«فساد الإنسان» علّة لبنان الرابعة
عامر جلول -اللواء
لقد بدأت منذ شهر تقريباً، كتابة علل لبنان، التي يعاني منها هذا الكيان، ففي هذه المقالات الفلسفية،تناولت فيها العلل بشكلٍ معمق وليس بشكلٍ سطحي كما يتخيله البعض، ففي هذه المقالة، سوف أتكلم عن العلّة الرابعة وهي الأهم، وهي فساد الإنسان، نعتقد جميعاً أن الفساد يقتصر على الفساد المالي والإداري، وهذه القراءة تفتقد للواقعية وهي قراءة سطحية، ولكن في الواقع، وبسبب إنتشار الموروثات الثقافية العفنة، وأفكارٍ راسخة في اللاوعي، أصبح الوعي العقلي يتحرك ويتصرف وفقًا للأفكار التي ولدنا عليها وعشنا فيها. هل سبب فساد الدولة هو فساد الإنسان والمواطن اللبناني؟
لقد وصل لبنان اليوم إلى حافة الهاوية، فالدولة بنظر الفارابي مثل جسد الإنسان، من حيث الحركة والتركيبة البنيوية والبيولوجية، ومن حيث عوارض الفشل في بعض الأعضاء، التي تؤدي إلى أمراضٍ قد تؤدي إلى موته أي سقوط الدولة، للأسف، يعاني لبنان من أمراضٍ مزمنة، والشعارات الإصلاحية التي ينادي بها الفرقاء السياسيون، ليست إلا مخدر مؤقت، وتعود الأوجاع من جديد.هناك جدلية قديمة جديدة تقول،من أفسد الآخر، الشعب أم الحكام؟ طبعاً، إنها جدلية فلسفية تحتمل الكثير من التأويلات غير المتناهية، ولكن من المؤكد أن علاقتهم علاقة لصيقة لا تنتهي، ولكن ما شأن الإنسان؟ الإنسان منذ ولادته يولد على الفطرة السليمة، التي تقوم على فعل الخير، وليس كما قال بعض الفلاسفة، أمثال هوبز الذي قاله أن الإنسان كائنٌ شرير، ولكن بسبب المجتمع الذي يعيش فيه، والتراكمات من الصدمات الإنهزامية، تشوهت فطرته في كبره، وأصبح فاسد في فكره وسلوكياته.
بعد ثورة 17 تشرين، تشكلت الكثير من المجموعات الثورية، التي تنادي إلى إسقاط المنظومة السياسية، وتسعى جاهدةً لتسويق نفسها، كي تتصدر المشهد السياسي وتطرح نفسها كبديل وهذا حقٌ مشروع، ولكن السؤال، ما هي الضمانة، أن لا يتحول هذا الثائر إلى طاغيةٍ وفاسد؟ لا ضمانة على الإطلاق، وسوف أذهب أبعد من ذلك، سوف يتحول إلى فاسد مثل الفاسدين الذين تولوا السلطة ولن يفرق عنهم بشيء، وهذا يعود لسببين: الأول، إن النظام القائم يحول الإنسان الصالح إلى فاسد، من غير الطبيعي أن يكون كل النواب 128 فاسدين، وكل الوزراء أيضًا، فهذا تحليل غير منطقي، ولكن التيار يجرف الصالح ويجبره إما إلى الإستسلام والتنحي، وإما إلى الدخول في لعبة المحاصصة وغيرها، أما السبب الثاني، هو أنه غير مهيأ لتولي السلطة، فإن كشف صلاح الإنسان يكون من خلال إعطائه المال والسلطة، اللتين سوف تكشفان معدنه الحقيقي. لا بد من تحليل الجزئيات للوصول للكليات، وهي عملية نسبية، بمعنى أنها ليست دقيقة مئة في المئة، ولكنها عالية النسبة، التجارب الصغيرة والمسؤوليات الصغيرة تظهر معدن الشخصيات التي ترفع شعار الإصلاح، إن النية تسبق الشعار، فإن تيار الوطني الحر رفع شعار التغيير والإصلاح وهو رمز الفساد، كما أن جان جاك روسو كتب كتاب في التربية وأودع أولاده الخمسة غير الشرعيين في الميتم، الشعار يبقى شعار، إن لم يتحول إلى حقائق مطبقة. بسبب التركيبة الطائفية الغريبة والمقيتة، يولد الإنسان مشوه الرؤية والفكر، بسبب تشربه لإفكارٍ تتخاصم مع التقدمية والتنوير. في حياته وعمله الخاص، يكذب وينافق ويسرق ويعتمد معيار الواسطة ويمقت الذين يخالفونه الرأي، ويحارب الطوائف الأخرى لمجرد أنهم من طائفة مختلفة، لا يفقه شي في السياسية، ثم عند فشله في حياته الخاصة، يتوجه للعمل في الشأن العام ويرفع شعار مكافحة الفساد، للأسف هذه هي حالنا في لبنان، كيف إرتفع الدولار؟ بسبب فساد الإنسان، كيف فسدت الدولة؟ بسبب فساد الإنسان.
لا قيامة للبنان ولا لأي دولة، إن لم يتم إصلاح الإنسان في المجتمع، نعم وبكل أسف، لبنان الذي عاصر كل الحضارات والثقافات، أصبح ملوث الفكر، كيف لكائنٍ ملوث فكريًا وثقافيًا أن ينهض ويدير عملية التغيير ويشرع لقوانين تقدمية قادرة أن تنهض بالمجتمع؟ فاقد الشيء لا يعطيه، والفساد لا يقتصر على ذمته المالية والإدارية، إنما الجهل والطائفية والمناطقية والإنغلاق والآنا وعدم تقبل الآخر، هي أحد أوجه الفساد الذي بطبيعة الحال أدى بلبنان إلى الحالة التي يعيشها اليوم، صلاح بلبنان بصلاح الإنسان.