بوتين ينشر القاذفات النووية في سوريا… ما هي الأهداف؟
الوقت – نشرت صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا، إحدى الصحف الروسية المرموقة، مؤخراً عن خطة موسكو لتوسيع قاعدة “الحميميم” الجوية في جنوب شرق اللاذقية غرب سوريا. ووفق الصحيفة، تستعد روسيا لنشر قاذفات نووية استراتيجية في إطار تعزيز قدرتها العسكرية في هذه القاعدة.
وتشير الدلائل إلى أن روسيا تعيد بناء وتجديد المدرج في القاعدة، لنشر طائرات قادرة على حمل أسلحة نووية ورحلات طويلة المدى.
الآن وبعد هذا التحرك الروسي فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو، ما هي أهداف موسكو وفلاديمير بوتين في تطوير قاعدة الحميميم الجوية ونشر قاذفات نووية استراتيجية؟
سوريا جزء لا يتجزأ من استراتيجية موسكو في غرب آسيا
يمكن قراءة نشر القاذفات النووية الاستراتيجية الروسية في قاعدة الحميميم الجوية، كجزء من استراتيجية السياسة الخارجية الروسية الجديدة تجاه غرب آسيا.
على مدى العقود التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي، واجهت منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا تراجع موسكو وتقليص دورها.
لكن خطة الروس الآن لتوسيع قاعدة الحميميم الجوية ونشر قاذفات نووية استراتيجية في سوريا، تشير إلى أن منطقة غرب آسيا، وفي مرکزها سوريا، باتت مرةً أخرى في قلب السياسة الخارجية لموسكو. ومن خلال القيام بذلك، أظهر فلاديمير بوتين أنه يفكر في أهداف طويلة الأجل واستراتيجية في سوريا للعقود القادمة.
في غضون ذلك، من المهم أن نلاحظ أن نجاح موسكو في جعل سوريا عنصر الثقة في استعادة النفوذ الروسي المفقود في غرب آسيا وشمال إفريقيا، يکون في اعتبار النظام السياسي السوري هذه الخطوة الروسية عنصراً في خلق التوازن ضد عدوين رئيسيين له، أي الکيان الصهيوني وتركيا.
قبل نزع الأسلحة الكيميائية في سوريا، كانت هذه الأسلحة بمثابة أداة للحفاظ علی التوازن في مواجهة التهديد النووي للکيان الصهيوني، وکان يمكن أن تشكل أيضًا عقبةً مهمةً أمام تطلعات تركيا التوسعية، ومع ذلك، بعد نزع الأسلحة الكيميائية في سوريا، وجدت دمشق نفسها وحيدةً في مواجهة الهجمات الإسرائيلية، وفشل نشر أنظمة الدفاع S300 و S400 في تلبية التوقعات بشأن خلق التوازن.
ويشير هذا الاتجاه في المجموع إلى أن دفع سياسة روسيا المتمثلة في الوجود طويل الأمد وتحديد سوريا كمنطقة أمنية استراتيجية مهمة، يتطلب ضمانات وتعاونًا أكثر شمولاً مع دمشق.
مواجهة توسع الناتو نحو الشرق
منذ بداية الحرب الباردة، اتبعت حكومة الولايات المتحدة دائمًا استراتيجية توسيع نفوذها وبناء سياج أمني حول حدود روسيا، لاحتواء موسكو.
کما أنشأت واشنطن قواعد نووية استراتيجية والرد السريع في دول مختلفة، وخاصةً في تركيا، من أجل تحويل ميزان القوى ضد الروس لمصلحتها. وبعبارة أخرى، كانت خطة فرض حصار دفاعي وأمني حول روسيا في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، هي الاستراتيجية الرئيسة لحلف الناتو على مدار العقدين الماضيين.
روسيا ومن خلال أخذ الدروس من اختيار الصمت إزاء الإطاحة بالنظام الليبي في إفريقيا، وتاريخ الثورات الملونة في الحديقة الخلفية الروسية في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وتوسيع الوجود العسكري الأمريكي على الحدود الشرقية لروسيا بحجة الأزمة النووية الكورية الشمالية، وجهود الناتو للبقاء في أفغانستان وما إلى ذلك، تتبع الآن بقوة استراتيجية مواجهة توسع الناتو باتجاه الشرق.
من المؤکد أن روسيا ومن خلال توسيع المدرج في قاعدة الحميميم ونشر قاذفات استراتيجية فيها، تزيد من القدرة على المناورة الجوية لقاذفاتها ومقاتلاتها في البحر الأبيض المتوسط وغرب آسيا وشمال إفريقيا.
کما أن استخدام الطائرات القادرة علی التحليق بمساحات طويلة، من شأنه أن يخل بتوازن القوى والتوازن الجيوسياسي لصالح الروس في المنطقة؛ لأن المقاتلات الروسية الاستراتيجية المتمركزة في الحميميم، يمكنها الاستجابة بشكل أكثر فعاليةً للأزمات وأي تهديدات غير متوقعة.
كذلك، ستكتسب موسكو قوة مناورة كبيرة في البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، وهو ما لن يكون مطلقاً حدثًا سارًا للولايات المتحدة وحلف الناتو.
على صعيد آخر، يمكن اعتبار نشر القاذفات النووية الاستراتيجية في سوريا، جزءًا من الاستراتيجية الروسية الأكبر للردع النووي ضد الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
حقيقة الأمر هي أن وثيقةً بعنوان “مبادئ سياسة الحكومة بشأن الردع النووي”، قد تم نشرها مؤخرًا بانتزاع السرية عنها.
لقد ظلت هذه الوثائق سريةً لعقود من الزمن، ولكن الآن وبعد أن أتاحت موسكو الاطلاع علی الوثيقة للجميع، وأقدمت علی الخطوة المهمة المتمثلة في نشر قاذفات استراتيجية في اللاذقية، أظهرت بوضوح للمجتمع الدولي والغرب أنها تسير في طريقها للردع النووي. ومن المرجح أن يتعزَّز هذا الاتجاه في السنوات القادمة أيضاً
تحذير روسيا الأخير للإرهابيين
إن نشر قاذفات استراتيجية روسية في قاعدة الحميميم الجوية، إضافة إلى تحديد الهدف الاستراتيجي لهذا البلد لوجود طويل الأمد في سوريا، هو تحذير خطير على المدى القصير لاستمرار وجود الإرهابيين.
هذه القاذفات الاستراتيجية قادرة، إذا لزم الأمر، على مهاجمة مواقع الإرهابيين، وخاصةً في محافظة إدلب، وتقديم الدعم اللوجستي لقوات الحكومة السورية وروسيا على مختلف الجبهات.
في الواقع، مع تحركاتها الأخيرة في الحميميم، أظهرت روسيا أنها لا تری مكاناً للإرهابيين والجهات الأجنبية غير الشرعية في مجال المعادلات الميدانية السورية، وهي مصممة على دعم قوات الحكومة المركزية وإنهاء الأزمة بشكل مشروع في سوريا.
في الوقت نفسه، فإن الهدف الرئيس لروسيا هو تركيا وجماعاتها الإرهابية في محافظة إدلب، والتي احتلت بشكل غير قانوني شمال سوريا.