هل من رابط بين التفريغ والتمديد؟
شارل جبور-الجمهورية
– راجت في الأيام الأخيرة مقولة مفادها انّ هناك جهة سياسية لا تريد تأليف الحكومة، وانّ الفراغ الحكومي متعمّد ومقصود كذريعة لعدم إجراء الانتخابات النيابية ومن ثمّ الرئاسية.
لا شك انّ التمديد النيابي يشكّل هدفاً للفريق الحاكم الذي لا يريد ان يمتحن شعبيته وسط انهيار مالي كبير، وانتفاضة شعبية حمّلته مسؤولية مباشرة عمّا آلت إليه الأوضاع، وبالتالي سيسعى إلى ابتداع الحجج من أجل التمديد تجنّباً لخسارته الأكثرية النيابية التي في حوزته، والذرائع موجودة دائماً من رفض إجراء الانتخابات على اساس القانون الحالي، فيما من الصعوبة بمكان الاتفاق على قانون جديد، وصولاً إلى عدم أهلية حكومة مستقيلة منذ فترة طويلة لإدارة العملية الانتخابية، وما بينهما الأوضاع المالية التي لا تسمح بإجراء الانتخابات.
وبالتوازي مع السعي الى التمديد النيابي، لا يغيب عن بال أحد سعي فريق العهد للتمديد الرئاسي بأي طريقة من الطرق، أكان عن طريق تصريف الأعمال أسوة بالرئاستين الثانية والثالثة، أو من خلال الاستمرار بقوة الأمر الواقع وبذريعة عدم تسليم البلد للمسلمين، وقد بدأ التمهيد لهذا التوجّه عبر تطييف الاشتباك الحكومي والقول انّ رئيس الجمهورية لا يستطيع ان يغادر بعبدا ويسلِّم القرار الوطني لرئيس الحكومة.
فالتمديد النيابي مطروح بقوة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رفض الرئيس ميشال عون مغادرة القصر الجمهوري قبل منتصف ليل 31 تشرين الأول 2022، ولكن لا علاقة مبدئياً بالتمديدين وعدم القدرة على تأليف الحكومة، لأنّه من يضمن عدم انفجار الوضع الاجتماعي وانهيار الاستقرار في حال لم تتشكّل الحكومة، حيث من الصعوبة بمكان ان يتمكّن لبنان من الصمود من الآن وحتى ربيع وخريف السنة المقبلة من دون حكومة، لأنّ التدهور الحاصل سريع وكبير ولا يحتمل التسويف والانتظار لأشهر، فكيف بالحري لأكثر من سنة ونصف سنة؟
وهذا لا يعني انّ الحكومة العتيدة ستعيد الازدهار للبنان، إنما جلّ ما هو مطلوب منها، بالنسبة إلى الفريق الحاكم، ان تحدث صدمة إيجابية، فتهدِّئ الأسواق وتفرمل الانهيار المتدحرج وتشكّل محاولة لربما تنجح في الحصول على بعض المساعدات تحت عنوان تجنيب لبنان الانتقال من الانهيار إلى الانفجار.
فالترويج للحكومة في المحافل الدولية يحصل تحت هذا العنوان، اي في حال استمر الحصار على لبنان، فإنّ الانفجار الاجتماعي سيكون حتمياً، ويسأل المروجون للحكومة أصحاب القرار في الدول العربية والغربية، ما إذا كان من مصلحة دولية في إعادة شبح الحرب الأهلية إلى لبنان، ومدى قدرة الخارج على تحمُّل مضاعفات هذه الحرب، بدءاً من موجات النزوح، إلى تأثيرات السخونة اللبنانية على الوضع الإقليمي برمته.
ولا رابط لدى الفريق الحاكم بين التمديد النيابي والرئاسي وبين تأليف الحكومة، فهو على استعداد للتعامل مع كل استحقاق في وقته ووفق مصلحته وعلى طريقته، ومصلحته اليوم تكمن في تأليف الحكومة التي من دونها قد يفقد سيطرته على الدولة ومفاصلها ويطيح بأحد أبرز أوراق قوته التي يحرص على إبقائها أيضاً كورقة تفاوضية في حال سلكت التسويات في المنطقة سبيلها، وبالتالي لا يريد ان يكون شأنه شأن غيره من القوى السياسية، بل ان يكون ممسكاً بأوراق قوة تبدأ من إمساكه بالدولة، ولا تنتهي بإمساكه بالحدود.
ويتعامل «حزب الله» مع الاستحقاق الحكومي بمرونة لافتة، وقد توجّه السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة بطريقة تحببية إلى الرئيس المكلّف سعد الحريري، فلم يجار العهد في التصعيد ضدّه، إنما حاول على طريقة رفع العتب القول، انّ مسؤولية عدم التأليف لا تقع فقط على رئيس الجمهورية الذي يصوّر وكأنّه يتحمّلها منفرداً، فتبنّى طرح عون بتوسيع الحكومة من 18 إلى 20 وزيراً كمخرج من المأزق الحكومي، وهو يرضي بذلك العهد الذي ينتزع من خلال هذا الاقتراح الثلث المعطِّل، كما يرضي حليفه الدرزي.
ومعلوم انّ العهد عاتب على نصرالله لرفضه مجاراته في دفع الحريري إلى الاعتذار، وانّه دأب على التعاطي معهما على قدم المساواة، وجاءت دعوة نصرالله للحريري الى توسيع الحكومة لتؤكّد توجّه «حزب الله» الى انّه يريد حكومة الآن، وان يكون الحريري رئيسها، ومبادرته هي للخروج من هذا المأزق، ولكن هل يستطيع الحريري ان يتجاوب مع مبادرة نصرالله بعدما شدّد على انّ الحكومة ستكون من 18 وزيراً ونقطة على أوّل السطر؟ وهل من مصلحة الرئيس المكلّف أساساً التجاوب مع مبادرة طرحها نصرالله؟
فقد أخطأ نصرالله في الإعلان عن مبادرته، لأنّ الحريري لا يستطيع حيال شارعه والدول الخليجية والمجتمع الدولي ان يوافق على مبادرة طرحها الأمين العام لـ»حزب الله»؟ فهو عدا عن كونه سيكون محرجاً في حال تراجع بعد تشديده وتأكيده على حجم الحكومة، ولكن هذا الأمر يبقى ثانوياً عندما يحين أوان التسويات والتنازلات المتبادلة، إلاّ انّ المسألة باتت تختلف، حيث انّ أي تجاوب من قبله سيصوّر على أنّه مشى في طرح نصرالله، الأمر الذي ينعكس عليه سلباً على أكثر من مستوى سنّي وعربي ودولي.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل أنّ «خطأ» نصرالله عفوي أم مقصود، لأنّه لا يريد حكومة ولا حلاً حكومياً في الوقت الحاضر؟ من الصعب الكلام عن خطأ عفوي لشخصية تحضِّر إطلالتها وعناوينها بدقة ومسبقاً، وتدرك انّ اي دخول علني لها على الخط الحكومي يحرج الرئيس المكلّف الذي تتمّسك به إلى أبعد الحدود خلافاً لإرادة حليفها العهد، وبالتالي أين المصلحة في تقديم مخرج تدرك سلفا أنّه لا يمكن الرئيس المكلّف ان يتبنّاه، إلّا في حالة واحدة، وانّها تقصّدت إطلاق مبادرة لن يأخذ بها الحريري، بما يخدمه ويعزز وضعيته مع المجتمعين العربي والدولي، بالقول، انّ الأخير تمسك بموقفه ولم يتجاوب مع دعوة عون إلى توسيع الحكومة ولا دعوة نصرالله.
ولكن كيف يمكن التوفيق بين «خطأ» مقصود لنصرالله، وبين حرصه على تأليف الحكومة؟ من الصعب تفسير هذا الموقف خارج سياق إضافة تعقيد الى العِقَد الموجودة، لأنّ من يريد ان يسهِّل مهمة الرئيس المكلّف لا يقترح عليه حلاً لا يمكنه الأخذ به، بما يؤشر، ربما، إلى وجود توجّه إقليمي بعدم الإفراج عن الحكومة، ولكن في حال تمّ التوصل إلى أي مخرج للتعقيد الحكومي على قاعدة 18 وزيراً، فيكون نصرالله تقصّد الإعلان عن مبادرته الإعلامية بالوظيفة المنوّه عنها.
وبما انّ اقتراح نصرالله غير قابل للترجمة، وبما انّ الوساطات الداخلية توقفت عملياً، والوساطات الخارجية تفرملت، فإنّ الفراغ الحكومي سيبقى مفتوحاً، في انتظار بروز تطور معيّن، ما زال حتى اللحظة غير منظور بعد، فيما لا رابط، بالنسبة الى الفريق الحاكم، بين الاستحقاقات الثلاثة: الحكومية والنيابية والرئاسية، لأنّه يتعامل مع كل استحقاق بمعزل عن الآخر، ولا يجد نفسه معنياً بربطها، طالما انّه ما زال قادراً على توظيف كل استحقاق بما يخدم مصالحه.