“الإنتخابات الفرعيّة” سلاح بري المُستَجِدّ؟!
“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى
كان لافتاً جداً اتصال رئيس مجلس النواب نبيه بري بوزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، طالباً منه التقيّد بالمادة 41 من الدستور لجهة ضرورة إجراء الإنتخابات الفرعية، في حين أن هذا الإتصال كان يجب أن يجري في وقت سابق على أثر استقالة مجموعة من النواب عقب انفجار مرفأ بيروت، أو على أثر وفاة النائب الراحل ميشال المر، أو على أثر وفاة النائب جان عبيد، فلماذا أُجري الآن في هذا التوقيت تحديداً، وما خلفيّته، ولماذا لم يتمّ سابقاً، ليأتي الآن خارجاً عن الإطار الزمني المنطقي له؟
هل الرئيس بري متحمّس فعلاً للذهاب نحو انتخابات فرعية؟ إذا كانت هذه هي الحال، فلماذا كان هناك انطباع سائد في السابق بأن الحكومة ليست في هذا الوارد؟ خصوصاً وأن وزير الداخلية نفسه، كان أكّد أن ما يقوم به من إجراءات هو شكلي فقط، باعتبار أن لا قدرة لدى الحكومة لإجراء انتخابات فرعية، ودائماً بحسب فهمي، بسبب الأوضاع الصحيّة العامة جراء تفشّي جائحة “كورونا”، كما الأوضاع المالية المتردّية في الدولة. وكان شدّد أيضاً على أن لا مؤشّرات لديه بأن هناك نيّة سياسية بالذهاب نحو إجراء هذه الإنتخابات، إلا أنه يقوم بالإجراءات بشكل تلقائي بحت. فهل هناك ما تبدّل في هذا الجو؟ وهل موقف الرئيس بري شكليّ أيضاً من أجل الحفاظ على ماء الوجه ليقول إنه يطبّق الدستور ويلتزم بمقتضياته، بانتظار أن تُظهر الأحداث والتطوّرات استحالة الذهاب باتجاه انتخابات فرعيّة للأسباب التي كان قد تكلّم عنها وزير الداخلية سابقاً، أو لسبب آخر كالخشية من اضطرابات معيّنة جراء تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، واحتمال انجرافها نحو انفجار إجتماعي عام؟
في الإجابة على كل هذه الأسئلة، اعتبرت أوساط سياسية متابعة، أن هناك وجهتي نظر:
الأولى، تقول إن الرئيس بري لا يريد أن يخرج عن سياق أنه رئيس مجلس النواب، وبالتالي، عليه التمسّك بالدستور، وهو معني مباشرةً أيضاً في أي شغور نيابي، وهو مسؤول عن الدفع باتجاه ملئه، لذا أتى اتصاله هذا انطلاقاً من كل هذه الإعتبارات ومن موقعه، باعتبار أنه لا يستطيع أن يتملّص ويتهرّب من اتخاذ موقف مبدئي مماثل. لذا يعتبر أصحاب وجهة النظر هذه، أن اتصال الرئيس بري، يأتي في سياق طبيعي وتقليدي وكلاسيكي، والمُراد منه تسجيل موقف سياسي مبدئي، فقط لا غير، في انتظار أن تظهر استحالة عمليّة على أرض الواقع ، تحول دون إجراء الإنتخابات النيابية الفرعيّة، وعندها سيكون لكل حادث لدى الرئيس بري حديث، باعتبار أنه أصبح معروفاً عنه، أنه أكثر شخص يتعامل بواقعيّة مع التطورات والقضايا الشائكة في البلاد، ولا يقف متعنّتاً عند ضرورة تطبيق النصوص بحرفيّتها واحترام المواعيد الدستوريّة وعدم المساس بها، فهو لطالما كان يُخرِج أرنباً من قبّعته ليجد الفتاوى غبّ الطلّب، والدليل الأكثر حداثة على ذلك هو التمديد لبرلمان الـ2009 بمباركته ومسعاه.
أما وجهة النظر الثانية، فتقول إن الرئيس بري عازم ومصمّم على إجراء الإنتخابات الفرعيّة، بهدف توجيه ثلاثة رسائل أساسية: الأولى إلى النواب الذين استقالوا ومضمونها، أن من يستقيل يفقد موقعه، فهو لن يترك لهؤلاء صفة “نائب مستقيل”، وسيذهب حتى النهاية في هذه المسألة لفتح الباب أمام إمكانية استبدالهم، وذلك لأنه يعتبر أن هذه الإستقالة شكّلت تحدّياً له ولإرادته ووضعيته.
أما الرسالة الثانية، فموجّهة إلى من يدعو إلى الإستقالة الجماعية من مجلس النواب، أي تحديداً إلى حزب “القوّات اللبنانية”، ومضمونها أيضاً واضح جداً، وهو أن أي استقالات محتملة لن تؤدي إلى نتائجها المرجوّة، أي تقصير ولاية مجلس النواب وفرض انتخابات نيابية مبكرة، باعتبار أن لا شيء دستورياً يلزم المجلس بالذهاب نحو انتخابات مماثلة. لذا، يقول الرئيس بري في رسالته هذه ، إن أي حركة مماثلة سيكون مصيرها الفشل، وسيعمل هو شخصياً على الدفع باتجاه ملء المقاعد الشاغرة بانتخابات فرعية، ليقضي بشكل كلّي على أي احتمال لإجراء انتخابات نيابية مبكرة.
والرسالة الثالثة، هي رسالة تحدٍّ واضحة موجّهة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون و”التيار الوطني الحر”، وتأتي من ضمن خلاف الرئيس بري الأبدي السرمدي مع هذا الفريق، المُعلَن تارةً والمُضمَر تارةً أخرى. فمن ناحية الإنتخابات الفرعية بالنسبة للرئيس بري، فهي ستكشف رئيس الجمهورية و”التيار” شعبياً، وستُظهر حقيقة تقهقر هذا الفريق على هذا الصعيد، حيث أن معظم المقاعد الشاغرة مسيحية، أما من الناحية الأخرى، فالرئيس بري يريد حَشر الرئيس عون بمواقفه خصوصاً لناحيه أنه كان قد أعلن سابقاً أنه داعم لإجراء الإنتخابات الفرعية، وهذا الموقف كان قد فُسّر من قبل الجميع في حينه، بأنه كلام لا يعدو كونه إعلامياً لا أكثر ولا أقلّ، لذا يريد الرئيس بري أن يضع عون أمام موقفه هذا.
وتشير الأوساط، إلى أن أصحاب وجهة النظر الثانية لا يستبعدون أن يكون قطع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط إقامته الدائمة في المنزل، وزيارته برفقة الوزير السابق غازي العريضي إلى عين التينة، في هذا التوقيت بالذات، هو للتنسيق المباشر ما بين الطرفين، حيث أنه من الممكن أن يكون الرئيس بري قد نسّق مع جنبلاط موقفه إزاء الإنتخابات النيابية الفرعيّة أيضاً.
في الختام، تؤكد الأوساط، أن الأسابيع المقبلة كفيلة بأن تبّين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذا الموضوع، وتكشف حقيقة مرامي وأهداف وخلفيات الرئيس بري إزاء مطلبه هذا لإجراء الإنتخابات النيابية الفرعيّة.