بعد تبرئة ترامب… أربع عواقب صعبة تواجه الولايات المتحدة
الوقت- فشل محاكمة دونالد ترامب في مجلس الشيوخ الأمريكي بـ 57 صوتًا إيجابيًا مقابل 43 صوتًا سلبيًا، انعكس على نطاق واسع داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وقد اعتبر العديد من المراقبين السياسيين فشل المحاكمة الثانية لدونالد ترامب، انتصارًا كبيرًا للرئيس الأمريكي السابق، ولكن ربما تكون أهم قضية يجب الانتباه إليها هي، ماذا ستكون عواقب فشل المحاولة الثانية للديمقراطيين لعزل ترامب داخل الولايات المتحدة وخارجها؟
لا شك أن فشل محاكمة ترامب، يعني استمرار الترامبية وعملية لعب دور هذا الملياردير النيويوركي في السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن تهمة التمرد ضد الكونغرس قد أضرت بمصداقية ومكانة ترامب وأنصاره على المدى القصير، لکن تصويت مجلس الشيوخ بشأن عزل الرئيس السابق سيعني إحياء آماله للمستقبل.
ديكتاتورية ترامب على الحزب الجمهوري
النتيجة الأولى وربما الأكثر بروزًا لفشل محاكمة ترامب الثانية، يمكن أن تكون هيمنته على الحزب الجمهوري وخروج الحزب عن الممارسة المعتادة لمنصته التقليدية.
في الواقع، إن النتيجة الأكثر أهميةً لتصويت مجلس الشيوخ هي أن المستقبل السياسي لترامب لا يزال مطروحاً، وأن الفجوة التي نشأت خلال الانتخابات لن تتضاءل خلال السنوات الأربع المقبلة.
يفكر ترامب، مع الملايين من المؤيدين المشابهين له في التفكير، في إعادة الوصول إلی البيت الأبيض والكونغرس، وحتى الشخصيات الجمهورية البارزة لن تكون قادرةً على مواجهته، ليستمر الكابوس بالنسبة للنظام السياسي-الرأسمالي في أمريكا.
في الواقع، كان تصويت أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين نوعًا من التأييد لديكتاتورية دونالد ترامب على حزبه. ويقدر المشرعون الجمهوريون أنهم لن يتمكنوا من تحقيق نصر كبير في انتخابات مجلس النواب 2022 دون دعم ترامب، ومن ناحية أخرى فإن وجود ترامب في ساحة التنافس سيعزز قدرته في الحزب كلاعب لا مثيل له.
أزمة الإدارة في الحزب الجمهوري
على صعيد آخر، النقطة المهمة هي أنه مع تصويت أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لرفض تهمة التمرد علی الكونغرس، لم يكن الحزب الجمهوري هو الذي دعم ترامب، بل الجمهوريون هم الذين طلبوا دعم ترامب لهم، وبعبارة أخرى قبلوا شخصيته وتفوقه الشخصي على هيكل حزبهم.
تقليدياً، كان هناك صوتان رئيسيان داخل الحزب الجمهوري، الاعتدال والمحافظة، وکانت السياسة الكلية للحزب تجاه مختلف القضايا والشؤون تتحدَّد دائمًا من خلال تناقض هذين النهجين. على سبيل المثال، كان هناك أشخاص داخل الحزب مثل السيناتور ميت رومني الذي يمثل التيار المعتدل، وجون بولتون الذي يمثل الصقور والمتشددين.
كان لهؤلاء الأفراد وغيرهم من القادة السياسيين في الحزب الجمهوري مواقف واضحة إلى حد ما، لكن الحزب بات الآن تحت قيادة شخصيةلم تظهر على مدار السنوات الأربع الماضية، أي بين عامي 2016 و2020، أي سياسة واضحة يمكن التنبؤ بها تجاه القضايا الداخلية والخارجية الرئيسية.
في الواقع، خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه، أظهر ترامب أن مصالحه الشخصية لها الأسبقية والأولوية على المصالح الجماعية والحزبية، ومن ثم فهو غير مستعد للمساومة مع أي من التيارين الرئيسيين في الحزب الجمهوري.
وكما رأينا، هاجم ترامب لفظياً ميت رومني، وعائلة بوش، وجون بولتون، وجيمس ماتيس، ومارك إسبر، وأي ناشط سياسي جمهوري لم يوافقه في الرأي، أو فصلهم من مناصبهم.
إن الحزب الجمهوري بدعمه لترامب بات تحت سلطته نوعاً ما، وإذا لم يبتكر قادة الحزب استراتيجيات متماسكة لتجاوز ترامب في الأشهر القليلة المقبلة على الأقل، فيجب عليهم أن يقضوا السنوات الأربع المقبلة بالخوف والوجل من تصرفات ترامب.
حتى في الوضع الحالي، فإن الوضع سيء للغاية لدرجة أن العديد من المراقبين السياسيين يعتقدون أن الحزب الجمهوري لم يعد موجودًا، بل الموجود هو حزب الرئيس ترامب.
أفول الديمقراطية الأمريكية وترسيخ الصدع في نظام الحزبين
على الرغم من فشل محاکمة دونالد ترامب وعزله في الكونغرس الأمريكي، يمكن تقييم مسار التطورات في هذا البلد على أنه كسر للبنى التقليدية وانحسار للديمقراطية في هذا البلد.
ربما عندما کان بعض علماء الاجتماع والمؤرخين، مثل الفرنسي أليكسيس دوتوكفيل، يكتبون مقالات وكتبًا في مدح الديمقراطية الأمريكية، لم يتخيلوا أبدًا وضعًا مشابهًا للوضع الحالي للديمقراطية والمجتمع السياسي الأمريكي.
لقد ترسَّخ الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين، ويبدو أنه بمجرد وصول الجمهوريين إلى السلطة في مجلس النواب، سوف يتخذون نهجًا مشابهًا للديمقراطيين لعزل جو بايدن ونائبته هاريس. وبشكل عام، هذه قضية يمكن في المستقبل غير البعيد أن تدفع بالتقاليد الديمقراطية للمجتمع الأمريكي إلى حافة الانقراض.
إضعاف القوة الأمريكية في السياسة الخارجية
من المتوقع أن يكون لفشل محاكمة ترامب في الكونغرس، تأثير كبير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة بالإضافة إلى المستوى المحلي.
في البداية، خلقت خطوة ترامب لتحريض المحتجين على مهاجمة الكونغرس، انطباعًا لدی الدول الأجنبية وحلفاء الولايات المتحدة، أنه بالإضافة إلى انتهاء رئاسة ترامب، سيتم عزله نهائيًا من السياسة الأمريكية، ولن يكون هناك قلق بشأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
لكن مع قرار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بتبرئة ترامب، ستتزايد الشكوك بين حلفاء الولايات المتحدة حول هذا البلد وسياسته الخارجية، أكثر من أي وقت مضى.
ومثلما عانوا من سياسات ترامب وتحملوا تصرفاته، فإنهم الآن يشككون في السياسة الخارجية لإدارة بايدن أيضاً، وقد لمسوا بوضوح التهديد باحتمال عودة ترامب إلى السلطة في عام 2024.
في الواقع، حلفاء الولايات المتحدة، وفي ضوء أداء الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، الذي انسحب وانتهك خلال أربع سنوات من مهامه أهم المعاهدات والالتزامات الدولية، والتي كان معظمها نتيجةً لسنوات عديدة من الجهود السياسية للإدارات السابقة، يشعرون بالقلق من عودة الرئيس السابق إلى منصبه، ومن المؤکد أن هذا الأمر سيجعلهم أكثر ترددًا وحذرًا في التفاوض والتوصل إلى اتفاقيات مستقبلية مع إدارة بايدن.