تحقيقات - ملفات

كتب نارام سرجون: الداء والدواء في التنف.. الفرق بين اللصوص وصناع اللصوص.

نارام سرجون

في عالم الصحافة والاخبار كان دوما هناك مثال يضرب على الخبر او السبق الصحفي الذي يبحث عنه الصحفي .. وفي ايامنا هذه البوست الذي يحصد الاعجاب (او اللايكات) .. والمثال يقول بأنه اذا عض كلب رجلا فان هذا ليس خبرا بل ان الخبر اذا عض الرجل كلبا ..
وتذكرت هذه المقولة وأنا أقرأ خبرا يقول ان مجموهة ارهابية هاجمت رعاة وقتلت 400 رأس من الاغنام السورية في ريف حماة .. وتوقفت عند الحبر: لماذا يقتل الارهابيون الاغنام؟؟ هم ليسوا لصوصا .. فاللصوص لن يقتلوا القطعان التي سيسرقونها .. لكن قتل 400 رأس من الماشية ليس هدفا للصوص بل هو هدف ارهابي بامتياز ولايمكن تفريقة عن عمليات تدمير الاقتصاد وحرق حقول القمح واحراق بساتين الزيتون في الساحل السوري .. انه عملية تجريد تدريجية للارض السورية من اي مقومات للعيش .. وافقار متعمد يكمل فعل قيصر ومافعلته الحرب ولصوص الحرب الاتراك ..


هذه ليست عقلية ارهابيين .. الارهابيون اقل ذكاء وهم ربما يعرفون عقلية الغنيمة والسبي والتي هي في النهاية عقلية قبلية اما تدمير وسائل الحياة والبقاء بغرض ايذاء قدرة الخصم على العيش او الوصول الى ابادة الخصم فهي عقلية اميريكة خالصة .. والتاريخ يحدثنا عن الغزاة البيض الاوروبيين الذين عندما كانوا يوقعون اتفاقات سلام مع الهنود الحمر لم يكونوا يتوقفون عن عقلية الايذاء والتخريب والقتل البطيء للخصم .. فكانوا اول من استعمل السلاح الجرثومي لابادة الهنود الحمر عبر استيراد كل مخلفات المشافي الانكليزية التي كانت تستقبل مرضى الاوبئة والجدري التي كانت قاتلة .. وكان الانكليز يقومون بتقديم هذه الاغطية والبطانيات كهدية للمساكين الهنود الذيم كانوا يموتون كالحشرات وهم لايعرفون من دسّ الموت في بيوتهم .. وعندما كان هناك من ينجو من الموت الجرثومي لم بكن يجد مايقتات منه .. فقد كان المستوطنون البيض يقومون بالاغارة على قطعان البوفالو الكبيرة ويقتلونها في مجازر تقتل مئات من هذه القطعان وتترك في العراء تموت وتتعفن وتتفسخ وتنشر الاوبئة .. وتجعل العيش قربها ممرضا وقاتلا .. ولكن القبائل الهندية التي كانت تعيش على صيد هذه الحيوانات وتقتات من اللحم وتصنع من الجلد اقمشة للبس وبناء الخيام فقدت طعامها وغذاءها الرئيسي .. وكأن الهندي راع فقد كل اغنامه وماشيته ..

قد تكون هذه اخبارا عابرة لدى البعض .. والبعض لايريد ان يصدق ان اميريكا التي تملك اسلحة ذرية يمكن ان تشغل نفسها بقتل الاغنام وتدمير الغذاء والمواشي والثروات الطبيعية وتمنع المياه خلف السدود كما تفعل في سد النهضة في مصر وتجفف مع تركيا نهري دجلة والفرات دون ان تقول انها تلجأ للحروب الرخيصة .. والحروب التي تعود الى زمن اللصوص وقطاع الطرق.

اذا جمعنا كل ماحدث في الحرب السورية لوجدنا ان الحرب على وسائل العيش والاستمرار كانت منذ اليوم الأول .. عندما أحرقت مخازن الاقمشة الهائلة في حلب بمليارات الليرات رغم انها كانت للقطاع الخاص وليس للدولة .. وبدأت بتدمير منتجات الافران التي كانت تنتج الخبز قي بداية الحرب .. ولاتنفصل هذه الحرب على وسائل الحياة عن تسميم مياه عين الفيجة وحرمان سكان دمشق من المياه لفترة طويلة .. ولاتنفصل عن تدمير الزراعة في الغوطة الشرقية بعد ان شجعت الفلاحين على ترك مناجلهم وفؤوسهم ليحملوا السلاح وتحويل اراضيهم الى منصات لاطلاق الصواريخ وقذائف الهاون بدل الانتاج الغذائي .. وأنت لاتستطيع ان تفصل قتل قطعان المواشي والاغنام اليوم عن عملية سرقة مصانع حلب التي جرت علنا وفعلها لص حلب اردوغان ولم يطرف له جفن .. وسرق زيتون عفرين وادلب دون خجل .. ولاتفصلها عن تعطيل سد الفرات وتعطيل الكهرباء وتقطيع اوصال خطوط نقل الغاز التي تنقل الطاقة للناس وللمصانع .. بل ومنع اللقاحات الطبية ووسائل العلاج .. وهي تأتي استكمالا لسلسلة تخريب كل شيء كي لايبقى شيء سوى انسان بلا ثروة وبلا غذاء .. مثل الهندي الاحمر لايبقى له من كل ثروات وطنه شيء كي يبقى على قيد الحياة .. فيموت اما جوعا او مرضا او كمدا .. اذا لم تقتله البنادق ..

وعندما نقول ان الازمة الاقتصادية مقصودة وخطة جهنمية ولاتشبهها الا خطط المستوطنين البيض في افقار السكان الهنود الحمر وامراضهم وتجويعهم فاننا لانبالغ .. ولذلك فان كل من يملأ الدنيا ضجيجا عن الجوع والحرمان والأسعار المرتفعة عليه ان يتأمل في معنى ان يطلق ارهابيون النار على قطيع من الأغنام ويقتلوا مئات منها كانت ربما سببا في توفير شيء من الأمن الغذائي لآلاف الاسر القريبة .. وهؤلاء الارهابيون لايفكرون بطريقة قطاع الطرق الذين يبحثون عن الثروة بل بعقلية الكاوبوي الذي يقتل القطعان كي يجوع البشر .. ويستسلموا .. في كل بقعة تخريب لثروات وتخريب للمحاصيل ولاسباب الحياة ..

أرجو من كل من يريد ان ينفس عن غضبه على الفيسبوك ويشكو جوعه وارتفاع الاسعار ان يتوقف ليسأل نفسه .. من الذي يحرمه من الطعام؟؟ اهي سوء الادارة الحكومية او الفساد أم ان هناك عملية ممنهجة لافقاره .. ومن يقود هذه العملية هي عقول المستوطنين البيض التي لم تتغير منذ ان وصلوا الى اميريكا .. وعادوا الينا اليوم وجلسوا في قاعدة التنف .. وغيرها .. الكل بالنسية لهم هنود حمر ..

عليكم ان تتوقعوا في الحرب الامريكية على أسباب الحياة فنونا في تمهيد الطريق الى الابادة الجماعية .. ونشر الجريمة والفوضى بسبب الجوع ونقص الموارد وتسميم حياتكم ..

ولكن أيها السوريون ان المستوطنين البيض قريبون منكم جدا .. انهم في التنف وفي الجزيرة السورية .. وعرباتهم تسير على الطرقات … وليس أسهل من اصطيادها .. انها أسهل من اصطياد البوفالو او من اصطياد الاغنام في المراعي .. انها أسهل انواع الفرائس ..

خلاصكم من جديد ليس في القاء اللوم على بعضكم .. ماتفعلونه هو الهروب الحقيقي من مواجهة الحقيقة لأن أسهل اللوم هو لوم الذات ولوم النفس ولوم من في البيت .. اما اللصوص وقطاع الطرق فيبدو لومهم انتقاصا لرجولة الرجال .. وأخشى ان أقول وأرجو ان تغفروا لي ان قلت: ان كل من يخشى ان يوجه اللوم الأعظم للامريكان يعاني من نقص في رجولته .. وهو يتوجه للهدف الاسهل لأنه لايريد ان يعترف بالحقيقة .. يلوم الفساد والدولة وسوء الادارة وكل شيء .. ثم يذكر الامريكان في آخر القائمة من باب رفع العتب .. رغم ان الرجولة تقتضي ان تبدأ بالأمريكان في الاتهام .. وتنتهي بالأمريكان .. وباقي الاشياء تفاصيل نحن نتكفل بها .. والاستقلال الناجز يتكفل بها ..

ارجعوا الى ابي نواس وهو سيقول:
دع عنك لومي فان اللوم اغراء ……. وجوعنا في التنف .. لا .. بل هي الداء

المصدر: نارام سرجون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى