لهذه الأسباب يتراجع الدور الفرنسي
تؤكد جهة سياسية فاعلة، بأن المبادرة الفرنسية باتت بحكم المنتهية، لا سيما أن المبادرة الأولى التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون من قصر الصنوبر من بيروت، لم يُطبّق منها أي بند، وأضحت خارج التداول، في حين أن التسوية الفرنسية ـ الإيرانية، كانت فقط من أجل تشكيل الحكومة الحالية، وبناء عليه، تشير المعلومات من مصادر مواكبة للدور الفرنسي، إلى أن ماكرون بدأ يتفرّغ لحملته الرئاسية، ويلاحظ أنه وفي خلال الأيام الماضية لم تصدر أي مواقف من الإيليزيه مخصّصة للوضع في لبنان، بخلاف ما كان يجري في الفترة الماضية من تعليقات ومواقف يومية، لا سيما بعدما فوّضت الولايات المتحدة الأميركية فرنسا بالملف اللبناني دون أي ممانعة أو معارضة من قبل روسيا، إضافة إلى ذلك، أن ماكرون يولي في هذه المرحلة مكافحة جائحة كورونا العناية الأبرز، وإن كان، وعلى الصعيد اللبناني، يعوّل على أصوات اللبنانيين المتحدّرين من أصل لبناني.
ولكن في هذه المرحلة، تضيف المصادر، لم يعد الوضع على الساحة المحلية العنوان الأبرز للسياسة الفرنسية، بمعنى أنه ليس هناك من مبادرات أو أي زيارة لموفد فرنسي، ولكن جلّ ما يقومون به هو المشاورات والإتصالات الفرنسية، وهذا ما ظهر جلياً خلال الأزمة مع الخليج إثر لقاء ماكرون برئيس الحكومة نجيب ميقاتي على هامش قمة التغيّر المناخي التي عُقدت في غلاسكو، حيث وعده بالمساعدة مع زعماء دول الخليج، إنما ارتفاع أعداد الإصابات بجائحة «كوفيد» في فرنسا، أضحت من أولويات السياسة الفرنسية، باعتبار أن أي تقصير في هذه المسألة يؤدي إلى ارتدادات سلبية على مسار المعركة الإنتخابية التي يخوضها ماكرون للفوز بولاية ثانية.
وتضيف المصادر نفسها، بأن هذا الموقف انعكس أيضاً على الشأن الإقتصادي ومؤتمر الدول المانحة، حيث كان لفرنسا دور أساسي في حضّ الدول المانحة لمساعدة لبنان، وعلى هذه الخلفية، ينقل بأن كل ما يتعلّق بهذه المسائل بات مجمّداً لجملة اعتبارات، أولاً تراجع الدور الفرنسي عما كان عليه ما بعد انفجار الرابع من آب، ثانياً، عدم التزام لبنان بالإصلاحات المالية والإدارية واستمرار الفساد والإرتكابات، لا بل أن الأوضاع أضحت أسوأ مما كانت عليه يوم زار ماكرون لبنان لمرتين متتاليتين، وثالثاً، أن الأزمة اللبنانية ـ الخليجية كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، باعتبار أن الدول الخليجية تشكل الرافد الأبرز للدول المانحة من خلال حجم المساعدات التي قد تقدّمها في مثل هذه المؤتمرات، وهذا ما برز بشكل واضح خلال مؤتمر «سيدر» عندما بلغ حجم المساهمات المالية من هذه الدول ما يضاهي المبالغ التي رُصدت من قبل الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي.
وفي غضون ذلك، فإن مصير أموال «سيدر» بات خارج التداول، وليس في الأفق ما يدلّ على تسييلها، لا بل لن تُصرف، وفق المتابعين، في هذه المرحلة قبل حصول الإستحقاقات الدستورية، والشروع في إصلاحات بحسب الشروط التي وُضعت آنذاك قبيل انعقاد مؤتمر «سيدر».
وختاماً، فإن غياب الدور الفرنسي الذي كان بمثابة «ومضة أمل»، سيكون له تأثيره في حال بقي على ما هو عليه من الفتور والجمود، وهذا ما يؤكد بأن هناك إجماعا دوليا على عدم دعم لبنان في هذه المرحلة لجملة اعتبارات، مما يبقي البلد يعيش في فراغ قاتل على كل المستويات السياسية والأمنية والإقتصادية.