اللبنانيون يصنعون معادلة “الجيش والقضاء والثورة”!
علي الأمين-نداء الوطن
يعيش لبنان تحت وطأة معادلات “ذهبية” (لا ترقى الى مستوى الخشبية)، تُفرض بالإكراه اللفظي والعملاني على السواد الأعظم من الناس، من أجل غرزها زوراً وبهتاناً في عقولهم وذاكراتهم. ويبقى أخطرها معادلة “الشعب والجيش والمقاومة”، التي ابتدعها “حزب الله” عبر “مريديه” من أركان السلطة البائسة الفاسدة، بقوّة السلاح الإيراني والتعطيل “غبّ الطلب”، التي جرّت مسلسلاً من الويلات على البلاد والعباد لم تكتمل فصوله بعد. ولعلّ إقحام الجيش في هذه المعادلة الساقطة من قبل “حزب الله” هو بيت القصيد، بهدف محاولة خطفه وحرفِه عن المهام الوطنية الملقاة على عاتقه، والتي تمكّنت القيادة في مراحل كثيرة حرجة من التفلّت من قبضته وهيمنته، خصوصاً وأنّ الجيش، ضباطاً وعناصر، كانوا ضحيّته في حوادث عدّة، وتصرّفت بمناقبية عالية خارج كلّ هذا “الهراء المطلوب”. واذا كان الجيش تمكّن من “الوقوف على رجليه” من جديد وتعزيز ثقته باللبنانيين، فهو بطبيعة الحال أنقذ مؤسّسة لا تقلّ أهمية عنه، وهي القضاء، وبات الرهان عليهما كبيراً في ظلّ ثورة 17 تشرين المجيدة، في إعادة ترميم المؤسسات من أجل إرساء مداميك وطن جديدة على هياكل تثير الخشية من سقوط أعمدتها على رؤوس اللبنانيين، الأمر الذي يحبّذ عندهم إطلاق معادلة وطنية جديدة “الجيش والقضاء والثورة”!
فلا تزال المؤسّسة العسكرية تشكّل في نظر معظم اللبنانيين حجر الزاوية في أي عملية خروج من نفق الأزمة الوجودية التي دخل اليها لبنان عنوة. ويبقى القضاء كذلك، السلطة المعوّل عليها للتناغم مع صرخات اللبنانيين واحتجاجاتهم ضدّ السياسات التدميرية التي اعتمدتها السلطة، وأودت بهذا الوطن الى هاوية سحيقة، وبات الخروج منها يتطلّب تغييراً جذرياً في مقاربة شؤون المؤسسات والمواطن، تغييراً يتنافى مع كلّ المسارات السابقة، التي قامت على تقاسم النفوذ والفساد بما فيه التخلّي عن السيادة في السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية.
القضاء والجيش ليسا بمنأى عن النقد، ولا عن الخلل الذي يطال جوانب عدّة في الدور والأداء، لكنّهما شكّلا مع انتفاضة 17 تشرين نافذة أمل للبنانيين، ووسيلتين محوريّتين لفرص استعادة قواعد الدولة، وبدا الجيش والقضاء نسبياً، متقدّمين على السلطة السياسية، التشريعية والتنفيذية، في المحافظة على الدولة وحمايتها، الجيش من خلال عدم تحوّله أداة طيّعة لقمع التظاهرات، والقضاء عبر محاولة التفلّت من سطوة السلطة، لا سيّما عبر التشكيلات القضائية التي لم يجر تمريرها من قبل السلطة السياسية حتى اليوم.
الثورة المضادة في مواجهة مشهد 17 تشرين والذي أدارته القوّة القابضة على السلطة، ركّزت ولا تزال على تهشيم كلّ ما يمكن أن يشكّل ركيزة لأيّ عملية تغيير في قواعد السلطة ونظام الفساد الذي يحكمها، الهدف من وراء ذلك القول إنّ الجميع فاسد أو متورّط، وعملت ايضاً على استنفار عصب طائفي كانت مجموعات حزبية تولّتها في مواجهة المعتصمين، سواء في وسط بيروت أو في المناطق ضدّ المحتجّين، بعدما امتنع الجيش عن القيام بوظيفة القمع. لا شكّ أنّ السلطة القضائية منتهكة ومُنهكة من التدخّلات الحزبية والسياسية، وتحوّل بعض النيابات العامة والقضاة أداة في يد القوى السياسية الحاكمة، وهي اليوم ولا سيّما في ملفّ التحقيق في جريمة “انفجار المرفأ” تبدو عُرضة لعملية تشكيك، لتقويض دورها أو تطويعه، كما هو جار مع المحقّق العدلي فادي صوّان، عبر التشكيك بإجراءاته ومصادرة حقّه في إدارة التحقيق، والدفع نحو استقالته بعد اتهامه بالتسييس.
والجيش ليس بمنأى عن هذا التحدّي، أي محاولة جرّه الى ما لا يريده، أي المواجهة مع المحتجّين، ومحاولة استدراجه الى مساحة تُدخِله في مأزق مع المواطنين وتطرح تساؤلات حوله، وهذا واقع تجهد السلطة في الدفع به في سبيل تحويل المؤسسة العسكرية صورة طبق الأصل عن السلطة، وأداة طيّعة لمصالح اطراف السلطة.
التظاهرات حول الدولار الطالبي ورفع قيمته في بعض الجامعات الخاصة، هو شأن يرتبط بالسلطة وليس بالجامعات، وتمنّع البنوك عن تنفيذ توصية مجلس النواب، تقع مسؤوليته على السلطة السياسية التي لم تسنّ قانوناً واضحاً يحول دون تفلّت البنوك من التزاماتها، أمّا التظاهر امام الجامعات الخاصة ومحاولة إحراق مدخل الجامعة الأميركية، فهو رسالة سياسية مفادها أنّ هذه الجامعة لن تكون بمنأى عن تداعيات الأزمة وربّما تكون عُرضة لأكثر ممّا جرى مساء السبت، والأهمّ أنّ الجيش لن يكون الملاك الحارس والقوة القادرة على حفظ الأمن والتوازنات بين السلطة والشارع المعارض، الثابت أنّ السلطة السياسية التي تتقاذف ملفّات الفساد لن تألو جهداً من أجل مزيد من توريط الجيش في مواجهة الشارع من جهة، وتهشيم القضاء منعاً لأيّ دخول جدّي الى مغارة المرفأ ومصرف لبنان ووزارة الطاقة، فالمغارة واحدة وإن تعدّدت كهوفها.