حرب اقتصادية باردة بين الرياض وأبو ظبي.. فمن سينتصر؟
الوقت- تحاول كل من السعودية والإمارات تنفيذ خطط اقتصادية بهدف تنويع مصادر الاقتصاد وتقليل الاعتماد على قطاع النفط، الحليفان اللذان يشتركان في السياسة الخارجية بكل صغيرة وكبيرة هما اليوم على مفترق طرق والسبب يعود إلى المصالح الاقتصادية والتي بدأت تظهر بوادرها من خلال تصريحات وسياسات الجانبين السعودي والإماراتي.
يسعى كل من الإماراتيين والسعوديين حالياً إلى تنويع مصادر الاقتصاد، والاستفادة من قطاعات اقتصادية أخرى مثل: السياحة، الخدمات المالية، الخدمات اللوجستية، البتروكيماويات، التكنولوجيا.
ولكن الطرفين يفتقدان المواهب المطلوبة للعمل بهذه القطاعات، لذلك بدأت المنافسة مع بعضهما البعض لجذب خبرات المغتربين، وكذلك الاستثمار الاجنبي المتخصص بهذه المجالات.
حرب باردة بين الطرفين
بدأت بوادر حرب اقتصادية باردة بين الطرفين السعودي والإماراتي من خلال اتخاذ خطوات وسياسات اقتصادية متعددة حيث ستطلب السعودية بدءاً من عام 2024 من الشركات الأجنبية التي تود التعاقد مع الحكومة السعودية ومؤسساتها، أن تنشئ مقراً إقليميا لها في السعودية. و هذا يعتبر إشارة للشركات المستقرة في الإمارات بضرورة الوجود في السعودية وإلا سيخسرون فرصاً تقدر بتريليونات الدولارات في أكبر أسواق الخليج الفارسي.
كذلك بدأت السعودية بتقديم إغراءات كبيرة للشركات بهدف جذبها للسوق السعودي، مثل التخفيف من القيود على أسلوب حياة الناس، كالسماح بقيادة النساء للسيارات، والسماح بفتح السينما ودور عرض، وبناء مدن حديثة مثل نيوم.
ومن جهتها بدأت الإمارات باتخاذ خطوات أخرى للرد على السياسات الاقتصادية السعودية حيث قررت منح المغتربين حصة أكبر في اقتصادها، من خلال تعديل القوانين الخاصة بملكية الشركات المسجلة في الإمارات. كما أقرت بعض التعديلات على قانون الجنسية والذي سيسمح لبعض الوافدين بالحصول على الجنسية الإماراتية، وهي خطوة مصممة لاستقطاب المواهب إلى الإمارات.
تصريحات إماراتية لإدانة الخطوة السعودية
بعد القرار التخبطي من الجانب السعودي التزم المسؤولون الإماراتيون الصمت إلى أن خرج المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي ناصر الشيخ وكان لديه ما يقوله للمملكة وكتب تغريدة على تويتر” أن هذا القرار يتعارض مع مبدأ السوق الخليجي الموحد” مضيفاً ” التجارب العالمية و التاريخية أثبتتا أن الجذب القسري غير مستدام، والأجدى هو الارتقاء بالبيئة كما أعلنت المملكة و ستبهرنا” كانت هذه التغريدة كنوع من دس السم في الشراب حيث لا يخفي بعض المراقبين الاماراتيين تخوفهم من الخطة السعودية. ويعتبر العديد من رجال الأعمال الاماراتيين أن هذا القرار ما هو إلا قرار مريع، ومعادٍ للسوق والمنافسة وإرهاب للشركات.
ومن جانبه علق ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي، على إعلان السعودية عزمها إيقاف التعاقد مع الشركات الأجنبية التي لها مقرات إقليمية خارج المملكة بحلول 2024.
وقال خلفان في سلسلة تغريدة على موقع “تويتر”، إن القرار سيضر بدول خليجية، وإن مسار دبي التجاري ليس محدوداً بالمنطقة الخليجية.
وأضاف إن: “دبي لم تعد موقعاً إقليمياً على خارطة التجارة ولكنها موقع دولي، 75% من واردات دبي يعاد تصديرها إلى دول العالم، وإعادة التصدير تحتاج إلى سلسلة إجراءات هيأت دبي لها وذللت كل الصعاب”.
الواقع على الأرض ودليل التحرك السعودي
تستخدم الشركات الأجنبية منذ سنوات عديدة دولة الإمارات كنقطة انطلاق لفعالياتها الإقليمية في الدول الأخرى بما في ذلك المملكة العربية السعودية. على الرغم من حجم السوق السعودي إلا أن نصيبها من المكاتب الإقليمية لا يزال خجولاً للغاية فهو لا يتجاوز 5% إلى الآن، وهذا ما جعل محمد بن سلمان يخطط لسحب البساط من تحت شقيقته الإماراتية في قرار يضر في الدرجة الأولى بمصالح الإمارات العربية.
ويرى المراقب للمشهد السعودي الاماراتي أن المنافسة الخفية بين الدولتين ظهرت بشكل جلي منذ وقت بعيد من خلال مشروع برج المملكة الذي تقدر قيمته بحوالي 20 مليار دولار والذي لم يكتمل بناؤه، والمعروف أيضا باسم برج جدة. وهو مشروع شركة المملكة القابضة التابعة للأمير الوليد بن طلال، أحد أكبر تجار السعودية، ويهدف هذا المعلم للتفوق على أطول برج في العالم حاليا، وهو برج خليفة في دبي ولكن لا يزال تاريخ الانتهاء من هذا المشروع مجهولاً فالسعودية لا تزال تقحم نفسها بمشاريع أكبر من حجمها!!!
وفي المقابل أكد مراقبون أن هذا القرار السعودي هو بمثابة إعلان حرب اقتصادية تستهدف الإمارات ودبي. وتعتبر هذه الخطوة أحدث محاولة من جانب المملكة، وهي دولة محافظة دينياً، لإعادة تشكيل نفسها كمحور مالي وسياحي تحت قيادة الحاكم الفعلي محمد بن سلمان.
لكن يبدو أنه لن يكون من السهل تحدي هيمنة دبي في دولة الإمارات المجاورة باعتبارها العاصمة التجارية والمالية للمنطقة. ومع امتلاكها القليل من الثروة النفطية التي لدى جيرانها، بنت دبي اقتصادها على ما تتمتع به من مؤهلات كساحة مفتوحة أمام الأعمال والوعد بنمط حياة براق للمغتربين الأثرياء. لكن الإمارات تأخذ على محمل الجد التهديد القادم من السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم. ويبدو أن الاقتصاد سيفرق ما جمعته السياسة فصحيح أن الدولتين تجتمعان على كثير من القضايا السياسية في المنطقة والعالم إلا أن الاقتصاد سيفرقهما والدليل على ذلك القرارات المتخبطة من كلا الطرفين وردود الأفعال السريعة لتفادي ضربات قاضية قد تسبب أذى لاقتصاد أي من الدولتين