قمة دول الساحل الأفريقيّ وفرنسا في تشاد تحالف ضدّ الإرهاب أم نهب للثروات؟
} د علي سيَد*-البناء
انطلقت، مساء الإثنين 15/02/2021، أعمال الدورة السابعة العادية لقمة رؤساء مجموعة دول الخمس بالساحل الأفريقي وفرنسا، في العاصمة التشادية إنجامينا.
حضر افتتاح القمة قادة دول مجموعة الخمس (موريتانيا، وبوركينا فاسو، ومالي، وتشاد، والنيجر)، إضافة إلى رئيسي السنغال ماكي صال، وغانا نانا آدو أكوفو، ورئيس وزراء المغرب سعد الدين العثماني. كما شارك في الافتتاح ممثلون عن الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والسودان والإمارات ومصر وساحل العاج.
بحثت القمة القضايا الأمنية في دول المجموعة بظلّ ارتفاع وتيرة هجمات الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، التي كان آخرها هجوم وقع قبل أيام وسط مالي، وأسفر عن إصابة 28 من عناصر القوات الأممية، سلم الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، خلال الجلسة الافتتاحية للقمة التي استمرّت يومين، الرئاسة الدورية للمجموعة لنظيره التشادي إدريس ديبي.
وقال الرئيس ديبي، في كلمة الافتتاح، إنّ «هذه القمة تأتي للوقوف على ما تحقق من إنجازات على طريق تحقيق ثنائية الأمن والتنمية».
ومجموعة دول الساحل، تجمّع إقليمي للتنسيق والتعاون تأسّس عام 2014، ويهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، والعمل على حشد تمويلات واستقطاب استثمار أجنبي للنهوض ببلدانه الأعضاء، وفق ما يعرّف التكتل نفسه.
تعريف منطقة دول الساحل الخمس
إنّ منطقة دول الساحل إقليم شاسع ويبلغ عدد سكانه ما يقرب من 100 مليون نسمة ويشمل على وجه الخصوص خمسة بلدان (بوركينا فاسو مالي موريتانيا النيجر وتشاد) وتنضوي جميعها تحت لواء المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل. وتواجه هذا الإقليم العديد من الصعوبات والتحديات المتمثلة في تنامي التهديد الإرهابي والجريمة المنظمة، وتغيّر المناخ، والتوسّع السكاني، مما يتسبّب في إضعاف المنطقة. لذا يجب التصدي لهذه التحديات المشتركة على الأصعدة السياسية والعسكرية والإنمائية.
وتلتزم فرنسا بمعيّة شركائها الأوروبيين والدوليين التزاماً كاملاً بدعم دول منطقة الساحل في جهودها.
نشاط قائم على الشراكة بناء لطلب البلدان الأفريقيّة
تُشارك فرنسا في منطقة الساحل إلى جانب شركاء دوليين آخرين من أجل الحيلولة دون أن تصبح هذه المنطقة بؤرة دائمة يسودها عدم الاستقرار حيث يُمكن أن تستوطنها الجماعات الإرهابية وتُجرى فيها مختلف أوجه الاتجار، كالاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر وتهريب المهاجرين على وجه الخصوص وكلها عوامل قد تُهدّد أمن هذه المنطقة.
تقديم الدعم العسكري إلى بلدان منطقة الساحل
منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنيّة في منطقة الساحل، التزمت فرنسا التزاماً حازماً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي. وفي عام 2012، كانت الحركات الإرهابية والمتطرفة تهدّد أمن مالي وسلامة أراضيها وكادت تُحكم سيطرتها الدائمة على أجزاء كبيرة من أراضيها.
وفي كانون الثاني 2013، استهلّت فرنسا عملية سيرفال لدحر الجماعات الإرهابية في شمال مالي بناءً على طلب الحكومة الماليّة ودعماً للقوات الأفريقية والماليّة. وقد ذكّر القرار 2085 الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2012 ضرورة أن تُقدّم الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، ومنها فرنسا، الدعم إلى مالي في جهودها الرامية إلى استعادة السلام والأمن.
وعلى الرغم من هذا الالتزام العسكري، لا تزال بعض الجماعات الإرهابية موجودة في عموم هذه المنطقة. وفي عام 2014، حلّت عملية برخان محلّ عملية سيرفال. وتهدف عملية برخان إلى تقديم دعم أوسع من القوات الفرنسيّة لدول المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل.
وفي 15 تموز 2020، شرعت فرقة العمل تاكوبا في العمل عقب نشر العناصر الأولى للقوات الخاصّة الفرنسية والإستونية في شريط منطقة الساحل والصحراء.
الدعم العسكريّ الفرنسيّ في منطقة دول الساحل
نشر 5100 جنديِ فرنسي، 75 متعاوناً، تدريب أكثر من 7000 جنديِ تابع للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، تنفيذ زهاء 750 نشاطاً مُخصّصاً للتدريب أو للدعم القتالي.
وتعمل قوة برخان بالشراكة مع القوات المسلّحة لبلدان منطقة الساحل، لكي تكتسب دول هذه المنطقة القدرة على ضمان أمنها على نحو مستقلّ.
القوة المشتركة التابعة للمجموعة الخماسيّة لمنطقة الساحل
تمثّل المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل إطاراً للتعاون الحكومي الدولي أُنشئ في عام 2014 بتحفيز من الاتحاد الأفريقي الذي كانت ترأسه موريتانيا آنذاك. وتعمل منظمة المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل التي تتخذ من نواكشوط في موريتانيا مقراً لها على محورين وهما:
أولاً: مكافحة انعدام الأمن، ثانياً: تنفيذ أنشطة إنمائية من أجل فكّ عزلة هذه المنطقة.
وفي عام 2017، أعلن رؤساء بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد بصفة رسميّة، في باماكو، تشكيل القوة المشتركة العابرة للحدود. وأقرّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تشكيل هذه القوة العسكرية المشتركة في القرار رقم 2359 الذي أصدره في 21 حزيران 2017 والذي حظي بدعم فرنسا، كما تبناه مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الأفريقي.
وتتمثّل مهمة القوة المشتركة في تجميع الجهود في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والاتجار بالبشر. وأجرت القوة المشتركة أولى عملياتها العسكرية في تشرين الثاني 2017 بمشاركة القوات العسكرية لبوركينا فاسو ومالي والنيجر. وتضمّ القوة المشتركة، في قوامها الكامل، 5 آلاف عنصرٍ وتنفّذ القوة المشتركة عملياتها العسكرية على مسافة تبعد 50 كيلومتراً من جانبي الحدود المشتركة للدول. ونفذت هذه القوة بالفعل سبع عشرة عملية مشتركة بنجاح.
حشد الجهود من أجل ضمان الأمن في منطقة الساحل
توجد البعثات الدبلوماسية الفرنسية في كل من بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد ولدى المنظمات الدولية. وهي تبذل بفضل شبكة سفاراتها جهوداً حثيثة داعيةً شركاءها من الدول والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة إلى تقديم الدعم المادّي والبشري للمنطقة.
وفي عام 2017، حشد المؤتمر المعنيّ بتمويل القوة المشتركة التابعة للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية في منطقة الساحل. أمّا مؤتمر بروكسل في عام 2018 فقد أتاح جمع مساهمات مالية دولية بقيمة 414 مليون يورو لصالح القوة المشتركة التابعة للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل.
تنخرط فرنسا في إطار التحالف من أجل منطقة الساحل إلى جانب المانحين الأساسيين الآخرين في مجال التنمية. واستهلّت فرنسا بمعيّة ألمانيا والاتحاد الأوروبي هذه الشراكة التي حظيت أيضاً بدعم مصرف التنمية الأفريقي والبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إذ أضحت تتكوّن اليوم من 13 عضواً. وبفضل التحالف من أجل منطقة الساحل، ينصبّ تركيز المانحين الأساسيين النشطين في المنطقة على هدف مزدوج يتمثّل في تعزيز تنسيق المساعدة وفعاليتها ضمن نهج يضع نصب عينيه الطابع العاجل للوضع وإرساء الاستقرار والتنمية.
ومن حيث القدرات، تضُمّ حافظة التحالف ما يربو على 800 مشروع تحمل علامة AS (التحالف من أجل منطقة الساحل) قيد التنفيذ أو قيد التجهيز بمبلغ إجمالي قدره 11,6 مليار يورو مُخصَصة لتنفيذها، بمعدّل صرف يُقدّر بنحو 29 في المئة في عام 2019.
وتوصّل أعضاء التحالف إلى سلسلة من الاستنتاجات في ختام الجمعية العامة التي عُقِدَت في 25 شباط 2020 في نواكشوط على هامش مؤتمر قمة رؤساء دول المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل. إذ أعربوا عن رغبتهم في زيادة مرونة أساليب التدخل لتنفيذ الإجراءات على نحو أسرع لصالح سُكّان منطقة الساحل. كما أوصوا بتكثيف الجهود لتعزيز نجاعة التحالف من أجل منطقة الساحل لا سيّما من خلال تحسين الإجراءات المُتَخذة والتكامل بين المشاريع، وتعزيز الأخذ بنهج تفضيليّ بشأن المناطق التي تعتريها الهشاشة في إطار نهج إقليمي ومتكامل. وأوصوا كذلك بتعزيز قيادة التحالف من أجل منطقة الساحل ميدانياً لتسريع وتيرة آثاره فضلاً عن إقامة حوار بشأن إجراء إصلاحات تتعلّق بالسياسات الحكوميّة انطلاقاً من روح المساءلة المتبادلة.
الماضي الاستعماريّ يُلقي بظلاله
الشيء المشترك بين بلدان الساحل الخمسة، أنها خضعت جميعها للاستعمار الفرنسي، واستقلت جميعها في 1960، وباستثناء موريتانيا فجميعها جعل الفرنسية لغة رسمية بديلاً عن كلّ اللغات المحلية.
فالاحتلال الفرنسي دخل إلى مالي في 1833 عبر السنغال، وفي 1896 استعمر بوركينا فاسو، أما النيجر فدخلها بداية من 1904، بينما استعمر تشاد الواقعة في قلب الصحراء الكبرى في 1920. وخلال فترة الاحتلال الفرنسي لدول غرب أفريقيا تمّ استغلال ثروات هذه المناطق، ومحاولة القضاء على الهوية الثقافية والدينية لشعوبها، وتحويلها إلى أسواق للرقيق (إلى غاية 1848 تاريخ إلغاء العبودية).
كما جندت فرنسا شباب مستعمراتها للقتال في الحروب التي خاضتها خلال الحربين العالميتين الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945)، وأيضاً في حربها للقضاء على الثورة الجزائرية (1954-1962)، التي كانت سبباً رئيسياً في منح مستعمرات عدة استقلالها في 1960، لإبقاء الجزائر «جزءاً لا يتجزأ من التراب الفرنسي».
وخلال عقود من الاحتلال لدول الساحل، تركت فرنسا جراحاً لم تنسها شعوب المنطقة، وهذا ما يفسّر المظاهرات التي شهدتها كلّ من مالي والنيجر وبوركينافاسو ضدّ تمركز القوات الفرنسية في بلادهم، رغم أنه كان ينظر إليها في البداية كمنقذ لكنهم اليوم يطالبونها بالرحيل.
ختاماً.. أتت القمة بعد عام من تعزيز فرنسا انتشارها في منطقة الساحل، في سعيها لاستعادة الزخم في المعركة التي طال أمدها. لكن رغم النجاحات العسكرية المزعومة، لا يزال المتشدّدون يسيطرون على مساحات شاسعة من الأراضي ويشنّون الهجمات. وقبل ساعات من افتتاح القمة، قالت مصادر مالية إنّ جنديين قتلا في انفجار قنبلة على الطريق السريعة في وسط مالي.
وحسب إحصاء لوكالة الصحافة الفرنسية، ترفع حصيلة الهجوم عدد القتلى في صفوف القوات المالية والأمم المتحدة والفرنسية إلى 29 منذ بداية العام.
تدرك باريس التي تواجه تساؤلات داخلية متزايدة حول الكلفة المالية والخسائر البشرية للمشاركة الفرنسية (مقتل 50 جندياً منذ 2013)، أنّ الحلّ ليس عسكرياً محضاً. وترى فرنسا أنّ شركاءها في الساحل لم يقدموا على خطوات كثيرة في المجال السياسي، لا سيما مالي، لتطبيق اتفاق سلام وقع مع المتمرّدين السابقين في الشمال أو لعودة المدرسين والأطباء إلى البلدات التي هجروها.
*باحث في الشؤون الأفريقيّة.