جبران باسيل “مهدّد” من جديد!
كلير شكر-نداء الوطن
لا داعي لانتظار شهر أو شهرين بعد. لقد وقعنا في المحظور. كلّ ما في الأمر هو مجرد تدحرج لمسار دراماتيكي سيفرض نفسه على المشهد الداخلي وصولاً إلى الانفجار الكبير، أو بالاحرى التسونامي الاجتماعي الذي قد يقتلع كل شيء من حوله.
المفارقة – الفاجعة تتمثل في سلوك فريقيْن سياسيين يُمعنان في إضاعة الوقت على ترهاتهما بين “خدش” للصلاحيات الدستورية وثلث معطل وأسماء الوزراء وحقائبهم، في وقت تغرق فيه “التايتانيك” بمن فيها، ومعها حكومة تريدها الجهات المانحة والراعية لمهمة محددة، بمعزل عمن سيرأسها أو من سيدير وظيفتها. ومع ذلك، يُخيّل لراصد البيانات المتطايرة على جبهة “التيار الوطني الحر” – “تيار المستقبل” أنّهما بصدد التنافس على وضع الخطط الانقاذية أو تأمين بعض المساعدات للعائلات المتضررة جرّاء انفجار المرفأ، أو تلك الأكثر فقراً.
مشهدية مثيرة للسخرية، لا تدلّ إلا على عمق الأزمة التي تضرب القوى السياسية، و”التيار الوطني الحر” على رأس تلك القوى المأزومة لجملة أسباب.
كثيرة هي المؤشرات العلنية التي تثبت أنّ هذا الفريق “مضروب” من “جذروه”:
من الناحية التنظيمية، ثمة تفلّت غير مسبوق يطال القواعد فيما القيادات الوسطية لا تتوانى عن إبداء امتعاضها ومعارضتها لسلوك القيادة. ولهذا يغيب الحراك والاجتماعات والمتابعات المنتجة على هذا المستوى. فيما الخسائر التي يتكبدّها الطلاب في الاستحقاقات الجامعية دليل ساطع على الحالة الرفضية التي يواجهها “التيار”. أما رئيسه جبران باسيل فيبدي الكثير من اللامبالاة جرّاء الفوضى الحاصلة في حزبه بدءاً من رأس الهرم الذي يمثله النواب، وصولاً إلى آخر القواعد، ويركّز كل انتباهه على كيفية “انقاذ نفسه”.
تخبّط في صفوف النواب والقيادات. أشبه بحالة فلتان اعلامي لم تخفف من وطأتها التغييرات التي أحدثتها القيادة في الفريق الاعلامي، وقد بيّنت أنّ سلوك “التيار” طوال السنوات الأربع الماضية كان عبارة عن حملات دعائية لمنتج معتلّ.
لا حاجة كثيراً للتدقيق في محتوى الطلات الاعلامية للنواب، للتأكد من أنّ “تكتل لبنان القوي” صار عبارة عن مجموعة أجنحة، يغيب التنسيق حتى بين أعضاء المجموعة الواحدة. بعض النواب يغيب عن السمع والنظر كلياً إما لكونه لا يملك حجة الإقناع وإما لكونه غير مقتنع أصلاً. واذا ما تجرّأ ووقف خلف الكاميرا أو الميكروفون، فلن يمنع نفسه من التمايز عن قيادته. وما قضية مستشار رئيس الجمهورية السابق طوني حداد، إلا نموذج فاقع لازدواجية الرأي حيال توصيف العونيين له.
وها هو الوزير السابق الياس أبو صعب يستضيف ثلة من الشخصيات المثيرة للجدل في علاقتها مع باسيل، خلال مأدبة تكريمية وداعية للسفير البريطاني كريس رامبلينغ بمشاركة السفيرة الأميركية دوروثي شيا، التي لم يجف بعد حبر سجالها مع رئيس “التيار الوطني الحر” والذي لم يخل من اتهامات “بالكذب”.
أكثر من ذلك، باتت الاستحقاقات السياسية ضيفاً ثقيلاً على الاجتماعات الحزبية لا سيما على مستوى الصفّ الأول. أكثر من سجال حصل خلال الأشهر الأخيرة، أحدث تلك الفصول وقع جرّاء الموقف من المشاركة في الحكومة والسياسة التعطيلية التي ينتهجها باسيل. لبعض النواب والقيادات موقف متمايز عن موقف رئيس “التيار” ويعتقدون أن تطيير فرصة تأليف الحكومة قد يؤدي إلى تطيير العهد برمته. ولهذا يرى هؤلاء أنّ التمسك بالثلث المعطل لن يقدم أو يؤخر. سبق “للتيار” أن سمّى عشرة وزراء، وشبه حكومة كاملة (حكومة حسان دياب)، لكنه لم يتمكن من تسطير أي انجاز يذكر. فبماذا سينفعه الثلث اذا خسر البلد؟!
أبعد من تلك المقاربة، الأكيد أنّ هناك تعتيماً من جانب القيادة العونية على حقيقة الموقف الدولي حيال “التيار” ورئيسه، واستطراداً حيال تفاصيل تأليف الحكومة ومندرجاتها.
يذهب البعض إلى حدّ القول إن أياً من قيادات “التيار” هو على اطلاع على ما يتم التداول به بين البعثات الدبلوماسية حول احتمال تعرّض باسيل لعقوبات أميركية جديدة، وقد لا يتأخر صدورها وذلك ضمن سلّة أسماء قد تضاف إلى اللائحة السوداء، وهي من مختلف القوى السياسية. في موازاة مواكبة الاتحاد الأوروبي لهذا المسار من خلال تحديث قوانين من شأنها أن تساعد على ادراج مسؤولين لبنانيين على لوائح العقوبات، تحت عنوان ارتكاب جرائم ضدّ الانسانية من خلال تدمير مجتمع بأكمله.
الحقيقة المرة التي يدركها الجميع، تتمثل في استحالة نهوض البلد أو وقف انهياره من دون حكومة مقبولة خارجياً، فيما المخرج الوحيد المتاح راهناً هو المبادرة الفرنسية على الرغم من كل الطعنات التي تعرضت لها من الجانب اللبناني، لكنها بالنتيجة، هي خشبة الخلاص الوحيدة المتوفرة، ولهذا حرص “حزب الله” باكراً على اتمام تفاهمه مع الادارة الفرنسية لكيفية مشاركته في حكومة سعد الحريري.
ولهذا تعاطى “التيار الوطني الحر” في بداية الرحلة بكثير من الايجابية مع المسعى الفرنسي وراح في ما بعد يشدّ أحزمته مع التهديدات الأميركية الى حين وقوع العقوبات بحق باسيل، والتي دفعت بهذا الفريق إلى التشدد في سلوكه بانتظار الإدارة الأميركية الجديدة، ولو أنّ متابعين للشأن الحكومي يجزمون بأنّ رئيس الحكومة المكلف يلتزم القواعد نفسها في التأليف مع القوى السياسية، بمعنى الشراكة في تسمية الوزراء، فإمّا تأتي الاقتراحات من الفريق المعني ويكون لرئيس الحكومة حق النقض، وإما يكون لرئيس الحكومة حق التسمية ويكون للفريق المعني حق النقض.
ولهذا، فإنّ حفلة التلّهي الحاصلة بشأن الأسماء والأحجام لا تراعي الظروف الاستثنائية التي تحيط بالبركان الداخلي الآخذ في الغليان. كل المؤشرات تدل على أنّ الانفجار واقع لا محال، وهذه المرة قد تكون مشهدية 17 تشرين الأول، مجرد نزهة مسلية مقارنة بما قد يحصل في الشوارع وفي المدن اللبنانية وأمام قصور وبيوت القادة والمسؤولين السياسيين. يذهب بعض المتابعين الى حد الإشارة الىأنّ سيناريو اكمال الرئيس ميشال عون عهده، لم يعد محسوماً وبات قابلاً للنقاش الا اذا ما تمكنت الحكومة من اجتراح المعجزات لوقف النزيف، وهو احتمال صعب جداً.
أمّا كيف ينقذ جبران باسيل نفسه؟ فلا يبدو أنّ ما يقوم به من شأنه أن يساعده على ذلك. واذا ما صدقت تقديرات الدبلوماسيين، فهذا يعني أن الرهان على ادارة جو بايدن لن يغيّر المسار الانحداري.