الحدث

الحياد ليس أوانه

حقيقة الديار

مع احترامي الكبير لغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وتأييد مبادرته بمطالبة الشعب اللبناني بعدم السكوت عن حقوقه ومحاسبة المسؤولين، الا أنني من ضمن حريّة الرأي التي يكفلها الدستور في لبنان، أبدي رأيي بشأن طرح غبطة البطريرك الراعي المطالبة بالحياد الإيجابي الناشط، وبالنتيجة أيّاً يكن وصف الحياد فله مفهوم واحد.

لقد خرج العالم من عهد الرئيس الأميركي ترامب المشؤوم وهو في ذروة التوتر والخطوات الرعناء وأصيب المشرق العربي بأكبر كوارث سياسية وعقوبات وصراعات نتيجة سياسة الرئيس الأميركي ترامب، وأهمها صفقة القرن التي شملت الاعتراف بمدينة القدس عاصمة للعدو الإسرائيلي وسلّمت بسيادة إسرائيل على الجولان وفرضت عقوبات قانون قيصر على سوريا لا مثيل لها من الظلم وعملت على تحريك الشارع اللبناني مع بعض دول الخليج واستطاعت شق الصفوف أكثر مما هي ممزّقة ومتفرّقة.

لبنان يعاني من أزمة اقتصادية ومالية والاهم أزمة سياسية عنيفة جدّاً وأزمة غياب تأليف حكومة وأزمة اجراء إصلاحات ضرورية للحصول على مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

ويعاني لبنان من أزمة كورونا، هذا الوباء الخبيث الذي شلّ الحركة في لبنان.

إضافة الى كل ذلك، جاء طرح مبدأ الحياد ليخلق أزمة جديدة داخل لبنان إضافة للأزمات المتعدّدة والخانقة، أبرزها وصول سعر الدولار الى 10 الاف ليرة.

الحياد يتطلّب وحدة الانتماء سواء الانتماء اللبناني الوطني أو الانتماء العربي. والانتماء اللبناني مفقود فمعظم الافرقاء في لبنان ينتمون الى محاور خارجية وهذا يعني استحالة تأمين الحياد.

أما وحدة الانتماء العربي، فقد انتهت وباتت الجامعة العربية غائبة. وماذا تفعل تركيا في ليبيا؟ وماذا تفعل تركيا في احتلالها العدواني لأراضٍ سورية؟ وماذا عن حرب اليمن والتدخلات الخارجية فيها؟ والعراق هو تحت تأثير كبير للنفوذ الإيراني. وحتى روسيا الدولة العظمى لم تستطع الا وضع إطار لوقف الحرب في سوريا وإخراج بقية الجيوش من سوريا.

أما بقية العرب فانقسموا مع تطبيع مع العدو الإسرائيلي وبين القوّة الممانعة للهيمنة الصهيونية على دول عربية أخرى.

نعود الى لبنان. في ظلّ كل هذه الأجواء، يأتي شعار الحياد في غير أوانه ويبقى شعاراً نظريّاً لأن الواقع العملي على الأرض لا يسمح به.

هنالك فريق لبناني مقتنع بالممانعة وبعدما ذاق العدوان الإسرائيلي على مدى ستين عاماً ولا يمكنه أن يكون على الحياد بعدما تركه العالم كلّه ودولته تحت الاحتلال الى حين أن استطاعت المقاومة تحرير الجنوب اللبناني سنة 2000.

ولذلك لا يمكن لهذا الفريق أن يتخلّى عن سلاحه طالما لا ضمانات حقيقية وفعليّة.

أما الفريق الذي يرغب بالحياد فالحياد يتطلّب بناء جيش قادر على حماية لبنان. ومع تقديرنا لجيشنا اللبناني الباسل الا أن كل دول العالم امتنعت عن بيعنا طائرة نفّاثة حربية واحدة باستثناء عرض روسيا بمنح لبنان طائرات «ميغ 29» ورفض لبنان العرض.

كما أننا لم نستطع الحصول على صاروخ واحد أرض- جو. كما أننا لم نحصل على شبكة صواريخ أرض- بحر لمنع أي عدوان بحري، إضافة الى العدوان الجويّ والبريّ الذي مارسته إسرائيل وتمارسه علينا وضدنا.

وأكبر دليل شنّ عدوان 2006 بسبب حادثة بين دورية إسرائيلية ومجموعة من المقاومة وطالبت دول العالم إسرائيل بعدم المبالغة في الرد. الا أن العدو الإسرائيلي المتغطرس بروحية العدوان لم يقبل الا شنّ حرب شاملة. والحمد لله لحقت به الهزيمة للجيش الإسرائيلي.

هذا الانقسام الشعبي اللبناني حول الحياد والممانعة لا يمكن حلّه الآن.

ونكرّر أن أوان الحياد لم يأت بعد لا في المدى المنظور ولا في المدى البعيد.

لذلك، أفضل شيء يفعله الشعب اللبناني هو ثورة شعبية سلمية تفرض تأليف الحكومة واجراء الإصلاحات من أجل النهوض الاقتصادي وترك موضوع الحياد الى زمن لعلّ المتغيّرات تحصل بأعجوبة لأن الواقع لا يدلّ على ذلك.

شارل أيوب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى