عن هذه الأخيرة بنحو كيلومتر واحد.
وشدّدت الاوساط على أنّ مفاوضات الترسيم هو ملف مستقلّ عن كلّ الملفات ولا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد، بأي ملف إقليمي، على ما يُحاول الجانب الأميركي الإيحاء به من خلال ربطه بملفات أخرى مثل الملف النووي الإيراني أو الأزمة في سوريا أو اليمن أو غزّة وسوى ذلك. كما أنّه غير مرتبط بالوضع الإقتصادي المزري الذي تحدّث عنه شينكر، بالإشارة الى أنّه رغم حاجة الدولة اللبنانية الى الأموال، فهي ليست على عجلة من أمرها لحلّ هذا الملف. وهي محاولة إضافية للضغط على لبنان لإجباره على التنازل عن حقوقه في المنطقة الإقتصادية الخالصة.
وفيما يتعلّق بضرورة تعديل المرسوم 6433 المتعلّق بإحداثيات حدود لبنان الجنوبية الذي سبق وأن أرسل الى الأمم المتحدة في العام 2011 وارتكز على أخطاء باعتبار «تخليت» جزيرة فيما هي صخرة غير مأهولة بالسكّان، إذ بإمكان حكومة تصريف الأعمال القيام اليوم بهذا الأمر، لفتت الاوساط، الى أنّ لبنان قد حفظ حقوقه في هذا المرسوم لتصحيح الأخطاء فالمادة الثالثة منه تنصّ على أنّه «يُمكن مراجعة حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة وتحسينها، وبالتالي تعديل لوائح إحداثياتها عند توافر بيانات أكثر دقّة ووفقاً للحاجة في ضوء المفاوضات مع دول الجوار المعنية». كما أنّ المادة 157 من وثيقة الأمانة العامة للأمم المتحدة للعام 1999 تنصّ على أنّه «يمكن لأي دولة أن تسحب وثيقة عائدة لها تمّ إيداعها من جانب واحد لدى الأمين العام للأمم المتحدة». ولبنان قد أودع وثيقة ومن حقّه استردادها اليوم في حال قرّرت الحكومة ذلك.غير أنّ المعلومات أفادت بأنّ هذه الخطوة قد تُضعف موقف لبنان ولا تُقوّيه. كما أنّ تعديل المرسوم قد يتخذه الجانب الأميركي وكذلك الإسرائيلي كمأخذ على لبنان بأنّه غيّر موقفه، والحقيقة هي خلاف ذلك.
غير أن الاوساط، أكّدت على أنّه في حال جرى تعديل هذا المرسوم،على ما يجب أن يحصل، بمرسوم جوّال، فإنّ هذا الأمر من شأنه أن يُجبر الوفد الإسرائيلي على العودة سريعاً الى طاولة المفاوضات وبدء التفاوض على مساحة 2290 كلم2. وبالتالي سوف يحصل لبنان على حقوقه من حقول النفط والغاز التي تقع جنوب النقطة 23. من هنا، فلا يجب على الرئيس عون والمسؤولين والوزراء المعنيين إرسال تعديل المرسوم والإحداثيات الجديدة التي تتطابق مع القانون الدولي الى الأمم المتحدة.