الإعلام في لبنان و”ديمقراطية الفوضى”
فاطمة سلامة-العهد
تُعرّف “أخلاقيات المهنة” بأنها مجموعة من القواعد والآداب والمبادئ والمعايير السلوكية والأخلاقية التي تحكم عمل مهنة ما. وبطبيعة الحال، لكل مهنة أخلاقياتها. ومهنة الصحافة والإعلام واحدة من المهن التي يحكم عملها مجموعة أخلاقيات. الطالب في كلية الإعلام يقضي وقتاً في دراسة أخلاقيات المهنة الإعلامية. المسؤولية، المصداقية والصدق والدقة تقع على رأس تلك الأخلاقيات. إلا أنّ العِبرة لا تكمن في حفظ هذا الطالب أو ذاك أخلاقيات المهنة عن “ظهر قلب”. العِبرة تكمن في ممارستها وتحويل “النظريات” الى تطبيق. وللأسف، هذا ما نفتقده كثيراً في مهنة الصحافة في لبنان، حيث جرى “تفريغ” الأداء الإعلامي في الكثير من الأحيان من مضامينه ليصبح أداء بعيدا كل البعد عن الرسالة الإعلامية الهادفة. والمفارقة لا تكمن فقط في تقديم محتوى مبتذل على تلك المحطة أو ذاك، لا بل في استخدام الحرية الإعلامية كشماعة لبث ما “هبّ ودبّ” من السموم لتعمية الحقائق وتأليب الرأي العام. وكأنّ هذا الإعلامي أو “الهاوي” لمهنة الصحافة نسي أو تناسى أنّ أي حرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.
وقد شهدت الساحة الإعلامية في لبنان مؤخراً نماذج إعلامية قد لا نجد المصطلح المناسب لوصفها بعدما وصلت الى الدرك الأسفل من الانحطاط. نماذج مسيئة للإعلام لا حرج لديها من إطلاق التهم المعلّبة جزافاً و”التبلي” على الآخرين وإثارة الفتن والنعرات في سبيل تنفيذ أجندة معينة. إعلاميون كثر باتوا محققين بارعين وقضاة يصنّفون الناس بين متهم وبريء حتى قبل أن تحضر الجهات المعنية في التحقيق لجمع الأدلة الجرمية والقرائن والمعطيات من ساحة الجريمة. وفي هذا الإطار، ثمّة سذاجة واستخفاف واضح بعقول الرأي العام لأهداف لم تعد خفيّة على أحد، ويكفي هنا استحضار مليارات ديفيد هيل الشهيرة.
عوض: نعيش عصر “الانحدار والانحطاط” الإعلامي
لدى سؤاله عن الأداء الإعلامي، يُسارع نائب رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع الدكتور ابراهيم عوض للقول: “نحن نعيش منذ ما قبل انفجار المرفأ في عصر “الانحدار والانحطاط” الإعلامي. نحن لسنا أمام إعلام، فأداؤه خرج عن المألوف والأصول ووصل في بعض الأحيان لحد “الفجور”، لا بل تخطى كل القوانين التي وضعت لضبط عمل الإعلام. لا أعني بهذا الكلام أننا نريد أن نوجّه السهام على حرية التعبير -يقول عوض- فالجميع يُجمع على أنّ حرية التعبير مصانة في الدستور، ولا منّة من أحد على هذه الحرية. لكنّ حرية التعبير لا تعني التجريح والشتم والسباب والعزف على وتر الفتنة وتأليب الرأي العام وتقديم صور مغالطة ومشوهة لما هو واقع وحقيقة.
النقد بات تعرضاً للكرامات الشخصية
وحول الأسباب التي تجعل الإعلام يتحرّر لهذه الدرجة، يقول عوض لموقع “العهد” الإخباري: “لنقلها بصراحة، فالإعلام لا يعمل في المريخ، بل ضمن هذه البيئة والمجتمع والدولة. ولا يخفى على أحد أن أوضاعنا متدهورة على كل الصعد المالية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والطبية والاستشفائية والى ما هنالك”. برأي عوض، عندما يكون كل هذا الاهتراء في الدولة وهذا الكم من الأزمات والمآسي يتوجه المواطن الى المسؤول ليوجه له الانتقادات، ولكن هذه الانتقادات -وفق قناعاته- تجاوزت الحدود ولم تعد فقط بمجال النقد بل أضحت بمجال التعرض للكرامات الشخصية بحد ذاتها.
لتصويب الأداء الإعلامي
وفي سياق حديثه، يؤكّد عوض أنه لو كان هناك أداء إعلامي جيد ورصين وموضوعي وعاقل لكنا تجاوزنا الكثير من التخبط الذي نحن فيه اليوم، والاهتزاز الذي يعيشه المجتمع اللبناني. للأسف، على الإعلام أن يكون قدوة وأن لا ينجر الى الشارع، بل عليه أن يأتي بالشارع اليه ويوجهه ويصوّب أداءه. بتقدير عوض، المطلوب اليوم تصويب الأداء الإعلامي لأنه خرج عن السكة والخطوط التي رسمت لعمل الإعلام.
لا بد من محاسبة موضوعية وعادلة وحكومة ذات رؤية إعلامية
ما المطلوب من الجهات المعنية؟ يجيب المتحدّث على هذا السؤال بالإشارة الى ضرورة أن يكون هناك دولة ومؤسسات عاملة بكل ما للكلمة من معنى. يجب أن يكون هناك حكومة تملك رؤية إعلامية. وهنا لا يخفي عوض أن معظم الحكومات اللبنانية التي تعاقبت منذ سنوات لا يوجد لديها رؤية إعلامية واضحة على الإطلاق، ولا يوجد لديها إرادة لضبط العمل الإعلامي ضمن الأطر الصحيحة والقانونية. برأيه، لا بد أن يكون هناك محاسبة موضوعية وعادلة للأداء الإعلامي، ولكن للأسف لم تتجرأ أي حكومة على اتخاذ قرار بحق هذه المؤسسة أو تلك رغم المخالفات العديدة التي ارتكبت. وهنا يستعير عوض كلاما أطلقه وزير الإعلام الأسبق غازي العريضي عام 2007 عندما كانت الخلافات السياسية على أشدها وانسحبت على وسائل الإعلام، سئل حينها العريضي قبيل دخوله جلسة الحكومة عن رأيه بالأداء الإعلامي فأجاب: ” لو أردنا تطبيق قانون الإعلام المرئي والمسموع لأقفلنا جميع المحطات”.
كلاس: الإعلام جنح باتجاه سياسي وتجاري وتمويلي
بدوره، عميد كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية سابقاً الدكتور جورج كلاس يوضح في حديث لموقعنا أنّ الأداء الإعلامي الذي نشاهده اليوم لا يصح أخلاقياً وقانونياً، فالأخلاق ضرورية لكل مهنة لها علاقة بالشأن العام وخصوصاً في الإعلام الذي يعد موجهاً، وهذا ما نصّت عليه مواثيق الشرف الإعلامية. ولا يعتبر كلاس الإعلام سلطة بل خدمة لأن السلطة تجنح، والإعلام -بنظره- جنح عند بعض الإعلاميين باتجاه سياسي وتجاري وتمويلي.
لسنا أمام حالة إعلامية سليمة
ويشدّد كلاس على أننا لسنا أمام حالة إعلامية سليمة في لبنان، وهذا ينعكس على الوضع اللبناني قاطبة. المشكلة الأساسية في هذا البلد تكمن في عدم وجود مرجعية إعلامية واحدة رسمية. وفق قناعاته، على الدولة اللبنانية بكل مفاصلها ومؤسساتها ومرجعياتها والمقامات فيها أن تقف على أبواب المحطات التلفزيونية الخاصة، اذ لا تلفزيون رسميا واحدا في لبنان ولا مرجعية إعلامية واحدة. وهذا لا يعني إلغاء الكل -بحسب كلاس- ولكن اذا أراد الانسان العادي سواء في لبنان أو الخارج معرفة الحقيقة حول الأحداث الجارية، فمن أين سيأخذها؟. لنأخذ مثالاً على ذلك، يقول كلاس، قضية تنحي المحقق العدلي وتعيين قاض آخر حيث جرى التداول بهذا الخبر إعلاميا قبل أن يكون هناك أي خبر رسمي، والمشكلة الأساسية في ذلك تكمن في غياب الناطق الرسمي الإعلامي في لبنان.
نعيش ديمقراطية الفوضى
وفي سياق حديثه، يؤكّد كلاس أنّ مشكلة “التفلت” الإعلامي أو الاعتداء الإعلامي تشبه الحالات الموجودة في البلد اذ بات لدينا محميات إعلامية، وبإمكان مسؤول ما حماية وسيلة إعلامية، وعندما تتغير مسؤوليته تصبح هذه الوسيلة بلا حماية سياسية. برأي كلاس، الميليشيات الإعلامية هي الأقوى سيطرة على الواقع اللبناني. نحن نعيش فوضى إعلامية وديمقراطية الفوضى وهناك ميليشيات تحكم هذا المسار. طبعاً، لا ينكر كلاس أنّ هناك الكثير من المؤسسات لديها أخلاقيات إعلامية وحرفية إعلامية، لكننا هنا لا نتحدث عن توجيه الرأي العام، بل عن الضوابط الانسانية والأخلاقية، وعندما يكون هناك خبر سواء كان صحيحا أم لا يجب أن نلتفت قبل نشره الى الأمن القومي والإنساني الأساسي، فما نراه اليوم مثلاً لناحية التعددية في المرجعيات الإعلامية الصحية يشكل خطرا، وعليه كل ما يقوم به وزير الصحة الدكتور حمد حسن من نجاحات من الممكن أن يُساء اليه من قبل أي شخص وسط غياب المرجعية الإعلامية الواحدة، يختم كلاس.