اشتباك «يفجر» التسوية الحكومية.. لماذا اراد الحريري استدراج حزب الله ؟ حوار اميركي – اسرائيلي حول لبنان: منع ادارة بايدن من تبني «وثيقة مالي » «تنظيم» المصارف لن يعيد اموال المودعين.. رفع الفاتورة الاستشفائية قريباً !
ابراهيم ناصر الدين-الديار
دخلت مشاورات تأليف الحكومة منعطفا خطرا قد لا تنفع بعدها محاولات الانعاش الفاشلة لاخراجها من العناية المركزة، واذا لم يتم استدراك المنزلق الخطر الذي تقصد الرئيس المكلف سعد الحريري وضعها فيه معرقلا «تسوية» كانت في المتناول، استدراجا لعطف سعودي لم يحصل عليه على الرغم من كل الجولات والصولات الخارجية المتواصلة، فان البلاد ستدخل موجة من التصعيد غير المحدود على وقع تحريك «مشبوه» للشارع في نقاط منتقاة وحساسة، بالتوازي مع تصعيد ممنهج من التحالف العربي – الاسرائيلي المستجد للتخريب على محاولات احياء الاتفاق النووي الايراني، ما يطرح اكثر من علامة استفهام حول خلفيات تصويب الحريري المفاجىء على حزب الله «المتوازن» في تعاطيه مع ملف تشكيل الحكومة، والملتزم حتى الان عدم استدراجه نحو تصعيد لا طائل تحته، فهل اختار الرئيس المكلف الطريق الاسوأ لتعزيز موقعه السياسي خارجيا ويخاطر في عبور «حقل الالغام» الداخلي؟ تزامنا مع معلومات تحدثت عن قرب تبني الادارة الاميركية الجديدة «للورقة» البحثية التي سبق واعدها روبرت مالي مسؤول الملف الايراني الحالي حول الازمة اللبنانية، وفيها دعوة الى مراجعة السياسة الاميركية تجاه لبنان، عبر خفض منسوب الضغط الاقتصادي والسياسي والتراجع عن «فيتو» مشاركة حزب الله غير المباشرة في اي حكومة مقبلة. فهل ما حصل في الساعات القليلة الماضية جزء من عملية التخريب الممنهج لاحتمال حصول استدارة اميركية مرتقبة على الساحة اللبنانية؟ ام مناورة سياسية غير محسوبة يمكن استدراكها بعودة الرئيس المكلف الى «جادة الصواب»؟
حوار اميركي- اسرائيلي
وفي هذا السياق، سرب الاعلام الاسرائيلي بالامس معلومات عن وجود حوار بين الحكومة الاسرائيلية والإدارة الأميركية الجديدة لتشجيع الإدارة على مواصلة تدخلها في ما يحدث في لبنان والتي يجب أن تشمل جهدين متوازيين وغير متناقضين، هما استمرار الضغط الاقتصادي – السياسي على حزب الله، إلى جانب مساعدة الدولة اللبنانية التي هي على شفا الانهيار، وذلك كيلا يستفيد حزب الله من الفوضى المرتقبة.
ولفتت تلك المعلومات الى ان إدارة بايدن لم تستكمل بعد عملية بلورة سياستها إزاء الساحة اللبنانية، خصوصاً تجاه حزب الله، لكن الحزب يرى أن نافذة فرص كبيرة إزاء التغيير المتوقع في سياسة بايدن مقارنة مع السياسة التي اتبعها الرئيس ترامب الذي اتبع سياسة «الحد الأعلى من الضغط» عبر توسيع العقوبات على أعضاء حزب الله والمؤيدين له في النظام اللبناني، وطلب تقليص نفوذ الحزب في الحكومة اللبنانية الجديدة، خلافاً لسياسة فرنسا المستعدة للتسليم بمكانة حزب الله السياسية في النظام اللبناني، والضغط على لبنان من أجل التنازل والتقدم في المفاوضات مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية.
تبني وثيقة مالي؟
وقد رجحت المعلومات توجه إدارة بايدن الى تبني وثيقة توصيات من «مجموعة الأزمات الدولية» في واشنطن والتي ترأسها روبرت مالي قبل تعيينه مبعوث بايدن للشؤون الإيرانية. وقد اوصت الإدارة الجديدة بتغيير موقفها تجاه لبنان، وبدلاً من حث الجهود لإضعاف حزب الله، يجب تبني رؤية جديدة تهدف إلى تعزيز لبنان ومنع انهياره عن طريق دعم المبادرة الفرنسية وتشكيل حكومة بمشاركة حزب الله.
«ناتو» لمواجهة ايران
هذه التطورات اللبنانية لا تبدو منفصلة مع الحراك في المنطقة، حيث كشفت صحيفة «يديعوت احرونوت» عن اتصالات حثيثة تدور بين من اسمتهم أصحاب قرار في الشرق الأوسط. كلهم قلقون ويتابعون، بخوف، الجهود الإيرانية المركزة لتطوير صواريخ بعيدة المدى، وصواريخ جوالة موجهة الأهداف ودقيقة تهدد ضعضعة الاستقرار في المنطقة. ويشاهدون، بخوف، تخصيب ايران لليورانيوم حتى 20 في المئة من اليورانيوم النقي كما ينظرون بدهشة إلى عجز الغرب عن وقف هذه التطورات القتالية والخطرة. ولفتت الى ان الكثيرين فقدوا ثقتهم بالولايات المتحدة وأوروبا.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول اميركي سابق معني بالاتصالات الجارية حاليا، انه سمع من كل العرب الذين تحدث معهم إن الحليف الوحيد ضد إيران والذي يثقون به بلا تحفظ هو إسرائيل. ويكاد الإسرائيليون الذين تحدثت معهم يقولون إن الحليف الوحيد ضد إيران والذي يثقون به بلا تحفظ هو العالم العربي. ولهذا ثمة تفعيل للاتصالات للتسريع في اقامة ناتوعربي إسرائيلي لضمان أمن واستقرار الشرق الأوسط ضد التهديد الإيراني، حسب تعبير الصحيفة التي اكدت ان هذه المنظمة الجديدة ستخدم بشكل غير مباشر مصالح الغرب والأسرة الدولية، دون الاستناد إلى أي جندي أميركي أو جندي الأمم المتحدة، ودون طلب الصدقات من القوى العظمى الأخرى في العالم.
محاولة استدراج حزب الله
ووفقا لاوساط سياسية بارزة، فان هجوم الحريري على حزب الله على خلفية معلومات صحافية، لا يبدو منطقيا، وكان يمكن الاكتفاء بنفيها، مع العلم ان كلام نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم كان «توصيفا» للواقع السعودي وليس اتهاما للرئيس المكلف، فيما يدرك الجميع ان حزب الله لم يكن معنيا بالتصعيد مع الحريري، وما يزال، وهو يعمل جديا على محاولة تدوير الزوايا، وليس مسؤولا عن تسريبات اعلامية ساهمت في ارباك المشهد الداخلي، بدليل ان الاشتباك السياسي كاد ينتقل الى «داخل البيت» لو لم تبادر الرئاسة الاولى إلى نفي ما نسب الى الرئيس عون من أن الثلاثي رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يريدون الانقلاب عليه، وهذا ما دفع بري إلى صرف النظر عن بيان شديد اللهجة أعده للرد على بعبدا.
صيغة الحل؟
واولى النتائج السلبية، تجسدت في التوقف الموقت «لمحركات» المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بانتظار عودة الحريري من الخارج عله يحمل جديدا يبدل مواقفه، خصوصا ان المبادرة نجحت في ايجاد خرق لجدار الازمة عبر اقتراح صيغة «5 زائد واحد» الحكومية التي سحبت من التداول «فتيل» الثلث المعطل، في حكومة من 18 يكون فيها حصة من خمسة وزراء للرئيس زائد وزير ارمني، او حكومة عشرينية يضاف اليها وزير درزي من حصة النائب طلال ارسلان ودون «ثلث معطل»، وهو قدم اقتراحه لرئيس الجمهورية ميشال عون الذي وافق على الاقتراحين مقابل تسمية وزير الداخلية عبر تقديم ثلاثة او خمسة اسماء للرئيس المكلف للاختيار من بينها، وفيما نجح اللواء ابراهيم في تسويق الفكرة لدى الفرنسيين الذين شجعوا عليها باتصالات مع الاطراف المعنية بالتشكيل، جاء الرفض المبدئي من قبل الرئيس المكلف سعد الحريري الذي اضاف عقدة جديدة تتعلق بأحقية الرئاسة الاولى بالتمثيل في الحكومة فيما تياره السياسي لن يمنح الحكومة الثقة!
التراشق الكلامي
وقد شهدت الساعات القليلة الماضية، تبادل الاتهامات بتعطيل التشكيل وبعد ان كان التراشق الكلامي يدور حصرا بين بعبدا وبيت الوسط وميرنا الشالوحي، حاول الرئيس المكلف سعد الحريري استدراج حزب الله الى السجال، دون ان ينجح في ذلك. وعلى خلفية معلومات اعلامية عن مبادرة اللواء ابراهيم اصدر الرئيس الحريري بيانا قال فيه انه على عكس حزب الله المنتظر دائما قراره من ايران، لا ينتظر هو رضى اي طرف خارجي لتشكيل الحكومة، لا السعودية ولا غيرها، إنما ينتظر موافقة الرئيس عون على تشكيلة حكومة الاختصاصيين، مع التعديلات التي اقترحها الرئيس الحريري علنا، في خطابه المنقول مباشرة على الهواء في 14 شباط الفائت، وليس عبر تسريبات صحافية ملغومة. ولفت الحريري في بيانه الى ان الحزب من بين الاطراف المشاركة في محاولة رمي كرة المسؤولية على الرئيس الحريري، لا بل يناور لاطالة مدة الفراغ الحكومي بانتظار أن تبدأ ايران تفاوضها مع الادارة الاميركية الجديدة، ممسكة باستقرار لبنان كورقة من اوراق هذا التفاوض!
لا مبرر لحصة للرئيس
وبحسب الحريري، لا اللواء ابراهيم ولا غيره، ابلغه بأنه مكلف من رئيس الجمهورية رسميا نقل عرض له، ويبقى السؤال: اذا كانت كتلة التيار الوطني الحر ستحجب الثقة عن الحكومة وتقوم بمعارضتها، فما هو مبرر حصول رئيس الجمهورية على ثلث اعضاء الحكومة، في وقت كان الرئيس عون نفسه هو من يرفض في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان ان يكون لرئيس الجمهورية اي وزير في الحكومة، إذا لم تكن لديه كتلة نيابية تساهم في منحها الثقة ودعمها؟ واضاف «إذا كان قرار التيار الوطني الحر هو فعلا حجب الثقة عن الحكومة ومعارضتها، فلماذا قام رئيس التيار بتعطيل تشكيل الحكومة لمدة خمسة اشهر قبل ان يعلن موقفه، بعكس ما كان قد التزم به رئيس الجمهورية ليبرر الحقائب الست من اصل 18 في سعيه للثلث المعطل»؟
الحريري يحتجز التكليف!
ولم يتأخر رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في الرد على الحريري من خلال بيان اصدره مكتبه الاعلامي قال فيه: ظَهر اليوم بالعين المجرّدة ان دولة الرئيس سعد الحريري غير جاهز لتشكيل الحكومة لأسباب خارجية معلومة كنّا قد امتنعنا عن ذكرها سابقاً إعطاءً لفرص إضافية.أمّا أن يقول الآن اننا عرقلنا الحكومة 5 اشهر قبل ان نعلن موقفنا اليوم بعدم المشاركة فيها وعدم اعطائها الثقة، فإننا نذكّر انّنا اعلّنا هذا الموقف منذ الاستشارات النيابية وبعشرات البيانات والمواقف، اكانت شخصية أو من التكتّل أو الهيئة السياسية والمجلس السياسي للتيار وصولاً للظهور الاعلامي الأخير لرئيس التيار… ومن كل ذلك واكثر من المغالطات التي أوردها بيانه، يتضّح اليوم للخارج المنتظر وللداخل الملتهب، انّ دولة الرئيس الحريري قد اخترع معضلة جديدة امام تشكيل الحكومة وهو يقوم بما اعتاده وكنا قد نبّهنا منه، اي بحجز التكليف ووضعه في جيبه والتجوال فيه على عواصم العالم لاستثماره، دون اي اعتبار منه لقيمة الوقت الضائع والمُكلِف، الى ان يجهز ما هو بانتظارِه. وختم باسيل بيانه بالقول ايّها اللبنانيون ان حكومتكم الموعودة مخطوفة، ولن يكون ممكناً استعادتها الا برضى الخارج او بثورة الداخل.
«انقلاب» جنبلاط؟
في هذا الوقت، برز تغيير لافت في مواقف النائب السابق وليد جنبلاط من الملف الحكومي، وفيما رفض الكلام عن انتقاله من جانب الرئيس المكلف الى جانب كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني النائب جبران باسيل وحزب الله بالموافقة على حكومة من 20 وزيرا، اشار الى انه لم ينقلب الى اي مكان، لكن البلاد تنهار وما زلنا عند شكليات سخيفة. ووفقا لمصادر مطلعة ابلغ جنبلاط الحريري انه بات منفتحا على اي حكومة حتى لو لم تحصل على موافقة الخارج او دعمه، لان وجود حكومة تدير الازمة افضل من حكومة تصريف اعمال غائبة في «كوما» مخيفة.
رفع الفاتورة الاستشفائية؟
في هذا الوقت، يواصل عداد كورونا ارتفاعه في ظل تفلت واضح في البلاد يهدد بضياع كل الجهود الايلة لمحاصرة الوباء في ظل بطء شديد في عمليات التقيح، فقداعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 3369 اصابة جديدة، كما تم تسجيل 53 حالة وفاة. وبانتظار المزيد من وصول لقاحات الى بيروت لا تزال عملية التلقيح عند المربع الاول حيث تكشف الارقام ان نصف المسجلين فوق 75عاملا لم يحصلوا بعد على مواعيد للتلقيح ومن اصل نحو مئة الف مسجل لا يزال 52970 ينتظرون تحديد مواعيد للتلقيح. في هذا الوقت حذر نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون من خطورة الوضع مع استمرار رفع الدعم التدريجي عن المواد النفطية والمستلزمات الطبية». وقال ان «المستشفيات تعاني من صعوبة في تأمين المازوت لمولداتها مع رفع ساعات التقنين في التيار الكهربائي. وأكد أن «المستشفيات قد تتجه الى رفع سعر الفاتورة الاستشفائية على الأقل الى 3900 ليرة مقابل الدولار لتتمكن من الاستمرار لأن الجهات الضامنة غير قادرة على تغطية الكلفة والمستشفيات غير قادرة على تحمل الخسارة والمريض غير قادر على تحمل أي فروقات»، معتبراً «أننا عند مفترق خطر استشفائيا.
لا دولارات للمودعين!
ومع انهماك المصارف في إتمام المكونات الإجرائية والقانونية لإنجاز البيانات المطلوبة من البنك المركزي، لزيادة الرساميل بنسبة 20% وتكوين حسابات بنسبة 3% من ودائع الدولار في بنوك خارجية مراسلة، اكدت اوساط مطلعة ان بعض المصارف تحتاج الى وقت إضافي لإنجاز التحويلات المتصلة بعمليات بيع أصولها ووحداتها الخارجية.
لكن انتهاء مرحلة التدقيق من قبل مصرف لبنان نهاية الجاري لن يؤدي الى استئناف البنوك اعادة الدولارات الى المودعين، فلا تبدلات عملية في السياسة المصرفية الراهنة قبل دخول البلاد مرحلة الانفراج السياسي والاقتصادي عبر تشكيل حكومة جديدة وبدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي وبدء تدفق الدولارات من الخارج عبر المساعدات الدولية او عودة الثقة الى المصارف اللبنانية، وفي هذا السياق أصدر مصرف لبنان تعميما جديدا يسمح للمصارف بفتح حسابات خاصة بالدولار مقابل تكوين ما يعادل الوديعة بالدولار «الطازج» لدى المصارف المراسلة في الخارج، بمعنى أن كل مصرف يستقبل وديعة دولارية عليه ان يضخ نسبة 100% من قيمتها لدى أحد المصارف المراسلة خارج لبنان، أو أن يقوم بتحويلها كاملة إلى حسابه لدى المصرف المراسل. وهذا ما يمنح المودع ضمانة على التصرف بوديعته عبر المصارف خارج لبنان.