الأجواء السياسية التركية وتداعيات واقعة غارا
الوقت- انتهت الحرب في جبل غارا في اقليم كردستان العراق وعادت القوات التركية إلى ديارها. حيث قُتل ما مجموعه 53 من عناصر حزب العمال الكردستاني واعتقل اثنان آخران في عملية واسعة النطاق نفذتها القوات الجوية التركية، والتي استخدمت أكثر من 40 طائرة مقاتلة وثلاث مروحيات وعدة طائرات بدون طيار، بالإضافة إلى مقتل ثلاثة ضباط وجنود أتراك و13 مخطوفا تركيا في أحد الكهوف، حيث أطلق حراس السجن النار على رؤوسهم قبل الفرار.
كان معظم المختطفين هم من الجنود الأتراك الذين اختطفوا بملابس مدنية وهم في طريقهم إلى العمل أو في إجازة. وقد تم سجنهم لأكثر من خمس سنوات في أحد كهوف غارا من قبل قوات حزب العمال الكردستاني، وفي النهاية لم يتم إنقاذهم، وشيعت جثامينهم يوم أمس.
إن اقدام حزب العمال الكردستاني على قتل 13 مخطوفا، بالإضافة إلى التأثير النفسي وتكثيف الجو القومي، جعلت المجتمع يخضع لاجراءات امنية اكثر واعتقل أكثر من 700 شخص.
اعتقالات واسعة النطاق في 40 محافظة
أعلنت وزارة الداخلية التركية أنها ألقت القبض على 718 شخصا في 40 محافظة في البلاد بتهمة التواطؤ والتعاون مع حزب العمال الكردستاني. وكثير من هؤلاء الأفراد أعضاء أو مسؤولون في حزب الشعوب الديمقراطي، ووفقا لوزارة الداخلية فقد تم العثور على عدد من الأسلحة والوثائق ومواد دعائية لحزب العمال الكردستاني أثناء عمليات تفتيش لمنازلهم وأماكن عملهم.
أطلق حزب الوطن الشيوعي، الذي وقف إلى جانب أردوغان خلال السنوات القليلة الماضية، حملة عامة تحث الناس على الانضمام إليه، بهدف إقفال حزب الشعوب الديمقراطي كمنظمة إرهابية.
حيث ادعى زعيم هذا الحزب دوغو برينجيك، والذي فاز بـ 95 ألف صوت فقط في الانتخابات الرئاسية، في بعض المحافل السياسية والإعلامية: “أنا من أدير البلاد وأعطي الحكومة منظورها”.
وبالأمس أيضا أعلن جهاز المخابرات التركي أنه ألقى القبض على اثنين من الشخصيات الرئيسية في حركة فتح الله غولن ونقلهما إلى تركيا. ووفقا لجهاز المخابرات فان هؤلاء هم شخصيتان بارزتان في حركة غولن وقد باعا بشكل متكرر أسلحة وذخيرة لحزب العمال الكردستاني.
أردوغان يهاجم الغرب
وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزعيم حزب العدالة والتنمية خطابا أمام حشد من أنصار حزبه أمس، يهاجم فيه امريكا وحلف شمال الأطلسي لدعمهما حزب العمال الكردستاني، وانتقدا أحزاب المعارضة وسألهم: بالنظر إلى أنكم ترون هذه الجرائم والخيانات لحزب العمال الكردستاني بوضوح، فلماذا لا تزالون متحالفين مع حزب الشعوب الديمقراطي، المؤسسة التابعة لحزب العمال الكردستاني؟
كما انتقد أردوغان بشدة في خطابه امريكا متسائلاً: “إذا اتفقنا حقا في الناتو، فلماذا لا تزالون تدعمون حزب العمال الكردستاني؟ سيد بايدن! انظر إلى القائمة الطويلة لجرائم حزب العمال الكردستاني وتوقف عن دعم حزب العمال الكردستاني”.
كما أشار أردوغان إلى قائمة طويلة من جرائم حزب العمال الكردستاني. وفي السنوات القليلة الماضية، أطلق حزب العمال الكردستاني النار مرارا وتكرارا على سيارات مدرسية في ديار بكر وماردين وأغري وباتمان وعدة مدن أخرى، مما أدى إلى مقتل العشرات من المواطنين الأكراد، وأشار اردوغان إلى أسماء بعض من هؤلاء الأشخاص وذكر بالضبط تاريخ هذه الهجمات الإرهابية.
انتقاد أردوغان
انتقد حزب الشعوب الجمهوري أردوغان، قائلا إنه “يجب إعلان الحداد العام في حالة استشهد 13 من أبناء البلاد على أيدي إرهابيين. لكن أردوغان لا يزال مهتما بالمصالح الحزبية، وعقد أمس مؤتمرا حزبيا في محافظة ريزة. وفي مثل هذه الحالة، يجب ألا يفكروا في مصالح الأحزاب”.
في غضون ذلك، انتقد نائب زعيم حزب المستقبل، وزير الداخلية قائلاً: “سليمان سويلو لا يستحق منصب وزير الداخلية وعليه الاستقالة. لا يحق لوزير الداخلية الحديث بكلمات الشارع. وبدلا من أن يقول ذلك، كان ينبغي أن يتحرك من أجل إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص “.
تشكلت هذه الانتقادات لأن سليمان سويلو قال: “إذا لم نعتقل مراد قارايلان زعيم جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، وقطعنا جسده إلى ألف قطعة، ستأتي عائلات الشهداء وتبصق في وجوهنا”.
توترات على خط أنقرة وواشنطن
أصدرت المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايز بيانا بشأن حادثة غارا ومقتل 13 مواطنا تركيا، شكك فيه بصحة الخبر وبصدق إدارة أردوغان. وقال “إذا ثبت أن هؤلاء الأشخاص قتلوا بالفعل على يد قوات حزب العمال الكردستاني، فإننا ندين بشدة هذا العمل”. كانت تلك الجملة الواحدة كافية لإثارة غضب أنقرة واستدعاء السفير الأمريكي ديفيد ساذرفيلد.
ساذرفيلد هو واحد من أكثر الدبلوماسيين الأمريكيين خبرة الذين على الرغم من أنه لم يتخذ موقفا متشددا تجاه تركيا، إلا أنه لم يكن على علاقة حميمة مع وزارة الخارجية التركية بسبب نهج عهد ترامب وبومبيو.
نقل ساذرفيلد بسرعة احتجاج السلطات التركية وكانت النتيجة أن وزير خارجية حكومة بايدن أنتوني بلينكين تحدث إلى نظيره التركي مولود جاويش اوغلو. لكن بالنظر الى محتوى تغريدة بلينكن تظهر أنه لا يوجد أي أثر للتعاطف أو التوافق.
وقال “لقد تحدثت مع جاويش أوغلو حول الأهمية الطويلة الأمد للعلاقات الثنائية بين امريكا وتركيا”. وأضاف “أتطلع إلى استمرار التعاون في سوريا ومكافحة الإرهاب وإجراءات التهدئة في شرق البحر المتوسط”.
الدفاع الغريب عن السياسيين الأكراد
لدى حزب العمال الكردستاني حزب تابع له في تركيا ، يمتلك 60 مقعدًا من أصل 600 مقعد في البرلمان. يسمى حزب الشعوب الديمقراطي، وقد تصرفت هذه الهيئة التابعة دائما بناءً على أوامر قادة حزب العمال الكردستاني في قراراتها السياسية، وهذه مسألة مهمة أثارت غضب الحكومة والحزب الحاكم. وقد وصف القوميون الأتراك ممثلي الحزب علنا بانهم “إرهابيين” وطالبوا بعدم إدراج هذا الحزب في قائمة مساعدات الحكومة التي تقدم للأحزاب في البرلمان. ومن ناحية أخرى يرى البعض أن هذا الحزب هو تعبير عن إرادة أكثر من 3 ملايين ناخب ولا ينبغي التعامل معه هكذا.
حزب الشعوب الديمقراطي، على الرغم من الكشف عن الجريمة النكراء المتمثلة في قتل 13 أسيرا في كهف غارا، لم يجرؤ هذه المرة على اتخاذ موقف ضد حزب العمال الكردستاني وأصدر بيانا فارغا قال فيه: “لقد قلنا مرات عديدة أنه يمكننا التوسط لاطلاق سراح هؤلاء الاشخاص لكن الحكومة لم تعر انتباه لما قلناه”.
وصرحت الحكومة أن التفاوض في هذا الصدد هو لإضفاء الشرعية على عمليات الخطف والاغتيال وليست على استعداد لتقديم تنازلات للمؤسسات التابعة لحزب العمال الكردستاني، حتى لو على حساب حياة المواطنين.
يواجه حزب الشعوب الديمقراطي الآن تحديين رئيسيين: من ناحية، لا تجرؤ أحزاب أردوغان المعارضة على الوقوف الى جانب هذا الحزب بسبب حادثة غارا، ومن ناحية أخرى، استؤنفت عمليات الاعتقال والاحتجاز وسُجن المؤيدين والمناصرين لهذا الحزب.
كورونا يكشف حزب العمال الكردستاني
كتبت صحيفة إيدنليك التابعة لبعض المؤسسات الأمنية والعسكرية التركية في تقرير خاص لها أن “حزب العمال الكردستاني لم يسع لاستخدام منطقة غارا الجبلية واحتفظ بها حتى اليوم. لكن بعد أن حاصر الجيش التركي حزب العمال الكردستاني في عدة مناطق، بما في ذلك خاكورك وحفتانين وسنجار، تم نقل بعض القوات إلى غارا. وقد علم مسؤولو الأمن الأتراك مؤخرا أن حزب العمال الكردستاني قد اشترى العديد من أجهزة التنفس الصناعي ونقلها إلى غارا. وأدت هذه الأنباء إلى خلق فرضية مفادها إصابة عدد من عناصر حزب العمال الكردستاني بفيروس كورونا ونقلهم إلى غارا. في هذه الحالة، تم تفعيل خط غارا وأصبح مهما لحزب العمال الكردستاني”.
وأضاف التقرير إن متابعة العديد من أجهزة التنفس الاصطناعي الى غارا أدت في النهاية إلى استنتاج جهاز المخابرات التركي أن 13 جنديا تركيا مختطفًا تم نقلهم أيضا إلى كهوف في هذه المنطقة.
الظروف المقبلة
جعلت حادثة غارا الأمور صعبة على المؤسسات التابعة لحزب العمال الكردستاني، واضطرت أحزاب أردوغان المعارضة إلى النأي بنفسها عنها كثيرا. نتيجة لذلك، وفي مثل هذه الظروف، يتمتع تحالف أردوغان – باغشلي بفرصة أفضل للبقاء، وبعبارة أخرى، فإن جريمة قتل الأسرى التي ارتكبها حزب العمال الكردستاني مؤخرا في كهف في غارا أوجدت ظروفا أدت إلى تقوية القومية التركية. وتقوية الانقسامات في الساحة السياسية وإضعاف خصوم أردوغان.