يدلّ التحشيد العسكري الأميركي – الإسرائيلي غير المسبوق في منطقة الخليج على أن المنطقة متّجهه نحو «بروفا» حربٍ يزكّي احتمالاتها سيلٌ من التهديدات التي تطلقها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد «قوّة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، والتي تسبق بأيام قليلة تسلُّم الإدارة المقبلة، برئاسة جو بايدن، دفّة الحكم. وحتّى ذلك الحين، لا يزال المسار الذي تعتزم واشنطن سلوكه غير واضح، خصوصاً في ظلّ تَجدُّد الحديث عن مجموعة سيناريوات باتت جاهزة للتعامل مع إيران، وتحميل الأخيرة مسؤولية استهداف المصالح الأميركية في العراق.

وبحسب التقديرات الإسرائيلية، لم تشهد المنطقة، على مرّ تاريخها، استعراضاً للقوّة العسكرية، كما يحدث منذ أسبوعين في الخليج. استعراض تقول إن الغاية منه «منع إيران من القيام بعمليات ضدّ إسرائيل والمصالح الأميركية»، ردّاً على اغتيال رئيس مركز البحوث العلمية في وزارة الدفاع الإيرانية، محسن فخري زادة. وفي إطار التحشيد، أرسلت واشنطن، للمرّة الأولى منذ ثماني سنوات، غوّاصة الصواريخ الموجّهة «يو إس إس جورجيا» ترافقها سفينتان حربيتان تحملان بدورهما صواريخ موجّهة، هما «يو إس إس بورت رويال» و»يو إس إس فلبين سي» إلى الخليج، الأسبوع الماضي، وذلك بعد أيام قليلة من إعادتها حاملة الطائرات «يو إس إس نيميتز» مع مجموعتها من السفن الحربية إلى المنطقة في أعقاب اغتيال فخري زادة، وتحليق قاذفتين استراتيجيتين من طراز «بي-52» فوق مياه الخليج على بعد 150 كيلومتراً من المجال الجوّي الإيراني. في الإطار نفسه، نقلت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية، «كان»، عن مصادر استخبارية غربيّة قولها إن غوّاصة حربية إسرائيلية عبرَت قناة السويس متوجّهة إلى البحر الأحمر، مشيرة إلى أن هذا التحرّك جاء تحذيراً لإيران من مغبّة الردّ على اغتيال فخري زاده. وتأتي هذه التحركات في سياق رسائل الردع التي تبعث بها الإدارة الأميركية إلى إيران، ووسط تكهّنات بعملٍ عسكري أميركي محتمل ضدّ الجمهورية الإسلامية قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض. وإلى تزامنها مع الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الجنرال سليماني، يأتي هذا التصعيد وسط استمرار استهداف المصالح الأميركية في العراق.وفي أعقاب تعرُّض السفارة الأميركية لهجوم صاروخي، الأسبوع الماضي، نقلت «رويترز» عن مسؤولين في إدارة ترامب قولهم إن مجلس الأمن القومي بحث في البيت الأبيض عدّة خيارات لردع إيران ووكلائها عن مهاجمة العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين في العراق، بينما قلّل قائد القيادة الوسطى الأميركية، كينيث ماكنزي، من احتمال اندلاع صراع مع الجمهورية الإسلامية، معرباً عن اعتقاده بأن الأخيرة لا تريد حرباً مع بلاده. لكنه نبّه إلى وجود خطر كبير بأن تقوم طهران بتهديد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال سليماني. وكشف، في مقابلة مع شبكة «إيه بي سي» الإخبارية، عن «معلومات استخبارية» رصدت احتمال حدوث هجوم داخل العراق، من قِبَل إيران أو جماعات مدعومة من قِبَلها. تساوق ذلك مع مسارعة الرئيس الأميركي إلى تحميل «إيران المسؤولية» عن الهجوم على سفارة بلاده في بغداد، وتحذيرها من شنّ هجوم يتسبّب في مقتل أميركيين في العراق. وقال الرئيس الذي ستنتهي ولايته قريباً عبر «تويتر»: «سفارتنا في بغداد تعرّضت الأحد (20 الحالي) لعدّة صواريخ»، مضيفاً فوق صورة لثلاثة صواريخ قال إن إطلاقها فشل، «احزروا من أين جاءت: من إيران». وتابع: «الآن نسمع حديثاً عن هجمات أخرى ضدّ أميركيين في العراق»، موجّهاً «نصيحة ودّيّة لإيران: إذا قُتل أميركي واحد، فسأحمّل إيران المسؤولية». وقال محذّراً: «فكّروا في الأمر جيّداً». وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد حمّل طهران مسؤولية القصف، بينما قالت القيادة العسكرية الأميركية في المنطقة، في بيان، إن الهجوم الصاروخي «تم تنفيذه بشكل شبه مؤكّد من قِبَل جماعة متمرّدة تدعمها إيران». وحذّر مستشار الأمن القومي الأميركي، روبرت أوبراين، طهران من اختبار إدارة ترامب قبيل انتهاء ولايته، قائلاً في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، إن الرئيس كان واضحاً في شأن تحميل إيران مسؤولية مقتل أيّ جندي أميركي، واصفاً ذلك بـ»الخط الأحمر»، ومذكّراً بأن ترامب سيبقى رئيساً حتى العشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل.