سقوط “تكليف” الحريري: حوار حول “اتفاق الطائف”؟
ملاك عقيل -أساس ميديا
لم يعد هناك أدنى شك. أيّ حكومة ستولد في المدى القريب على رأسها سعد الحريري، ويترأس جلساتها رئيس الجمهورية ميشال عون “حين يحضر”، ستكون حكومة مأزومة “مشبّعة” بالخلافات وفقدان الرؤية الموحّدة لمواجهة أصعب أزمة في تاريخ لبنان الحديث. لن تنفع حينذاك وساطة أيّ طرف محلي أو أممي، بعدما أصبحت المساكنة بين الطرفين شبه مستحيلة، على أبواب بدء العدّ العكسي لنهاية العهد.
ربما هذا ما يفسّر السقوف العالية للطرفين، التي لا تعكس سوى الرغبة بـ”التطفيش” المتبادل. أما سياسة “الأبواب المفتوحة” التي أبقى عليها الحريري في خطاب 14 شباط، فلم تُترجَم في كواليس القصر الجمهوري، سوى بجولة إضافية في الحديث عن “استفزاز الرئاسة الأولى ومصادرة صلاحياتها”، مع ترك الردّ المُفصّل للنائب جبران باسيل يوم الأحد.
وأول دفعة على الحساب، ما صدر عن “تكتّل لبنان القوي”، باتّهام الحريري بأنّه يتصرّف على أساس أنّ المناصفة “شكليّة وليست حقيقيّة”، وبأنّ اتّهام رئيس الجمهورية بالسعي لنيل الثلث المعطّل “هو اتّهام باطل يتلطّى خلفه من يمارس سياسة الإقصاء، والعودة إلى زمنٍ كان فيه رئيس الجمهورية الشريك الضعيف والمغبون”. لكن ما لم يكن متوقّعًا أنّ هذا الاتّهام سيستهدف الضاحية أيضًا.
فالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كشف للمرّة الأولى موقفه من “عُقَد” الحكومة، مكرّسًا وقوفه تمامًا كما أوحى سابقًا، في الوسط بين ميشال عون وسعد الحريري… والأدقّ “في المنطقة الأقرب للحريري وحليفه الرئيس نبيه بري”. وبرَز هذا الواقع من خلال:
– اعتبار عون جزءًا من عملية التعطيل، حين أقرّ بالحرف الواحد أنّ “الجميع يتحمّل المسؤولية”، وإن رأى أنّ “من غير المنصف تحميل رئيس الجمهورية فقط المسؤولية”.
– “تفهّمه”، كما قال، لمطلب تمسّك الحريري بحقيبة الداخلية، التزامًا بالمعادلة نفسها التي حَكَمت تمسّك الثنائي الشيعي بحقيبة المالية. وهذا منطق خلافيّ مع بعبدا، التي سعت إلى المداورة في الحقائب السيادية. والأهمّ، “تفهّم” نصرالله لمنطق الحريري برفض حيازة أيّ حزب الثلثَ المعطّل. وهنا تحديدًا انضمّ نصرالله إلى الفريق الذي يسلّم بأنّ عون وباسيل يسعيان إلى “ثلث معطّل”، رغم نفيهما المتكرّر لهذا الأمر. وفي المقابل حَسَم حزب الله موقفه بوضوح كليّ برفضه أن يكون لعون فريقه “الخاص ناص” بقدرته التعطيلية داخل الحكومة.
– أمّا دعوة نصرالله لحكومة أوسع من 18 وزيرًا، وهو مطلب أساسي لفريق العهد، فذلك لا يحجب رفضه أن يكون للفريق المسيحي الذي يمثّله عون ويصرّ على تسمية كامل أعضائه، ثلث معطّل، إن كان في حكومة 18 أو 20 أو 22…
ويتّضح من خلال كلام نصرالله، أنّ حزب الله ليس في الصفوف الأمامية في الدفاع عن “منطق” فريق العهد في “أصول” تأليف الحكومة.
حتى أنّه عاكس ما سبق لباسيل أن راهن عليه من تطورات خارجية وتسويات تحصل: “يجب أن نكون مستعدين في الداخل لتلقّفها”، مؤكّدًا أنّ “انتظار الخارج لن يؤدّي إلى أيّ نتيجة”.
بالتزامن كانت قناة “nbn”، المحسوبة على بري، تتساءل: “لمصلحة من الإبقاء على أبواب الحلّ موصدة بأقفال الشخصانيّة والذهنيّة الإقطاعيّة؟ ومتى نَجح حُكم على مرّ العصور والشعب جائع؟ انظروا أبعد من قِصَر نظر من هم حولكم…”.
لكن بين زيارة السفيرة الفرنسية آن غريو للسفيرَ السعودي وليد البخاري يوم الاثنين، وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرياض، المرتقبة في 20 الجاري والتي ستلي زيارته الإمارات، يراهن أفرقاء في الداخل، بينهم فريق رئيس الجمهورية، على “تطوّرٍ ما” قد يدفع عجلة التأليف إلى الأمام.
الحريريون، من جهتهم، ينتظرون “انفراجات محتمَلة” في الموقف السعودي، تدعم موقف الرئيس المكلف في رحلة البحث عن حكومته. يحصل ذلك في ظلّ موقف سعودي ثابت حتى الآن، عكسه قبل أسبوعين وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، الذي ربط بين “الإصلاح السياسي ونبذ ميليشيات حزب الله”، وبين الخروج عن سيطرته كمدخل للحلّ.
فريق عون بدوره الذي ينتظر أيضًا نتائج لقاء ماكرون بالأمير محمد بن سلمان، يتمسّك بـ”القشّة” الروسية، في ظلّ انكفاء أميركي عن الساحة اللبنانية، عكسه جدول أولويات إدارة جو بايدن بالخروج أوّلًا من نفق كورونا وتداعياته الاقتصادية، والهمّ الأكبر المرتبط بالعلاقة مع الصين والهند، وانتظار “الخطوة الأولى” من الإيرانيين في ما يتعلّق بالملف النووي.
وهنا يقول مطلعون إنّ “الروس وعلى الرغم من الإيحاء بعدم استعدادهم للدخول مباشرةً على خطّ الملف الحكومي وتعقيداته، إلا أنّهم يشترطون في المقابل، ليقوموا بأيّ مبادرة، الالتزام من كلّ الأطراف بنتائجها. مع تسليم الروس بأنّ المبادرة الفرنسية لا تزال قابلةً للترجمة خصوصًا بوجود تنسيق مشترك بين الطرفين”.
لكن ما استجد في الساعات الماضية، هو كسرُ رئاسة الجمهورية جمودَ المشهد الحكومي، عبر تسريب مقرّبين من عون حديثًا عن ضرورة قيام طاولة حوار “تنفّذ ما تبقى من اتفاق الطائف”، كمدخل ربما لتعديلات دستورية أوسع تطال صلاحيات الرئاستين الأولى والثالثة.
وهو طرح يأتي في سياق تسليم ميشال عون باستحالة التوصّل إلى اتفاق مع الرئيس المكلّف، على أن يأتي هذا الحوار برعاية فرنسية أيضًا أو متعدّدة الأضلع أوروبية – خليجية.
ويستعيد قريبون من عون مضمون رسالة رئيس الجمهورية عشية استشارات تكليف الحريري، حين حذّر النواب من “آثار التكليف على التأليف، وعلى مشاريع الإصلاح ومبادرات الإنقاذ الدوليّة”، مؤكّدين أنّ عون “كان يتجنّب يومها الاصطدام مع الحريري بمسألة تكليف الحكومة، واستحالة التوافق معه على إدارة مرحلة الخروج من الانهيار”.
ووفق مصادر عون، فإنّ “الدعوة إلى الحوار الوطني اليوم، تأتي في سياق طرحٍ قيد الإنضاج بنسخة مغايرة عن جلسة الحوار في 25 حزيران 2020، التي كانت غايتها التصدي للعبث بالأمن والشارع، ومنع الفتنة، ربطًا بتداعيات أحداث 17 تشرين”.
وتأتي دعوة بعبدا إلى حوار وطني “لتنفيذ ما تبقى من اتفاق الطائف”، تحديدًا لجهة تطبيق اللامركزية الإدارية الموسّعة، في سياق دعوة سابقة أوسع لباسيل، في كانون الثاني الماضي، حين دعا إلى “نظامٍ جديد” عبر مطالبته بحوار وطني ينتج عنه تصوّر مشترك لنظامٍ سياسي جديد يضمن الاستقرار، مع تسليم باسيل بأن “لا الحكومة، ولا مجلس النواب، ولا القضاء، يستطيعون القيام بالإصلاح، وهذا يعني أنّ نظامنا فشل”. ويومها اقترح باسيل حصول الحوار “على البارد كي لا يقع الحلّ على السخن”!