الضاحية وبكركي “على خط الزلزال”
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
حسناً، لنقرأ المشهد بهدوء كل من “حزب الله “وبكركي ليسا في وارد الخوض “بخناقة”، بدليل أن كليهما فعّلا مبدأ الاستثناء التصريحي بحق الآخر، ويتبادلان التواصل، من بعيد وعبر قنوات مفتوحة، كلما قاربت الأمور “لحظة الانفجار”، و لكل منهما مصلحة في بقاء الأجواء مضبوطة. معنى ذلك أن كلاً من الحزب وبكركي، لديهما مصلحة مشتركة ومتبادلة في التعايش تحت سقف واحد، ومنطق القيل والقال لا يجد مكاناً في قاموسهما، إذاً لماذا افتعال كل هذه الجلبة؟
إذا دقّقنا بالمضمون أكثر، لوجدنا أن الضاحية بما تمثل وبكركي بما تمثل، هما الطرفان الأكثر حرصاً على تأمين أجواء تأليف الحكومة، موضع الجدل والجمود حالياً، بدليل أنهما أطلقا مبادرات علاجية لقيت صدى واسعاً ولو أنها لم تسفر عن أي إختراق.
الأمين العام للحزب، وحين ناوب على ذكر مسألة التدويل في خطابه الاخير (موضع الاستقطاب حالياً) من بوابة الانتقاد وإبداء الرأي، لم يكن يقصد بكركي بدليل عدم ذكرها، بل حصر الذكر في مسألة الاعتراض على إقحام الفصل السابع والتي وردت من نائب عضو في كتلة حليفة. وفي الأساس، نصرالله وقيادة “حزب الله”، وطوال فترة نداءات البطريرك الراعي حول الحياد وما إلى ذلك، لم ينطقوا ببنت شفة، بل تركوا المسألة من دون تعليق رغم مراجعتهم من قبل أكثر من طرف، سياسي وإعلامي.
ولو كان ثمة نية للدخول في سجال، لكان مضى أحد ما من قماشة مسؤول إلى التعليق، لكن ذلك لم يحدث، ومع ذلك هناك من يفتعل مشكلة وجلبة من وراء كلام جاء في سياق العموميات!
أضف إلى ذلك، أن نصرالله كما “حزب الله”، يرفضون عادةً الدعوات إلى فرض التدويل أو مجرّد إقتراح درسه، من خلفية قراءة تاريخية لديهم تذكّر بمساوئ هذا الفعل على المجتمع عامة. ومؤخراً استشعروا بنقزة تجاه وجود فئة سياسية، تسعى إلى تأمين أجواء هذا التدويل وتسويقه، من خلفية موقف لديها بأن الحل في لبنان، لا بد أن يحصل عبر قناة التدويل إنطلاقاً من قاعدة موجودة لديهم، تدّعي أن ثمة طرفاً في لبنان هو أقوى من طرف، ويستقوي عليه! ومن سوء الحظ أن ذلك تزامن ودعوة البطريرك لـ”مؤتمر دولي” ترعاه الامم المتحدة، فتمّ التوسع في الموضوع إلى حد جعل الحزب نقيضاً لبكركي، ويهددها!
وقد ورد لاحقاً أكثر من تفسير حول مضمون دعوة بكركي، التي تميل إلى بحث مسألة لبنانية عالقة كتأليف الحكومة مثلاً بحضور دولي، وليس عرض كامل الوضع اللبناني على الطاولة، وهي تشبّه ما تدفع إليه، بمؤتمر الدوحة أو باريس أو سيدر أو غير ذلك، إنما هنالك فرق. ومع ذلك، فإن “حزب الله”، يجد من واجبه، التلويح الدائم بمخاطر التدويل في حال كان الهدف استهداف فئة، كما يحلو لمعراب أن تفعل، من وراء وضعها لرسالة في عهدة الأمم المتحدة تستجدي التدويل كحل!
ولعل الجلبة التي تدور أحداثها حالياً، تنطلق من مسعى لدى البعض في إجراء “هيكلة” على صعيد العلاقة بين الضاحية وبكركي، او إحداث شرخ على مستوى الرؤية المسيحية عامةً للضاحية، ورؤية بكركي من ضمنها، وثمة من يقدّر أن الغاية التي تستبطن كل هذا الهجوم الإعلامي، تهدف لتوسيع دائرة “الشرخ” بين قاعدتي الحزب و”التيار الوطني الحر”.
ولعل التيار ثم الحزب ومن خلفهما بكركي افتراضاً، قد استدركوا ما يحصل، لذلك بعث التيار بوفد إلى الصرح، ليوضح من جهة مسألته السياسية وأسباب التأخير في تأليف حكومة ويضعها بعهدة سيّده، ومن جهة أخرى، يحيط سيّد الدار بوجود فئة “تركب” موجة مواقف بكركي الاخيرة، لغاية في نفس التصعيد بوجه الضاحية، وهذا يتطابق مع وجهة نظر “حزب الله”، الذي يجد أن هناك من يتلطى خلف بكركي لإطلاق النار عليه، وتوسيع الشرخ المحتمل إلى أكبر درجة ممكنة، تمهيداً للبناء عليه في مواضيع سياسية لاحقة، أو خلق محورين ذات طابع ديني، وهو ما يمكن استثماره في مجال توسيع الاستقطاب الحاد تحت عناوين مذهبية!
ثم أن مواقف بعض القوى، تُضمر نفساً لـ”تزحيط بكركي” في مشاريع خاصة ذات أبعاد سياسية، أو بأفضل الاحوال جرّها إلى طروحات سياسية تبنتها تلك القوى منذ 17 تشرين ولم تعثر على الآلية لتطبيقها، بينما الآن، فتعتقد أنها قد عثرت على ضالتها تحت خيمة الصرح الماروني العام، على إعتبار أن دعوات البطريرك، من وجهة نظر هؤلاء، تمثل إمتداداً لمشاريع أو طروحات يعملون عليها أو عملوا عليها سابقاً.
لكن بكركي ليست في هذا الجو إطلاقاً، و في داخل الصرح، من يعتقد بوجود محاولات لاستخدامها كمنصّة للانقضاض على آخرين أو تحقيق أهداف سياسية آنية، ولعلّ أبلغ مشهد يقود إلى ذلك، هو فرض “خطوة الزحف البشري” الى الصرح. وعلى الرغم من أن بكركي تقبلتها من زاوية أنها تعبير ديمقراطي يخدم توجهاتها، لكنها كانت واضحة حين أبلغت من راجعها، أنها ليست الجهة صاحبة الدعوة أو الفكرة، بل أن ما جرى أتى من خارج رأيها او مشورتها، بل تركت أصحاب الدعوة يمارسون دعوتهم بحرية ومن دون تدخل من قبلها في أي مجال.
ورغم كل الحملات والمواقف، فما تناهى إلى الضاحية وما أُبلغ من قبلها إلى بكركي، ملؤه إحترام وتسامح، ولعلّ تلك الإشارات تسمح في عودة منطق الحوار إلى مجاريه السابقة.